20/03/05
نشهدُ هذه الأيام مرور ثلاث سنوات على إقرار قانون عدد 10 لسنة 2017، والمتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه.
ويهدف هذا القانون المؤرخ في 7 مارس 2010 وفق ما جاء في فصله الأول إلى ضبط صيغ وإجراءات الإبلاغ عن الفساد وآليات حماية المبلغين بما يساهم في تكريس مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة والحوكمة الرشيدة ومنع الفساد ومكافحته في القطاعين العام والخاص. وممَا لا شك فيه أن هذا القانون يعدٌ مكسبًا تشريعيًا هاما يتنزل في إطار آليات مكافحة الفساد إلا أن هذا المكسب التشريعي قد يجابه عدة عراقيل واقعية وتحيط به حدود تحول دون أن يحقق أهدافه المنشودة.
بين الإنجازات والصعوبات
منذ دخول القانون المذكور حيز التنفيذ وصدوره بالرائد الرسمي والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بما توفر لديها من موارد مالية وبشرية تسعى إلى تكريسه وقطف ثماره. حيث أنشأت دائرة لحماية المبلغين كما توفر أربع أنواع من الحماية للمبلغين والمتمثلة في الحماية الشخصية والنفسية والوظيفية علاوة على توفير الإرشاد القانوني.
حيث تشير تقارير الھیئة الوطنية لمكافحة الفساد بانها قد تلقت خلال ثلاث سنوات، 662 مطلبا في الحماية لمبلغ عن الفساد تم توزيعھا للنظر فیھا طبقا للقانون الاساسي عدد 10 لسنة 2017 المتعلق بالتبليغ عن الفساد وحماية المبلغین لیبلغ العدد الجملي لقرارات اسناد الحماية، 145 قرارا مقابل 216 قرارا بالرفض.
كما نظرت اللجنة الداخلية المحدثة صلب ھیئة مكافحة الفساد في 430 مطلب حماية، اصدرت في خصوصھا 95 قرار إسناد (حماية) ورفض البقیة. فیما نظرت اللجنة المشتركة التي تتضمن أعضاء من الھیئة وآخرين من رئاسة الحكومة في 130 مطلب حماية المبلغین أسند منھا 20 قرار.
وھي لجنة تنظر في مطالب حماية المبلغین عن الفساد في الملفات التي تھم الفترة الفاصلة بین 14 جانفي 2011 الى دخول قانون التبليغ عن الفساد حیز التنفيذ.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم الطعن في 33 قرار حماية امام المحكمة الادارية من بینھا 23 طعنا قامت بھا الادارة المعنیة و10 طعون في قرارات رفض حماية تقدم بھا المبلغون.
من جھة اخرى أشارت ھیئة مكافحة الفساد إلى ان عدد الشكايات المحالة على النیابة العمومية من اجل التنكيل بمبلغ 28، شكاية تم اتخاذ اجراء في واحدة منھا و24 شكاية في طور البحث واتخاذ قرار بالحفظ في 3 شكايات.
وعملا بما جاء في بعض الدراسات والاحصائيات القائلة بأن المرأة أقلُ فسادًا من الرجل، انخرطت الهيئة الوطنية لمكافحة في هذا المسار وأطلقت في ديسمبر 2018 شبكة “نساء تونس ضد الفساد” في إطار أشغال المؤتمر الوطني الثالث لمكافحة الفساد.
وبالعودة إلى ديسمبر 2019 انضم مجلس نواب الشعب للميثاق الوطني لتفعيل الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. اتفاقيات تعاون وطنية وأنشطة عديدة ساهمت في الترويج للقانون وتشجيع المواطنين على التبليغ عن الفساد لكن تبقى العراقيل عديدة لتحقيق قانون حماية المبلغين أهدافه.
طول المسار القضائي لقضايا الفساد يرهق عزيمة المبلغين!
رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس حمادي يتحدث لـ”كشف ميديا” عن الصعوبات التي تجابه القضاة أثناء النظر في قضايا الفساد والعراقيل التي تحول دون صدور أحكام باتة في زمن قياسي.
“كقضاة علينا القيام بمجهود مضاعف في قضايا الفساد التي تعد من أعقد القضايا، علاوة على وجوب توفير إمكانيات هائلة من الدولة حتى نتصدى لهذه الآفة. فنحن بحاجة ملحة لأصحاب الخبرة من المحللين الماليين والاقتصاديين والاداريين والكفاءات المختصة في معاينة الفساد المالي والشركات الوهمية وفي انتقال الأموال من حسابات إلى حسابات أخرى إن كان داخل تونس أو خارجها”.
يؤكد حمادي لـ”كشف ميديا” أن الاشكال الأكبر لدى القضاة في قضايا الفساد هو أن الخبراء الماليين والإداريين الذين سيتابعون مع القضاة ليسوا متوفرين بالشكل المطلوب، كما أن الأمر القانوني الذي ينظمهم غير مفعل.
ويشير حمادي إلى أن عمليات الاختبارات التي يستعين بها القضاة هي عمليات مكلفة جدا، تحتاج إلى مجهود كبير من الدولة. كما شدد محدثنا على ضرورة ألا يقف القضاء مكتوف اليدين بتعلة نقص الإمكانيات المادية والبشرية، ووجوب القيام بدورات تكوينية مستمرة لهم حتى يتحسن أدائهم في القضايا المتعلقة بمكافحة الفساد.
ودعا المجلس الأعلى للقضاء إلى انتقاء أفضل القضاة المشهود لهم بكفاءتهم ونزاهتهم ويعزز بهم القطب القضائي المالي. وعلى الرغم من ان مجلس القضاء العدلي فتح باب التناظر مجددا للتناظر حول المسؤوليات صلب القطب القضائي الاقتصادي والمالي لكن النتيجة كانت دون المنتظر لتعزيز القدرات البشرية صلب القطب.
مبلّغين عن الفساد عوقبوا بتشويه سمعتهم وعزلهم عن وظائفهم!
على الرغم من وجود عشرات المبلغين الذين خضعوا لحماية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتم تكريمهم من طرفها وقوبلت مجهوداتهم في مكافحة الفساد بالإصلاح والتغيير. إلا ان عددا هاما من المبلغين تعرضوا بتضييقات وهرسلة وقوبل مجهوداتهم بأفعال انتقامية من قبل الجهات التي بلغوا عنها.
الموظف بالهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، في خطة كاتب عام، ن.ك، وهو أحد المبلغين عن شبهات فساد مالي وإداري صلب الهيئة. وبسبب عدم صمته وتجاهله للخروقات التي عاينها بوثائق مثبتة تعرض للهرسلة والتضييقات صلب الهيئة وجوبه بإجراءات عقابية لقاء تحركه. منها تجميده عن أداء مهامه بشكل عادي.
حيث يؤكد محدثنا أنه تم إنهاء الحاقه صلب الهيئة بشكل فجئي ودون سابق إعلام. يوم واحد فقط إبان تبليغه عن شبهات الفساد. كما لم تتخذ رئاسة الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وفق ما أفادنا به محدثنا التراتيب والاجراءات والاتصالات اللازمة في عملية إنهاء الإلحاق. حيث كان من المفترض أن يتم إعلامه من إدارته الاصلية. ويعتبر ن.ك أن ما حدث هو اجراء عقابي من اجل تضييق الخناق عليه وتشويهه بعد أن عُلل بقيامه باخلالات أثناء توليه مهامه. وهو أمر عار تماما من الصحة.
يقول في هذا السياق” تم خلع مكتبي وتغيير قفله دون علمي أو حتى التنسيق معي، أما إدارتي الأصلية فهي وزارة الشؤون الاجتماعية، يعني في حال إنهاء إلحاقي بشكل يحترم القانون كان من المفترض التواصل مع الوزارة مباشرة لا مع كاتب عام الحكومة ولا أي طرف آخر، وهو دليل واضح على استغلال النفوذ ضدي وسرعة تنفيذ قرارات تعسفية في حقي”.
اقرأ تقريرا عن شبهات فساد مالي وإداري صلب الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية
ن.ك ليس حالة منفردة بل يوجد العشرات من الموظفين العموميين الذين لم يتوانوا للحظة عن التبليغ عن الفساد حتى وإن كان يمارسون مهاهم في أشد المواقع خطورة وحساسية تجاه الأمن والاستقرار الوطنين.
محمد هيثم بلطيف، شاب تونسي، رئيس قسم سابقا بوزارة الشؤون الخارجية وعين لفترة موظفا بسفارة الجمهورية التونسية بدولة مالطا، تقدم في وقت سابق بشكوى للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حول شبهات فساد إداري واستغلال سلطة لصالح شخصيات وجهات أجنبية. ولعل أهمها منح بعض المسؤولين صلب وزارة الشؤون الخارجية لعائلة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي جوازات سفر دبلوماسية، هذا علاوة على سرقة إحدى أهم الوثائق الرسمية والتي تتسم بالسرية المطلقة وبوجوب إتلافها بعد الاطلاع عليها وتسريبها لإحدى الجهات الأجنبية.
نص استقالة محمد هيثم بلطيف
يقول بلطيف في هذا السياق ” تم التنكيل بي بعد أن كشف الفساد وخيرت مصلحة تونس فوق مصلحتي الشخصية، طردت تعسفيا، شوهت من قبل “الماكينة الإعلامية” لبارونات الفساد صلب الوارة، علاوة على اتهامي بسرقة سيارة ووضعي تحت طائلة القانون جزافا”.
وهنا صراحة نتساءل عن حدود القانون المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغین ومدى نجاعته، لا سيما ومن الفصل 35 منه ينص على انه “يعاقب بالسجن من 6 اشھر الى سنتین كل من يلجأ الى اتخاذ تدابیر انتقامية او الترھیب او التھديد مباشرة او بواسطة وباي شكل من الاشكال ضد شخص المبلغ واي شخص من الاشخاص المشار الیھم بالفصل 26 من ھذا القانون.