كشف


“كورونا الرأسمالية”: هل تصحُّ نوبل “للسلام” الممنوحة للـUTICA بعدما أعلنت “الحرب” على الأجراء؟!

20/04/16

أعراف مؤجرين، أم مجموعة من المستكرشين! وهل يجوز التعميم أم أنّ “كبيرهم” هو من طوَّقهم بحصن حصين؟! وفرشت له الحكومة أرضيَّة خصبة حتى يفعل بعمَّال تونس “الفعل المشين”!

استعلاء وتكبّر، أنانيّة وتجبّر، جشع وغرور وسوء تدبّر! وباء مستشري وما منهم رجل مفكّر! ولا مرأة بالمصيبة تشعر، وطن منكوب في قبضة ثلّة من التجار والجوع فيه متجذّر!

لا أعلمُ إن كانت هذه الكلمات تكفي لوصف بيان الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الصادر أمس الأربعاء، ذاك الذي كشفَ عن الوجه القبيح للرأسمالية المتوحشة في أبشع صورها، بنسخة تونسية خالصة. كيفَ لا والتوَّحش بدا جليًّا من خلال إعلان الحرب على الأجراء وقوتهم، دون مراعاة الظرف الخاص والاستثنائي الذي تمرٌّ به ليس بلادنا فحسب بل والعالم بأسره.

عشرٌ نقاط تضمنها البيان لم تأت بأي خير للأجراء ولا لهذا الوطن. عرت حقيقة التصريحات المنمقة و “الترهدين” الفائض في “حب تونس”.

 ولعلَّ أبرز ما جاء فيها “اعتبار المبالغ التي دفعت في فترة الحجر لشهر مارس والتي ستدفع كأجور لشهر أفريل استهلاكا لرصيد العطل الخالصة أو تسبقة على العطل خالصة الأجر لسنة 2020 أو كقروض يتم سدادها عن طريق ساعات العمل الإضافية حال رجوع الأمور إلى طبيعتها أو عبر منح آخر السنة”.

محضر اتفاق بين منظمة الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل و وزارة الشؤون الاجتماعية

انقلاب مباشر، وردّة غير مبرَرة، وتراجع مخجل على شرعية اتفاق ممضى منذ يومين بين منظمة الأعراف نفسها والاتحاد العام التونسي للشغل ووزارة الشؤون الاجتماعية قاض بخلاص أجور الموظفين كاملة لشهر أفريل، ومساهمة الدولة فيها ب200 دينار. وكأن هذه المنظمة التي تحصلت على جائزة نوبل للسلام مع باقي الأطراف الراعية للحوار سنة 2015 تجهّز عدَّتها لحرب ضاروس ضدَّ أكثر الفئات الاجتماعية هشاشة. طبقة الأجراء المفقرين أصلا، بضعف أجورهم في قطاعات عديدة، والارتفاع المستمر والمشط في أسعار المواد الأساسية، وسعيهم المضنى للحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية في ظل غياب رقابة صارمة من وزارة الشؤون الاجتماعية على ظروف عملهم على الرغم من قرب بعض النقابات منهم.

كيف لمنظمة أن تتدعي الوطنية والانخراط في دعم مجهودات الدولة في مجابهة فيروس كورونا وهي التي لم تبين حتى ذرة من هذه الوطنية عبر دفاعها الأعمى عن أصحاب كبرى المؤسسات التي وان تكبدت خسائر فترة الحجر الصحي لم تعد بالكارثية، طالما جهزت حكومة إلياس الفخفاخ حزمة من الإجراءات المنقذة والداعمة لها، حتى على حساب المواطن. كيف للجشع أن يصل بأن يطمع في بضعة أيام اجلست الأجراء في البيت، وقررت الدولة نفسها المساهمة في دفع أجورهم؟!

هل يعي رئيس UTICA  أن التراجع على عقد ممضى هو تعدي مفضوح على حقوق العمال وخدمة “خسيسة” ما من موجب حارق لها لأعراف استكثروا على وطنهم المساهمة ببضعة أيام خالصة الأجر دون استرجاع مصاريفها؟! ربما يعي ذلكن لكنه ماض قدما في ما يصب حصرا في مصلحة منظوريه دون الموازنة بينهم وبين الأجراء، والمصلحة الحارقة العاجلة لبلد يرزح تحت خط الارتهان لكل بنوك الدنيا.

يحملون شعلة النار في راحاتهم ولا يشعرون بأنهم يؤججون انتفاضة اجتماعية قد لا يدرك أحد ساعة اندلاعها لكن المؤكد أنها باتت وشيكة. قد لا يستفيق الناس بعد جلاء الوباء، فمن الجلي اليوم أن السياسات الحكومية باتت تصب جميعها في صالح اباطرة راس المال ومصالحهم ولوبيات الفساد وداعمي الأحزاب قديما وحديثا وأخطبوط المصالح.

منظمة الأعراف لم تكتف بما سبق ذكره في هذا المقال بل دعت في بيانها المخجل، تحديدا في نقطتها العاشرة إلى “ضرورة العودة التدريجية للعمل مع تأكيده على وجوب توفر جميع شروط الصحة والسلامة في المؤسسات لحماية العنصر البشر”. في تجاهل واضح للوضع الصحي العام الذي تمر به بلادنا ، والذي أكد عديد الخبراء أن فيروس كورونا ستكون ذروة انتشاره خلال الأسابيع القادمة تزامنا مع مظاهر عدم الانضباط لاحترام قواعد الحجر الصحي العام بالبلاد .

الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ليس الجهة الوحيدة الضاغطة بشكل مباشر على الحكومة التونسية وخياراتها، فقلد ظهرت في السنوات الأخيرة كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (كونكت) التي عبرت هي الأخرى فبي بيان لها أمس، عن رفضها القطعي للاتفاق، الموقع في 14 أفريل 2020، بين وزير الشؤون الاجتماعية والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، المتعلق بتسديد أجور العاملين في القطاع الخاص لشهر أفريل 2020.

منظمة هي الأخرى وجب اليوم طرح عديد التساؤلات حول دورها الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي في تونس. بعدما حامت شبهات فساد حول طريقة تسييرها والأموال التي تتلقى من جهات اجنبية.  حيث نشر رئيس بلدية روّاد والرئيس السابق لفرع “كوناكت” بولاية أريانة عدنان بوعصيدة عبر صفحته الرسمية على “الفيسبوك”  تدوينة مصاحبة بوثائق تحت عنوان “شبهات فساد تحوم حول طارق الشريف”. وأكّد بوعصيدة أنّه وخلال سنة 2018 تعرّض للإقصاء من العديد من القيادات من منظمة “كوناكت” التي يرأسها طارق الشريف بسبب كشفه لملفات فساد مالي في المنظمة وهي مبالغ هامة وقع منحها من مؤسّسات أجنبية على شكل هبات تفوق 14 مليون دينار لم يقع تسجيلها بالمحاسبية والموازنات المالية للمنظّمة إضافة لوجود فوارق مالية هامة بين تقارير النشاط المعروضة عليهم في الجلسات العامة والتسجيلات المحاسبية. مؤكدا تقدّم بشكاية لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ضدّ المنظّمة في شخص ممثلّها القانوني وكلّ من سيكشف عنه البحث.

ويبقى السؤال الملح، هل ستلتزم الحكومة الصمت المريب تجاه هذه الممارسات الرأسمالية الغارقة في الجشع والأنانية؟ أم ستتصدى لكرامتها على الأقل بعدما أخلت منظمة الأعراف باتفاقاتها الملزمة؟! علما وأن الصمت حماية لهؤلاء إن لم نقل تواطؤًا!