كشف حكومي


الحوض المنجمي: 6جوان الجرح النازف الذي لم تضمّده “الثورة” وحكامها

20/06/06

مرّت الذكرى 12 لانتفاضة الحوض المنجمي دون احتفالات في شوارع قفصة واقتصرت على زيارة للمقبرة، نظمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فرع الحوض المنجمي الرديف

منذ اكتشاف الفوسفات في عام 1885، أوّل مرة من قبل فيليب توماس، عرفت ولاية قفصة تاريخا طويلا منقفقققفغث الانتهاكات، وتم وأد أي تحرك احتجاجي للمطالبة بنصيب الجهة من ثرواتها الطبيعية.

ومثلما كان منطلق احداث الحوض المنجمي في 2008 بسبب اعلان نتيجة مسابقة توظيف لفائدة شركة فوسفات قفصة، تعيش الولاية قفصة منذ نهاية شهر رمضان المنقضي سلسلة من التحركات الاحتجاجية شملت أغلب المعتمديات، توقف بسببها انتاج ونقل الفوسفات.

حيث جاءت التحركات التي تشهدها المنطقة بعد تأخر نتائج المناظرات المعلن عنها سابقا لفائدة شركة البيئة والغراسات والبستنة والتي تعرف اختصارا بشركة البيئة.

حي عمر بن سليمان أحد أكبر الأحياء الشعبية بمعتمدية القصر المحاذي لسكة الحديد والذي طالما اشتكى سكانه من التلوث البيئي والأصوات التي يصدرها قطار الشحن، ولكن لا السكة ولا الحكومة اهتمت على مرّ السنوات لهذا الحي الذي بقي مهمشا وحتى انشاء قنطرة للمترجلين تعطل من سنوات

وسط الأسبوع الحالي دخل العشرات من شباب الحي في اعتصام مفتوح بسكة الحديد المؤدية الى قابس انطلاقا من قفصة وهو الخط الحديدي الوحيد الذي كان يؤمن نقل الفوسفات خارج ولاية قفصة بسبب اعتصام شباب القصر وخاصة شباب “الصمائرية” والسند وبوزيان والمكناسي من ولاية سيدي بوزيد.

سارعت السلطة المحلية فور دخول شباب حي عمر بن سليمان المعروف لدى الأهالي “بالسبط” بالحوار مع المعتصمين وامّنت لقاء جهوي ولكن الوعود كانت كما سبق وان تم تقديمها اعتبرها الشباب حبرا على ورق غير قابلة للتطبيق وأعلنوا مواصلتهم للاعتصام.

عادل شكري احد الشباب المعتصم يقول لـ”كشف ميديا“،

«سارعت السلطة الى ترهيبنا بتوجيه استدعاء لعشرة من شباب الحي، الترهيب لن يخيفنا وسنواصل اعتصامنا، الدستور يضمن حقنا في الاعتصام وفي تحقيق التنمية، لن نتخلى عن مطالبنا مهما كان ترهيبهم، وسترفع شكوى ضد الشركات المنتصبة بالقرب منّا والتي لم تلتزم لا بتحقيق التنمية ولا بسلامتنا البيئية”

وفي الجهة المقابلة لاعتصام شباب حي عمر بن سليمان يواصل أيضا العشرات من شباب بلدية القصر اعتصامهم، بنصب خيمة محاذية لتقاطع السكة المتجهة الى صفاقس مع طريق قفصة قابس، حيث قاموا بإفراغ حمولة 3شاحنات من الفوسفات فوق السكة ونفس المطالب تسمعها من الجميع «نحن هنا حتى تحقيق مطالبنا.. التشغيل لا شيء غيره”

لليوم الرابع، الجمعة الخامس من ماي، يواصل المعطلين عن العمل التظاهر والاعتصام امام مقر ولاية قفصة، بعد ان التحق بهم شباب السند والصمائرية يوم الخميس 4 جوان وشاركوا في مسيرة جابت الشارع الرئيسي لمدينة قفصة انطلاقا من مقر الولاية الى المقر الاجتماعي لشركة فوسفات قفصة

مختار ناصري ممثلا عن اعتصام “هرمنا” بمعتمدية السند وهي تنسيقية تدافع عن المعطلين بالجهة يخبرنا بمناسبة مشاركته في المسيرة

“خرجنا اليوم من مختلف الجهات، نوجه رسالة الى رئاسة الحكومة، رئاسة الجمهورية، ترغبون في الفوسفات، انتدبوا المعطلين لن تخرج نفة فوسفات (لن نسمح بنقل الفوسفات خارج قفصة) فلا ترغمونا على تصعيد تحركاتنا الاحتجاجية”

هناء نصيب، احدى المعطلات ومنسقة إرادة الحياة، تقول لـ”كشف ميديا” :

التهميش في قفصة متواصل من قديم الزمان وليس الآن، الى المسؤولين انتظروا ثورة جديدة ونقول لهم ان زواج المعطلة لا يعني اقصائها من الانتداب”

في مدينة المتلوي الأمر لا يختلف عن وسط مدينة قفصة، فأغلب المناطق الحيوية نصبت فيها الخيام، وفي المغسلة عدد 4 يعتصمُ العشرات من المعطلين من حملة الشهادات وغيرهم، يبتون في العراء شعارهم التشغيل لا شيء غيره. (المغسلة عدد 4 هي تعد من أهم المغاسل التي تقوم بتنظيف الفوسفات من الأتربة والشوائب بعد استخراجه من باطن الأرض)

شريفة خميلي متخرجة من سنة 2002 تحدثنا

“نحن هنا في المغسلة 4(اهم المغاسل بتوقفها يحصل شلل كبير في انتاج الفوسفات التجاري) اعتصامنا سلمي، مطلبنا نريد أكل خبزة مع بقية المواطنين وعود زائفة بإعلان مناظرات تبقى من دون نتيجة، وفي الأخير نعلم ان النتائج ذهبت لأطراف أخرى. اليوم لن نبرح أماكننا من دون إيجاد حلول لمطالبنا”

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان -فرع قفصة-في تفاعلها مع التحركات الاحتجاجية، أصدرت بلاغا حمّلت فيه الحكومة مسؤولية ما قد ينجرّ عن اخلالها بتعهداتها مع المعطلين ومع مكونات المجتمع المدني والأطراف الاجتماعية محذرة من مغبّة التعاطي أمنيا مع المطالب المرفوعة

والي قفصة منذر العريبي يقول “ان كل المطالب نتفهمها، وان التظاهر السلمي وكل حراك مدني هو حق يكفله الدستور ولن نمنعه، وأننا في تواصل مع السلطة المركزية للتسريع بإعلان نتائج المناظرات المنجزة سابقا ونتعهد بان تكون في كامل الشفافية”

بين سنوات بن علي وعهد “الثورة” لا شيء تغير في الحوض المنجمي!

تتزامنٌ هذه الحركات الاحتجاجية مع الذكرى 12 لاستشهاد حفناوي المغزاوي، واصابة 25جريحا برصاص الأمن، وذلك خلال أحداث ما عرف إعلاميا ب “انتفاضة الحوض المنجمي. حيث استشهد خلالها عبد الخالق عميدي في سبتمبر 2008 متأثرا بجراحه التي أصيب بها في السادس من جوان من نفس السنة.

هذه الانتفاضة التي انطلقت أولى شرارتها باحتجاجات من مدينتي “أم العرائس” وخاصة الرديف مركز الانتفاضة وتوسعت لتشمل “المظيلة”  وقرى برج العكارمة و المتلوي وأم القصاب وسيدي بوبكر وزانوش بأقل حدّة

وقد يختلف المتابعين في تاريخ ومكان انطلاقة الانتفاضة ولكن ما قد يتفق فيه الجميع ان هذا الحراك قد كسر حاجز الصمت وتجاوز هاجس الخوف وكان المسمار الذي دقّ نعش بن علي.

05 جانفي 2008 تاريخ محفور في ذاكرة أهالي قفصة، اليوم الذي أعلن فيه عن النتائج النهائية لانتداب أعوان وإطارات بشركة فسفاط قفصة والتّي كانت كسابقاتها مخيّبة لآمال معطّلي الجهة وعائلاتهم.

بعكس باقي المناطق ساهمت قيادات ميدانية في اخراج الحراك  من عفويته و ابرازه كواجهة لتحرك سياسي ونضالي هدفه التغيير واستهداف منظومة الحكم. فقد كان لوجود عدنان الحاجي ،وبشير العبيدي، والطيب بن عثمان وعادل جيار وبوبكر بن بوبكر وعبيد الخليفي بوجمعة الشرايطي وغيرهم. حيث اتضح هذا التأثير من خلال الشعارات السياسية والمطلبية المرفوعة. فبعد مطلب الشغل وتحسين ظروف الحياة، تحولت المطالب الى إدانة سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية، فرفعت شعارات ،”شغل – حرية – كرامة وطنية ،..أموال الشعب فى القصور، أبناء الشعب في السجون ،.. لا مناول لا سمسار أحنا هم أولاد الدار … لا فساد ولا إفساد في صفوف الاتحاد.

عادت الذكرى ودار لقمان على حالها!

يتذكر بوجمعة عزديني وهو استاذ شباب وطفولة، المجزرة التي ارتكبها نظام بن علي يوم 6جوان 2008 في حق شباب الرديف قائلا

«كان يوم تاريخي لا ينسى، توقفت فيه عقارب الساعة وبدأت حياة جديدة بمدينة الردّيف والحوض المنجمي ككل. الي يومنا هذا نناضل وسنواصل النضال من أجل افتكاك كل ما لنا فيه حق، ومن أجل كل ما حرمنا منه لسنوات. سيبقى يوم الشهيد لن ينسي وسيبقى في ذاكرتنا ومخيلتنا نروي حكايته الى الأجيال القادمة”

لا يختلف تقييم الناشط منذر بنعبد الله عن تقييم “بوجمعة” فهو يعتبر ذكرى 6 جوان 2008. حيث يعتبرها ملحمة تاريخية للمطالبة بالشغل والحرية والكرامة الوطنية وتحرك ثوري ضدّ الفقر والتهميش والظلم والمحسوبية حتى يرجع صدى مدينة الرديف. ” نستقبل احياء الذكرى في ظل تعتيم اعلامي وطني وطمس لتاريخ الجهة ككل، واقصاء لشهداء الرديف من مرسوم 97، سنبقى نناضلُ م اجل هذا المشروع وتصحيح للتاريخ” خلال انتفاضة الحوض المنجمي، انتهجت سلطة نظام بن علي سياسة ترهيب وايقاف شمل المئات من المواطنين واتبعت معالجة امنية لمطالب دستورية. أما الحكومات المتعاقبة بعد الثورة فلم تلتفت بجدية لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجهة، وتفاقهم نسبة البطالة. متغافلة عن تطبيق الدستور الذي يكفل التمييز الإيجابي ويضمن حق التظاهر. حكومة إلياس الفخفاخ لا تختلف كثيرا عن سابقاتها رغم مرور بضعة أشعر عن توليها السلطة، فلقد تعاملت مع مشاكل قفصة “عن بعد” وب “وساطة استشارية” خالية من برنامج جدي واستراتيجية عملية شاملة للإصلاح والتطوير.