20/08/05
جائحة كورونا عصفت بالقطاع السياحي في العالم كما في تونس، وحولت مدنا بأكملها إلى ساحات أشباح خالية من أصوات الحياة وحركة البشر. ولعل مدينة طبرقة الواقعة على بعد حوالي مئتي كلم من العاصمة تونس، إحدى المدن المتضررة منها. أما انقطاع زيارة الجزائريين إليها فقد زاد من عزلتها وعمّق بطالة عشرات المهن الصغرى التي كانت تسترزق من وراء الحركية في المدينة
عدة أسباب داخلية وخارجية أثرت مباشرة على الوضع في طبرقة، أهمها خطورة الوضع الصحي، وتعطل حركة السفر حول العالم وعدم اهتمام السلطات المحلية بتشجيع السياحة الداخلية وإهمال كل المعالم الجاذبة للتونسيين.
طبرقة حيث تطل الجبال الخضراء ويمتزج لونها في الأفق البعيد مع لون البحر الأزرق، تنبت بين كل هذه التضاريس الساحرة والمتنوعة من أشجار غابية و رمال وصخور نحتتها الطبيعة لؤلؤة الشمال، أول عاصمة المرجان كما يحلو للبعض تسميتها.
تتعدد معالم المدينة الشمالية الجميلة نظرا لعراقة تاريخها وماضيها القريب، رغم بشاعة الحاضر كما حدثنا أغلب سكانها. حيث يعلوا شبه الجزيرة الحصن الجنوي مطلا بمنارته على البحر المتوسط مرشدا إلى اليوم السفن المبحرة ومراقبا البحر وخباياه.
وتتميز المدينة بهندسة كولونيالية على طريقة الطراز المعماري الغربي، والتي بدأت تفقد معالمها نتيجة الإهمال البلدي والبناء الغير الملتزم بالقواعد العمرانية ولا حتى الهندسية المميزة للمدينة. الأسقف القرميدية الحمراء ولون مبانيها الأبيض. أما واجهة بحرها فتتزين بكرنيش وميناء صيد وأخر تجاري من أجل رسو سفن ويخوت.
وعلى أحد هضابها القريبة من البحر يوجد المسرح التاريخي القديم المسمى بالبازيليك وعلى واجهة البحر جنبا إلى جنب مع شاطئ الإبر الصخري، يوجد المسرح الجديد في المدينة الذي يغلق أبوابه هذه السنة نتيجة جائحة كورونا مثله مثل النزل الشبه خالية والأخرى المغلقة تماما.
طبرقة مدينة اليوم شبح أمام ماضيها
هشاشة القطاع السياحي التونسي جعلته أكثر تضررا من نظرائه في العالم وضاعفت من خسائره. لأن عدم إيلاء الدولة أهمية للتنمية في الشمال الغربي عموما وطبرقة خصوصا، جعلها تعتمد فقط على السياحة في حين كان بالإمكان تدعيم الاستثمار في قطاعات حيوية أخرى كالفلاحة والصناعة.
إلا أن هذا التحليل قد لا يبدو مقنعا بالنسبة للطبرقيين الذين تعودوا على قدوم الجزائريين بالآلاف بينهم. ويجدون في السياحة مورد رزق كاف لعيش حياة “مستورة” كما يراها “عم علي” أحد باعة الصناعات التقليدية على كورنيش المدين
“مدينة طبرقة باتت وكأنها شبح لماضيها القريب..خالية من الحياة” هكذا وصفها لنا
“الحالة حابسة طول” حيث يشتكي العم علي من ضعف الإقبال والنقص الحاد في عدد السياح سواء الداخليين أو الأجانب. وطبعا شبه انعدام للحرفاء الجزائريين نتيجة إغلاق الحدود المشتركة بين البلدين
تعمل حاليا المؤسسات السياحية من نزل وفنادق ودور ضيافة في تونس حسب برتوكول صحي خاص بجائحة كورونا يحدد القواعد الطبية وقواعد السلامة الواجب استخدامها لمواصلة العمل واستقبال الحرفاء، مثلما أقرته وزارة الصحة. ومنها تقليص طاقة الاستيعاب إلى أقل من خمسين بالمئة سواء بالنزل أو المطاعم والنوادي الليلية، وضرورة لبس الكمامة للعمال بالنزل. مع التأكيد على وجوب التعقيم واتاحة السوائل اليدوية المعقمة في كل مكان، وقيس الحرارة عند دخول الحرفاء.
هذه السنة الاستثنائية فرضت عديد المصاعب على القطاع السياحي في تونس و كل العالم.
محمد موظف بأحد نزل المدينة يتحدث لـ”كشف ميديا” عن أزمة السياحة في المدينة التي أنتجها جائحة الكورونا . و يرجع السبب الأساسي والموضوعي إلى ضعف إستثمار الدولة في البنية التحتية الخاصة بالقطاع، و تشجيع الحرفاء على زيارة المدينة. وخاصة التونسيين منهم في ظل حالة الإغلاق. اي أن الدولة طيلة السنوات الفارطة أهملت المدينة ولم تجذب مواطنيها إليها، واكتفت بالاعتماد على السياح الأجانب .
حالة غلق المطار قبل انتشار جائحة الكورونا، رغم الحملات الشعبية المتكررة في المدينة لضرورة إعادة فتحه وادماجه في الدورة الاقتصادية الوطنية وبالتالي في المدينة، تسببت هي الأخرى وفق محمد في بطأ تركيز سياحة داخلية. وعلى الرغم من كل وعود وزراء السياحة والنقل من بعد الثورة إلى اليوم لم يتغير شيء في حالة المطار أو وضعية السياحة عموما في طبرقة، رغم بعض المواسم التي شهدت تحسنا طفيفا حسب محمد.
وأيضا يرجع محدثنا سبب تراجع مردودية القطاع السياحي أو عصب حياة المدينة كما أسماه إلى انقطاع مهرجانات تاريخية كانت لؤلؤة المدينة وسبب إشعاع كل تونس لا مدينة طبرقة فحسب مثل مهرجان الجاز بطبرقة طبعا الذي كان قبلة كبار المغنين وعازفي الجاز وعشاقه من كل أرجاء العالم وتراجع جودة المهرجان الدولي بطبرقة الذي يعد من أعرق مهرجانات البلاد بأكثر من خمسين دورة وبأسماء عالمية صعدت على ركحه.
وكان مهرجان الجاز الشهير يعد أحد أول مهرجانات هذه الموسيقى في القارة السمراء. ومن أهم مهرجانها الدولي الذي صدحت أصوات أيقونية على ركحه من أم كلثوم إلى عبد الحليم حافظ مرورا بصابر الرباعي ونجم الراي بلا منازع الشاب خالد.
يعيش اليوم أغلب عمال السياحة في المدينة حالة بطالة أصبحت مزمنة، حيث كان قطاع السياحة منبعا سخيا يساهم في تنشيط عمل المطاعم ومحال بيع الصناعات التقليدية والمقاهي وبعض المهن الموسمية الأخرى. وهو ما افتقد هذه السنة في مدينة طبرقة.
إهمال وأوساخ و حرائق…عن أي سياحة نتحدث!
أغلب الحرفيين والباعة الذين تحدث إليهم “كشف ميديا” اشتكوا من إهمال البلدية وتكدس الأوساخ. التي أصبحت رائحتها وشكلها لافتة للانتباه، و ملاحظة في أكثر من مكان في وسط المدينة وعلى الشاطئ وفي المنطقة السياحية تقريبا في كل شبر من المدينة.
وهو ما ترجم إلى حالة سخط واضح من سكان المدينة على شبكات التواصل الإجتماعي.
ولعل ما زاد عزلة المدينة وأزمتها، اندلاع الحرائق في الجبال المحيطة بالمدينة، كأنها أصبحت بمثابة المناسبة السنوية في كل عام يتأكد السكان أن الغابة سوف تحترق. مثلما يرى زياد أحد شباب المدينة.
كما أنه ناشط في المجتمع المدني وواكب وساهم في إعداد أغلب مهرجانات المدينة وفاعلياتها بعد الثورة.
يؤكد لنا زياد أن المهرجانات التاريخية في المدينة تراجعت أما مهرجان الجاز فقد “غادر المدينة هو الأخر.. لكن هناك من يهدينا مهرجان حرق جبالنا كل سنة دون أن تحرك الدولة ساكنا”.
ربما كأن كل هذا لا يكفي المدينة فإضافة إلى الحرائق والأوساخ المكدسة وصراع المجلس البلدي فيما بينهم ما انعكس بالسلب على الخدمات البلدية حسب رأي أغلب السكان الذين بادرنا بسؤالهم عن أحوال المدينة، هناك احتجاجات تغلق الطريق السيارة المؤدية إلى المدينة وانقطاعات بين الحين والآخر في مياه الشرب على القرى المحيطة بها والتي تغرق بالماء في الشتاء
حيث اندعلت هذه الحرائق في أول وثاني أيام العيد في سفوح ومرتفعات جبال خمير في منطقة الشحيدة الواقعة بين مدنتي عين دراهم وطبرقة وقد تمكنت الحماية المدنية وحرس الغابات من السيطرة عليها بصعوبة شديدة.
وتقريبا على مدى ثلاثة سنوات تحدث حرائق في الجبال المحيطة بمدنتي طبرقة وعين دراهم، حتى أصبح يدرج استعمال مصطلح الحرائق الموسمية .
قد يكون الجمال هبة من الطبيعة ولكن سوء استثماره يساهم في تغذية الشعور بأن الدولة أهملت هذه المناطق رغم كل ما يتوفر فيها من ثروات. وهناك شعور دائم لدى أغلب الشباب بالشمال الغربي عموما، وطبرقة خصوصا بأن ماضي المدينة أجمل كثيرا من حاضرها. رغم كل ذلك يعمل بعض شباب المجتمع المدني يمعزل عن إشراف الدولة، في المدينة على خلق فرص جديدة عبر تشجيع السياحة البيئية. رانية إحدى الناشطات في الجهة تسعى للترويج لمدينتها عبر تنظيم زيارات إلى الجبال المحيطة بالمدينة. كما تعمل مع رفاقها على تشجيع صناعات المدينة المنزلية من زيوت مستخرجة من نباتات الجبل أو أجبان وأيضا صناعات تقليدية كاد بعضها يندثر. ويقدم هؤلاء الشباب صورة أخرى عن المدينة وعن أمل أخر ممكن.
__________________________________________________________________________
بمشاركة: