كشف


نوبل الفشل في مكافحة كورونا! (رأي)

20/10/11

أصرت لجنة نوبل النرويجية على توزيع جوائزها المرموقة في عام استثنائي كان فيه لفيروس كورونا المستجد اليد الأطول في تطويع حياة البشرية، والقرار في ظاهره قد يشكلٌ تحديا للوباء وانتصارا للحياة والإنسان. لكن هذا ليس سوى النصف المملوء من الكأس.

تمثلُ الجائزة في جوهرها تتويجا لجهود العلماء والهيئات والمنظمات من بين المجتهدين في العالم فيما يقدمونه سنويا للإنسانية في مجالات عدة غير أن الاستمرار في الاحتفاء بتلك النجاحات على أهميتها، بدى أنه غير منسجم مع واقع انهارت فيه الدول في بداية حربها ضد الوباء وفي وقت ما زالت تترنح فيه أمام معارك طويلة ومعقدة ضد الجوع والنزاعات المسلحة وتغير المناخ.

مع ذلك ليس هناك من نجاح يتطلع اليه العالم قاطبة، الآن وفورا، يضاهي الأولية المطلقة في حماية البشرية من عدو مجهري فتك بالآلاف وأحال في طرفة عين الملايين على البطالة والضياع كما ضاعف من عدد الجوعى ليتخطوا اليوم عتبة 820 مليون، وفق تقديرات برنامج الأغذية العالمي المتوج بنوبل هذا العام.

الواقع والأرقام يقولان بأن العالم المتقدم المدجج بمخابره وعلمائه ومعه المنظمة العالمية للصحة قد منيت جهودهم بفشل ذريع حتى اللحظة، في مواجهة وباء كورونا أو على الأقل في إدارة المعركة ضد عدو بصدد حصد المزيد من الآلاف من المصابين والموتى يوميا. 

وليس بمثل هذه الصورة التي يتخبط فيها العالم يمكن التسويق لرمزية جوائز نوبل المقترنة عادة بالنجاحات من أجل الانسانية، في زمن الفشل الجماعي الدولي.

وتونس ليست بمعزل عن الفشل الدولي، وهي كغيرها من الدول الواقعة بين فكي رحى، بين ضغوط الاقتصاد والمطالب الاجتماعية من جهة والمخاطر الصحية المتأتية من الوباء من جهة ثانية، ليس من خيار أمامها غير العمل على إدارة الأزمة والحد من تداعياتها قدر الإمكان وهو تحدي عرف تخبطا وارتباكا بين المركز والجهات، ما أدى بالنتيجة إلى تباين صارخ بين آثار الموجة الأولى والثانية سواء في عدد الضحايا والاصابات (معدل الف اصابة يوميا) او الكلفة الاقتصادية (متوقع انكماش الاقتصاد بنسبة 7 بالمئة لكامل عام 2020)، وفي ظل مسار ما يزال مجهول العواقب.

ويتقاسم التونسيون المعرضين الى أكثر النسب انتشارا للفيروس في الموجة الثانية الهواجس والأسئلة ذاتها مع باقي شعوب العالم، فعلى الرغم من التقدم العلمي واللوجيستي الكبير الني نعيشه اليوم في القرن الحادي والعشرين، إلا أننا لا نملك امتيازا يحق لنا الافتخار به حقا مقارنة بالأمم السابقة في مواجهتها الأوبئة مماثلة. بل إننا أمام فشل مضاعف بالنظر إلى الامكانيات المتاحة.

فالوباء يتجه لأن يطوي سنته الأولى منذ ظهوره لأول مرة في نهاية 2019 في مهده بمدينة ووهان الصينية قبل أن يتفشى في العالم بأكمله. ولا تحمل توقعات العلماء في مجملها آمالا بنهاية الوباء في بداية سنته الثانية حتى مع إعلان دول مثل روسيا اكتشافها للقاح مضاد للوباء أو بقرب انتاج لقاحات فعالة مثلما أعلنت عن ذلك شركتي “بيونتك” الألمانية و”فايزر” الأمريكية اللتين تتشاركان في تطوير لقاح.

والأرجح في تقدير المراكز الطبية العالمية وهي بصدد الكشف عن المزيد من التحولات للفيروس والأعراض الناجمة عنه، أن يستمر كوفيد19 في التعايش معنا لسنوات بغض النظر عن موعد انتاج اللقاح المضاد وطرحه في الأسواق ومدى فعاليته. 

ويتضح من المعاناة المتفاقمة طيلة أشهر أن المحنة المرتبطة بالفيروس لا تختلف في شيء عن مسار أوبئة العصور الوسطى التي استمرت في محاصرة الإنسان ونشر الموت على مدى العامين في المعدل أثناء ذروة انتشارها، باستثناء الطاعون الأسود الذي تفشى في القرن الرابع عشر واستمر لنحو سبع سنوات ليحصد أرواح ثلث سكان أوروبا تقريبا.

اليوم باتت البرازيل على أعتاب حصيلة قياسية عالميا مع اقترابها من الرقم 150 ألف حالة وفاة بينما حققت فرنسا حصيلة قياسية بتسجيلها لعشرين ألف حالة اصابة في 24 ساعة فقط فيما تتصدر الهند ثاني أكثر الدول تعدادا للسكان في العالم، لائحة الدول الموبوءة بحصيلة اصابات اجمالية تقترب من سبعة ملايين.

اجمالا جاءت الموجة الثانية للوباء أكثر حدة من الموجة الأولى في أغلب دول العالم لتزداد معها حيرة العلماء من أن لا أدلة ثابتة عن أن العالم قد تجاوز الأسوأ بالفعل. والأمر الأكثر قتامة أنه ليس هناك من ضمانات علمية على المدى المنظور المنحى الذي سيسلكه تطور الفيروس.