كشف حكومي


البحث العلمي في تونس: طريق وعرة وفرص مهدورة أمام التنمية الصحية

21/01/06

بقلم رئيسة التحرير

تستيقظ هيفاء كل يوم في الصباح الباكر، حتى تركبَ وسائل النقل العمومي وتقصد وجهتها من مسقط رأسها بمدينة الحمامات إلى معهد باستور بالعاصمة. هي لا تملك سيارة ولا تستطيع أيضا توفير مصاريف إيجار بيت قريب من المعهد، المكان الذي تجري فيه حاليا بحوثها.

مسجلة في السنة الخامسة دكتوراه في علم الأحياء، في جامعة تونس المنار، كلية العلوم بتونس و تنكبُّ حاليا على إتمام أطروحتها حول علم الطفيليات وتدور بحوثها حول  داء اللشمانيا.

تمنح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لهيفاء 250 دينار (89 دولار تقريبا) إلاّ أن هذا المبلغ لا يكفي بالمرة وفق اعتقادها،  لا سيما وأن هذه المنحة تأخذها مجمّّعة وليس بصفة شهرية، وقد تحصل في الأخير على 1000 دينار(350دولار تقريبا) خلال سنة كاملة.

 “أشعر بأنني قد أثقلتُ كاهل والدي وأنا في الثلاثين من عمري دون دخل محترم يفي بحاجياتي المادية، ولا حتى تحقيق حلمي المهني”.

هيفاء بشيو طالبة دكتوراه: الدولة تمنحنا فقط 250 دينار وهو مبلغ لا يكفي لأي شيء

على الرغم من أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وضعت على سلم أهدافها خلال صياغة ميزانيات الخمس سنوات الأخيرة تشجيع البحث العلمي وإرساء الحوكمة الرشيدة وترشيد التصرف في الموارد المخصصة له، ومراجعة الإطار القانوني المنظم لھیاكل التكوین بالدكتوراه، وتثمين البحوث العلمية، إلا أن هذه الأهداف وغيرها بقيت في معظمها حبرا على ورق. لذلك نسلط الضوء في هذا التحقيق على الصعوبات المادية والمعنوية التي يمر بها الباحثون/ات التونسيون/ات وعن الامكانيات الضعيفة التي يعملون في ظلها بين جدران المخابر و وحدات البحث، تحت سقف ميزانية بحث علمي ضعيفة مخصصة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

كما نكشف في هذا التحقيق عن مجموعة من الابتكارات العلمية الهامة التي توصل إليها باحثون/ات تونسيون/ات في مؤسسات عمومية، في العديد من المجالات الزراعية والبيولوجية والصحية، لكنهم/هنَّ لم يجدوا/نَ الدعم من مؤسساتهم العمومية أو من وزارتي الصحة والفلاحة.

تراجع الميزانية المخصصة للبحث العلمي خلال الخمس سنوات الأخيرة

الظروف المادية الصعبة التي تحاصر هيفاء دعتها إلى التفكير عشرات المرات في التوقف عن مواصلة أبحاثها و الانسحاب كليا من طريق تعتبرها وعرة وشاقة. وذلك رغبة منها في الحصول على  عمل قار يكون لها مصدر دخل.  شهادة ماجستير البحث أو حتى الاجازه تخولان لها اختصار الطريق والاكتفاء بمرتب شهري في أي شركة، إلا أن هذه الوضعية على رغم الاستقرار الذي تمنحه إياها لا تتوفر حاليا، كما أنها لا تمثل أحلامها وما تطمح إليه من نجاحات في مجال البحث العلمي وقد تلغي إمكانية تحقيق إنجازات علمية هامة  حول داء اللشمانيا، والذي انتشر في فترة سابقة بالجنوب التونسي.

 “حتى الشركات المصنعة للأدوية ترفض في غالب الأحيان توظيفنا معللة ذلك بأن مؤهلاتنا العلمية  العالية تفوق حاجياتها، لذلك من الغريب أن تقدم لنا الدولة منحة خلال الثلاث سنوات الاولى فقط، ثم تأتي في أصعب مرحلة من الدكتوراه وتتوقف عن تقديمها لنا، ثم تطالبنا بإكمال الرسالة في الآجال!

ليست الظروف المادية وحدها لطالب الدكتوراه من تعرقل مسيرته العلمية، بل تؤكد هيفاء أن ظروف المختبر الذي تعمل فيه بمعهد باستور لا تسمح لها بالمضيّ قدما في إتمام أطروحتها الخاصة بالدكتوراه،

الظروف اللوجستية الضعيفة في المختبر بالإضافة إلى التعقيدات الإدارية وبطىء مسار الإجراءات في خصوص شراءات المواد الخاصة بالبحث، والتي مرتبطة جميعها بالمزود الأجنبي في الخارج، جعلت هيفاء و نظرائها من الباحثين/ات الشبان/ات وحتى الأساتذة أسرى لنظام بيروقراطي يشتكي منه الجميع حتى القائمون/ات  أنفسهم على تسيير هياكل البحث العلمي في تونس.

طالبة دكتوراه في معهد باستور: التعقيدات الادارية تعيق بحوثنا العلمية

من جهته يؤكد الأستاذ الشادلي العبدلي مدير الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي أنه يتفهم معاناة الباحثين/ات الشبان/ات ويقدر جهودهم نحو إتمام اطروحاتهم/هنَّ في الوقت المحدد، إلا أنه يرى في الآن نفسه أنه صار من الضروري تغيير القوانين أو موائمة بعضها مع خصوصية البحث العلمي حتى يسهل على الباحث التقدم في أطروحته وفق السلم الزمني الموضوع لها.

“هناك بعض القوانين التي لا تتلاءم مع خصوصية البحث العلمي وحاجياته المرتبطة أساسا بعامل السرعة، قانون الصفقات العمومية مثلا يحتم على الباحث الانتظار لشهور. لذلك من غير المعقول انتظار نشر طلب العروض وما ورائه من إجراءات مكلفة زمنيا، في حين يطلب الباحث/ة نوعا معينا من مادة كيميائية بعينها من شركة أجنبية معينة وهذا طبيعي وسليم ولا يخل بمبدأ الشفافية ومعمول به في العالم أجمع”.

تقول هيفاء أن خمس سنوات للحصول على درجة الدكتوراه غير كافية، وتشير إلى أن سنة 2020 كانت الأصعب بالنسبة إليها بسبب انتشار وباء كوفيد- 19. حيث لم تتمكن الباحثة الشابَّة من الاشتغال أو التنقل إلى مختبر باستور خلال ذروة الموجة الأولى من انتشار الوباء، مما أضاع عليها كثيرا من الوقت.

“الوزارة تطالبنا بإتمام كل شيء في الوقت المحدد دون مراعاة ما مررنا به خلال سنة 2020 ليصبح عامل الزمن عائقا إضافيا أمام إتمام الأطروحة علاوة على المدة التي قضيناها في البيت خلال فترة الحجر الصحي الإجباري”.

انجازات علميّة مركونة على الرفوف 

الدكتور مكرم السافي، أستاذ في علم المناعة بمعهد باستور بالعاصمة اشتغل مع فريقه على مرض السلّ الذي يمس من الجهاز التنفسي للإنسان.  و توصلوا لاختراع تحليل تونسي للأمصال للتثبت من وجود الفيروس في الجسم عبر تحليل للأجسام المضادة. اشتغل مكرم مع فريقه على هذا البحث طيلة فترة الحجر الصحي وما قبلها. وتمكن من استنساخ جينات الفيروس و تحويلها للبكتيريا من استخلاص البروتينات التي تعتمد في التحليل.

 في حين تعطل هذا الانجاز العلمي كغيره من الاكتشافات في تونس بسبب عدم التثمين وبقي حبيس المخابر.

“نقوم بنشر عشرات المقالات العلمية سنويا وهذا أمر إيجابي لتونس، لكن ليس من مهامي أن أقوم بترك مخبري باحثا على تثمين ودعم من الوزارة، هذا الدور من المفترض أن يندرج ضمن استراتيجية وطنية كاملة لتلقف البحوث العلمية وعدم إهمالها لتركن على الرفوف، والتي قد تدر بالمليارات على خزينة الدولة إذا استثمرت فيها كما يجب”

المقال العلمي المنشور لمكرم السافي وفريقه

تعرف الهيئة الوطنية لتقييم المؤسسات العمومية العلمية في فرنسا “التثمين” على أنه جميع الأنشطة التي تهدف إلى لزيادة قيمة نتائج البحث المكتشفة، وبشكل أعمّ، لتعزيز المعرفة. كما لا يقتصر التثمين وفق نفس التعريف على الاستغلال التجاري لنتائج البحث بل يقوم أيضا على نشر وتبادل المعرفة في جميع مجالات العلوم.

تثمين نتائج البحث هو العملية التي يتم تنفيذها بحيث يكون للبحوث الجامعية تأثير اقتصادي حقيقي وتؤدي، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى منتجات أو عمليات جديدة أو محسنة تستخدمها الشركات القائمة أو تم إنشاؤها لهذا الغرض. ليصبح للبحث تأثير مباشر على المحيط الاقتصادي والاجتماعي.

كما تشدد الهيئة على الترويج لنتائج البحث، والذي يجعل من الممكن ربط محيط البحث بالمحيطين الاجتماعي والاقتصادي. ويحدث بشكل رئيسي في الأوساط الأكاديمية ويكون الباحث جوهره وأهم عنصر فيه. 

تشرف في تونس على البحث العلمي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بدرجة أولى و تهتم الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي، وهي مؤسسة عمومية مستقلة،  بتوفير مشاريع داعمة للباحثين الشبان ومن أهدافها أيضا تثمين البحوث العلمية.

الجهات المشرفة على البحث العلمي في تونس

الدكتورمكرم السافي يأسف لأن يكون البحث العلمي في ظل غياب تثمين إنتاجاته ضربا من ضروب إهدار المال العام طالما لا يثمن الإنتاج ولا يستفيد الاقتصاد والمجتمع ولا تستفيد المجموعة الوطنية منه.

دكتور بمعهد باستور: ابتكاراتنا العلمية مركونة على الرفوف وليس هناك ارادة سياسية لدعم البحث العلمي

يؤكد السافي لمعدَّة التحقيق أنه من بين الصعوبات الاضافية التي يعاني منها الباحثون/ات في معهد باستور تعطل مشروع محضنة تربية الحيوانات التجريبية. ويشير إلى أن المحضنة في حالة يرثى لها في طريق سكرة، بالعاصمة، ولم يتمكن الباحثون استغلالها إلى اليوم.

لا نستطيع الاستفادة منها ولا إجراء تجارب علمية على الحيوانات و نضطر إلى السفر لدول كالهند مثلا حتى نجري بحثا على فأر.  مشروع المحضنة تكلف على الدولة المليارات في حين لم نستفد منه! والسؤال هنا لمصلحة من يعاني الباحثون/ات  التونسيون/ات كل هذا التأخر ويضطرون طول الوقت إلى أن يكونوا رهائن للمخابر الأجنبية، التي تطالبهم فيما بعد مقاسمة ملكية إنجازاتهم العلمية”.

وتجدر الإشارة إلى أن التقرير السنوي العام التاسع والعشرين لدائرة المحاسبات الصادر في فيفري  2016 والذي يتضمن نتائج الأعمال الرقابيّة المنجزة على عديد الوزارات والمنشآت العمومية من بينها معهد باستور، قد جاء فيه أن وحدة التلاقيح والأمصال بالمعهد  تشكو من نقص على مستوى الموارد البشرية الخاصة منها المختصة وكذلك من قدم التجهيزات الأساسية في عامل الإنتاج. 

كما أكد التقرير أن محضنة تربية الحيوانات التجريبية المذكورة سلفا،  والتي تم إنجازها بكلفة بلغت 1908 مليون دينار لم تدخل حيز الاستغلال إلى الآن.

كما لم يتمكن المعهد من تغطية كامل الحاجيات الوطنية من التلاقيح والأمصال العلاجية. وقد شدد التقرير على ضرورة دعم وحدة إنتاج التلاقيح والأمصال بالموارد البشرية والتجهيزات اللازمة لضمان حسن سيرها ولجعلها قادرة على تلبية الحاجيات الوطنية على وجه الخصوص.

مكرم السافي ليس حالة منفردة وضعت أبحاثه العلمية المجراة في مجال علم البيولوجيا على الرف، حيث يتساوى مع الدكتور وليد حمادة، الباحث في بيوتكنولوجيا النباتات في المعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس. 

 انطلق في بحوثه على البطاطا منذ 2008 بالتعاون على المركز الفني للبطاطا وبدأت تعطي النتائج العلمية أكلها في السنوات الأخيرة،  حيث اشتغل على الميكروبات النافعة المستخرجة من عروق النباتات وقام صحبة فريقه من طلبة الدكتوراه بمداواة بذور البطاطا بمواد بيولوجية منتجة تونسيا مائة في المائة،  لاختبار مدى مقاومتها للأمراض والجفاف وقيس مردودية الإنتاج التي سيحصل عليها الفلاح في حال استخدم هذه المواد مع بذرة البطاطا.

الدكتور وليد حمادة في المختبر-جانفي 2021

“كلفة استيراد البطاطا عالية وأثقلت كاهل الفلاح التونسي، فكرنا في حل كي يستطيع زرع كمية بذور أقل تدر علبه بإنتاج مضاعف، قمنا باستخدام المواد البيولوجية التي توصلنا إلى صنع تركيبتها، والتي هي إنجاز تونسي مائة في المائة، إلا أن هذا الإنجاز لم يثمن على الرغم من أهميته العلمية والمادية”.

وعلى الرغم من أهمية المجال الذي يبحث فيه الدكتور وليد حمادة والمثمن عالميا من قبل منظمة الصحة العالمية، والذي توصي به لتوفير الأمن الغذائي الصحي للمواطنين، إلا أنه في تونس لم يجد لا دعما حقيقيا ولا التفاتة لهذا الانجاز

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن اللأطعمة غير الصحية التي تحتوي على بكتيريا أو فيروسات أو طفيليات أو مواد كيميائية قد تسبب في أكثر من 200 مرض مختلف ،و تتراوح من الإسهال إلى السرطان. على الصعيد العالمي ، حيث يصاب ما يقدر بنحو 600 مليون شخص – ما يقرب من واحد من كل 10 أشخاص – بالمرض بعد تناول طعام ملوث كل عام ، مما يؤدي إلى وفاة 420.000 وفقدان 33 مليون سنة صحية من الحياة. 

ومن هذا المنطلق يسعى حمادة إلى توفير إنتاج بطاطا خالي من الأمراض ومحمي بيولوجيا.

ويرتبط الأمن الغذائي بالأمن الصحي ارتباطًا وثيقًا. حيث يتسبب الغذاء غير الصحي في حلقة مفرغة من المرض وسوء التغذية ، تؤثر بشكل خاص على الرضع والأطفال الصغار وكبار السن والمرضى. بالإضافة إلى المساهمة في الأمن الغذائي للدول  ، فإن الإمداد الغذائي الآمن يدعم أيضًا الاقتصادات الوطنية والتجارة والسياحة ، ويعزز التنمية المستدامة.

حساب الفرق بين كلفة انتاج البطاطا المداواة بالمواد البيولوجية المخترعة مع كلفة الانتاج الحالية

يرى الدكتور وليد حمادة أن تسجيله لبراءة اختراع في المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية للإنجاز العلمي الذي توصل إليه لن يجدي نفعا، طالما هناك تهميش وطني له وغياب دعم من قبل المؤسسة التي يعمل فيها، وأنه حاليا يسعى الى تثمينه دوليا حتى يلقى الرواج المناسب، بعد فشل محاولاته لإقناع شركات وطنية بتبنيه.

كما أن عشرات براءات الاختراع المعلنة سنويات من المعهد غير كافية للقول بأن مجال البحث العلمي متقدم في تونس، لذلك يرى حمادة أنه من أوكد أولويات الدولة تشجيع طلبة الدكتوراه بمنح تحفيزية حتى لا يجدون أنفسهم يعملون طيلة سنوات دون مقابل مادي أو حتى معنوي يقدر مجهوداتهم.

وعلى الرغم من كل ما يقال عن مجهودات الدولة في توفير إمكانيات لهم لبعث مشاريع ناشئة STARTUP، فإن هذه الجهود لا يرى حمادة أثرها في مجال البحوث الزراعية بالتحديد مقارنة بالمجال التكنولوجي في مجال الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية. 

ويستغرب إهمال الدولة التونسية للبحوث الزراعية على الرغم من أهميتها القصوى لارتباطها ارتباطا وثيقا بالأمن الغذائي، وحفاظها على مخزون العملة الصعبة في حال نجحت الدولة في توفير اكتفائها الذاتي من حاجياتها في المواد الأساسية والذي سيوقف نزيف التوريد. 

كما يعيب حمادة على وزراء الفلاحة المتعاقبين منذ سنوات عدم تقديمهم/هنَّ أي اضافة تذكر للنهوض بمستوى البحث العلمي في الميدان الفلاحي. ويستنكر ارتفاع منسوب تغول اللوبيات المسيطرة على القطاع الفلاحي في تونس في ظل صمت الدولة وأجهزتها.

اختراع تونسي لمواد بيولوجية صالحة لانتاج كثيف لبذرة البطاطا في مواجهة اللوبيات الفاسدة

مدير عام المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية، رياض السوسي، كان قد صرح في مستهل سنة 2020 خلال ندوة صحفية أن المعهد يمنح بمعدل 500 براءة اختراع سنويا منها 60 بالمائة تم منحها لمراكز بحوث وجامعات وكذلك لشركات خاصة. وهنا يشير الدكتور مكرم السافي بدوره إلى أن تسجيل براءة الاختراع في المعهد يبقى أمرا غير كافيا لأن الحماية الفكرية للبحث مرتبطة بآجال معينة، كما يشدد على ضرورة إجراء تكوين للباحثين لأنهم غير قادرين بمفردهم كتابة براءات اختراعاتهم ومن السهل الطعن فيها بعد نشرها.

معوقات تحول دون تحقيق طفرة للبحث العلمي 

يعدٌّ عدم إرساء ثقافة الملكية الفكرية والصناعية داخل الجامعات ومراكز البحث وحماية البحوث من العوائق الكبرى التي تحول دون إحداث طفرة في البحث العلمي في تونس، لا سيما في ظل غياب الأطر الهيكلية التي تمكن الباحثين/ات من حماية اختراعاتهم/هن. كما أن عملية تحرير براءة الاختراع تحتاج إلى مهارات عالية ومتخصصين في الميدانين العلمي والقانوني على حد السواء. مهن غير موجودة حاليا في الجامعات يقوم بها متطوعون فاقدون الاختصاص والخبرة.

المديرة العامة للبحث العلمي صلب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، سميرة الشرفي قدور أفادت معدة التحقيق في ردها على مشاكل البحث العلمي في تونس بأن الوزارة تثمن مجهودات الباحثين/اتفي كل المجالات وتحاول قدر الإمكان توفير برامج لتطويرها واستغلالها. في حين يجب الأخذ بعين الاعتبار احتياجات السوق الصناعية والعالمية من البحوث، وايضا التفكير في العمل على بحوث علمية قابلة للتصنيع و التسويق ويكون عليها طلب على مستوى دولي.

مديرة البحث العلمي في وزارة التعليم العالي: يجب العمل على ابتكارات علمية قابلة للتصنيع حتى نستطيع تثمينها

وعلى الرغم من تبوؤ تونس مكانة دولية هامة على صعيد حجم المنشورات العلمية للباحثين التونسيين/ات وفق التصنيف العالمي لمنظمة الملكية الفكرية العالمية، باحتلالها المرتبة 13 على 131 دولة،  إلا أنه هذا الأمر قد يقلل من حجم تأثير البحوث على والاستفادة منها على مستوى وطني. طالما نشرت وأصبحت متاحة ويمكن تطويرها من جهات وشركات أجنبية، ويضيع بالتالي مجهود الباحث/ة التونسي/ة في ظل غياب التثمين حماية الملكية الفكرية.

كما تبقى تونس متأخرة في مجال استيعاب المعرفة المنتجة داخل مخابرها وتأثير الانجازات العلمية على المحيطين الاقتصادي والاجتماعي. حين احتلت سنة 2020 المرتبة 72 عالميا من أصل 131 دولة، في عدد مواهب البحث وإدماجها في الشركات.

مؤشرات البحث العلمي والتطوير (المصدر: منظمة الملكية الفكرية العالمية)

يؤكد الأستاذ الشادلي العبدلي مدير عام الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي،  أن الوكالة على الرغم من ضيق ميزانيتها التي تغذيها مشاريع بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وضعف إمكانياتها البشرية مقارنة بحجم الطلبات المقدمة من الباحثين/ات للحصول على دعم لمشاريع بحوثهم،  فإنها تعمل منذ فترة على إدماجهم في مشاريع طموحة، مثل MOBIDOC والموجه للحاصلين على شهادة الدكتوراه عبر تقديمهم لمشروع بحث على مشاكل الإنتاج لشركة معينة، وتقدم له الوكالة دعما ماديا 80 في المائة و20 في المائة مقدمة من الشركة.

في حين لا ينكر العبدلي وجود معضلة حقيقية في تراكم البحوث ذات القيمة العلمية الهامة على المستوى الوطني دون تثمين ودون استغلالها لفائدة المحيطين الاقتصادي والاجتماعي، ويخشى أن يكون لذلك أثر سلبي بالغ على الباحثين/ات و وسط البحث العلمي في تونس ككل. ويرى أن الحل يكمن في إرادة سياسية تصيغ استراتيجية وطنية لتثمين البحث العلمي يشارك فيها كل الوزارات وليس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فحسب.

مدير الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي: تثمين البحث العلمي يجب ان يخضع لاستراتجية وطنية وليس قضية وزارة التعليم العالي فقط

وعلى الرغم من انطلاق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إرساء مكاتب نقل التكنولوجيا في عديد الجامعات التونسية والتي تعنى بتلقف البحوث العلمية وتسعى للترويج لها إلا ان هذه المهن فاقدة إلى اليوم لإطار قانوني وهيكلي ينظمها. حيث يقوم بها متطوعون في الجامعات من الموظفين والباحثين غير المختصين في نقل التكنولوجيا والفاقدين للخبرة في كتابة براءات الاختراع ووثائق التعاقد مع الشركات الوطنية والعالمية والاختصاص في الاتصال والتسويق للبحوث العلمية دون غيرها.

ومع غلق أبواب الوزارة أمام  انتداب الدكاترة الباحثين/ات ومكوث المئات منهم عاطلين/ات عن العمل فإنه بإمكانه الاستثمار في تكوين هؤلاء لتأهيلهم لهذه المهن الجديدة مما يوفر لهم فرص عمل وتستفيد الوزارة من طاقاتهم المركونة على الرفوف. حلّ يراه الشادلي العبدلي مناسبا جدا للحد من بطالة هؤلاء الدكاترة وللاستفادة في الآن نفسه من خبراتهم العلمية.

تمّت كتابة هذا التحقيق بصيغة حسّاسة للجندر

جرافيك ومونتاج/ جمعية “بنا للإعلام والتنمية”

أنتج هذا التحقيق بالشراكة مع جمعية قرطاج للصحة 2021