21/02/09
في 19 أوت 2020 قال د. الهاشمي الوزير مدير معهد باستور إن “هناك فريقا يعمل على تطوير لقاح ضد كورونا وما زال في المراحل ما قبل السريرية”، وأضاف في ندوة صحفية : “الفريق يملك تجربة سابقة في تطوير لقاح ضد داء الكلب باستعمال تكنولوجيا تلقيح الحمض النووي وسنستعمل التكنولوجيا نفسها”.
تصريح كغيره من عشرات التصريحات التي تتلاشى بين ثنايا الأرشيف ولا أثر لمضمونها على أرض الواقع، ولعلّ ما يؤكد ذلك اليوم التجاء تونس للانخراط في منظومة “كوفاكس” التابعة لمنظمة الصحة العالمية في قائمة البلدان محدودة الدخل للحصول على تلقيح كوفيد-19 حيث أعلنت عن جملة من الاتفاقات مع مصنعي تلقيح من دول مختلفة، وعن رغبتها في الحصول على قرض لتمويل هذه الشراءات المقدرة بـ111 مليون دولار أمريكي (وفق ما أكدته وزارة الصحة التونسية في بلاغ لها بتاريخ 2 فيفري 2021)، والمزمع تمويلها أساسا من البنك الدولي.
ومع تزاحم التصريحات وتضاربها في بعض الأحيان بين وزارة الصحة ومدير معهد باستور الهاشمي الوزير حول تلقيح كوفيد-19 وأعضاء اللجنة الوطنية لمجابهة كورونا، بخصوص نجاعة التلقيح وتوقيت توفره في تونس بالنسبة لكل المواطنين/ات، نرصد في هذا التحقيق المسار الذي اتبعته الحكومة التونسية في هذا الشأن. علاوة على رصد مواطن الضبابية والخلل التي تشوب الاستراتيجية العمومية لوزارة الصحة التونسية في التعاطي مع تلقيح كوفيد-19.
يذكر أن وزارة الصحة التونسية كانت قد أعلنت تلقيها وفق بلاغ لها تأكيدا رسميا في 11 جانفي 2021 يفيد تسجيل تونس في مبادرة COVAX وإتمام جميع الوثائق المطلوبة، للحصول على حصتها المقدرة ب50 ألف جرعة منتصف شهر فيفري الجاري، و4 مليون جرعة في شهر أفريل القادم.
إلا أن كمية 50 ألف تغيرت بعد ذلك وفق ما صرح به وزير الصحة فوزي مهدي مؤكدا قرب وصول 93600 جرعة منتصف فيفري عبر مبادرة كوفاكس.
منظومة كوفاكس هي آلية للشراء المجمّع للقاحات كوفيد-19 تتوجه خاصة نحو الدول ذات الدخل الضعيف والمتوسط، ومن خلالها يضمن إتاحة اللقاحات بشكل عادل ومنصف لكل الاقتصادات المشارِكة البالغ عددها 190 اقتصاداً، كما ستتولى كوفاكس القيام بذلك عن طريق تجميع القوى الشرائية من الاقتصادات المشارِكة وتوفير ضمانات تتعلق بالكمية في جملة من اللقاحات التجريبية الواعدة.
ويقود كوفاكس تحالف غافي GAVI Global Alliance for Vaccines and Immunization، أداة التمويل المبتكرة التي ستدعم مشاركة 92 من الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل في منظومة كوفاكس – مما يتيح الوصول إلى جرعات ممولة من المانحين من لقاحات Covid-19، حيث يقوم بتنسيق عمليات التصميم والتنفيذ لتدخلات كوفاكس والالتزام المسبق بالشراء في إطارها، ويعمل مع شريكي التحالف، اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، جنباً إلى جنب مع الحكومات.
ويمثّل التزام تحالف GAVI المسبق بالشراء في إطار منظومة كوفاكس آلية ضمانة التمويل التي ستدعم مشاركة 92 بلداً من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط في المرفق من بينها تونس، مما يتيح الحصول على جرعات من اللقاحات المأمونة والفعالة التي يموّلها المانحون.
وبالإضافة إلى إعلان وزارة الصحة التونسية انخراطها في منظومة كوفاكس، فإنها أعلنت على لسان رئيس اللجنة الوطنية للتلقيح ومدير معهد باستور الهاشمي الوزير عن حصول تونس بمقتضى اتفاق وقعه وزير الصحة فوزي مهدي مع مخبر فايزر الأمريكي -في إطار منفصل عن كوفاكس- على مليوني جرعة كورونا بسعر 7 دولارات للجرعة الواحدة، ستصل الى تونس بداية من الثلاثية الثانية من سنة 2021.
تقدمنا إلى معهد باستور بطلب نفاذ إلى المعلومة في هذا الخصوص للإطلاع على فحوى هذه العقود والاتفاقات، في حين وردنا على إثره ردّ عن الدكتور الهاشمي الوزير بصفته رئيس لجنة التلقيح بعدم حوزة المعهد على نسخ من هذه الاتفاقيات وأنها موجودة بوزارة الصحة.
كما تقدمنا بطلبات نفاذ إلى المعلومة إلى وزارة الصحة في خصوص نسخ من الاتفاقيات المبرمة للحصول على تلقيح كوفيد-19 ونسخة من ملف تونس المسجل في منظومة كوفاس دون أن تتلقى اي ردود أو تفاعل يذكر من الوزارة إلى حد اللحظة.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من إعلان تونس عن إبرامها اتفاقية للحصول على كمية مليون جرعة من تلقيح أسترازينيكا البريطاني فإنها إلى حد تاريخ نشر هذا التحقيق، إلا أنها لم تمكن سوى كل من مخبر فايزر وسبوتنيك رخص ترويج استثنائية و ووقتية بالسوق التونسية، وفق بلاغ صادر عن وزارة الصحة في 02 فيفري 2021.
ضبابية وتخوف من نجاح التطبيق
أما بخصوص الاستعدادات المبرمجة لحملة التلقيح والتي أعلن عنها في البداية رئيس لجنة التلاقيح وعضو لجنة القيادة الخاصة بالحملة الهاشمي الوزير فإن وزارة الصحة ستخصص ما بين 250 إلى 300 مركز للتلقيح ضد مرض كوفيد-19 تتوزع على كامل تراب الجمهورية، وأن ما لا يقل عن 3 مراكز تلقيح سيتم توفيرها على مستوى مراكز الولايات بالإضافة إلى مركز واحد في كل معتمدية، وذلك بالتنسيق مع السلط الجهوية، موضحا أن المراكز يمكن أن تكون داخل مستشفيات ومراكز صحة أساسية أو في إطار فضاءات تخصص للغرض. وسيشرف على عملية التلقيح 200 فريقا يضم 12 إطارا طبيا صحيا مع طاقة تلقيح يوميا تبلغ 600 مستفيد أي بمعدل 50 مستفيدا على مستوى كل إطار صحي.
وهنا يؤكد الدكتور زياد بوقرة، عضو المنظمة التونسية للأطباء الشبان، أنه لم يتم إلى حد اللحظة إبلاغ الأطباء بتفاصيل الحملة الوطنية للتلقيح، وان الاستراتيجية التي وضعتها وزارة الصحة في هذا الشأن تشوبها الضبابية والتعتيم وفق قوله. كما أنه لم يتم الحاق أي إطار طبي بدورات تكوينية في كيفية التعاطي مع تلقيح كوفيد-19
وعلى الرغم من تصريح الهاشمي الوزير سلفا بتهيئة من 250 الى 300 مركز للتلاقيح على كامل الجمهورية، عادت وزارة الصحة وقلصت في هذا العدد بعد نشرها لبلاغ في 02 فيفري 2021 مؤكدة أن عدد المراكز المخصصة للتلاقيح سيكون 17 مركز في 17 ولاية، وفي انتظار تقييم مدى جاهزية المراكز الأخرى في باقي الولايات حيث تهدف الوزارة لبلوغ 120000 ألف تلقيح بصورة يومية.
الدكتور عبد الواحد العباسي المتخصص في الوبائيات والخبير الدولي مع منظمتي الصحة العالمية واليونيسف، يستبعد في تصريحه لنا تحقيق هذا الرقم -أي 120000 جرعة في اليوم- خاصة في الفترة الأولى لجلب التلقيح. سيما وأن السياسة الاتصالية للوزارة ضبابية في هذا الشأن ورسائلها الى مواطنيها قد لا تصل بالشكل المطلوب، وأن التونسيين/ات مازال لديهم تخوفات جمة وأسئلة دون أجوبة بشأن التلقيح ومدى فعاليته وحتى مخاطره ومضاعفاته المنتظرة على أجسامهم.
ولعل الرقم الضئيل المسجل إلى حدود 3 فيفري والمقدر ب 363426 بالموقع الإلكتروني evax.tn، والذي وضعته وزارة الصحة للتسجيل الاختياري من قبل المواطنين/ات لحصولهم فيما بعد على جرعات التلقيح ضد كوفيد-19، يفسر هذه التخوفات وربما يعكس عدم دراية كافية من قبل المواطنين/ات بأهمية التلقيح في ظل غياب سياسة اتصالية واضحة من وزارة الصحة في هذا الشأن.
دول مجاورة بدأت حملات التطعيم قبل تونس
رئيس لجنة الصحة في البرلمان العياشي الزمال انتقد الفراغ التسييري لوزارة الصحة في فترة ما بعد استقالة رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ، وبالتالي تأخر بعث لجنة خاصة للتلقيح التي لم يتح لها الانطلاق في العمل إلا في شهر سبتمبر الماضي. وأشار العياشي زمال إلى أن تونس لم تتخذ القرارات الصائبة لجلب التلاقيح وتأخرت كثيرا بسبب البيروقراطية و”الفشل السياسي الذريع”.
الدكتور عبد الواحد العباسي، يشير إلى أنه كان من الضروري على وزارة الصحة التونسية المشاركة على الأقل في إجراء تجارب سريرية على تطوير المرحلة الثالثة لبعض اللقاحات مع كبرى المخابر المنتجة، والدخول في شراكة معهم لتطوير الخبرات التونسية في هذا المجال، إلا أن هذا لم يحدث.
حيث في الوقت الذي كانت فيه تونس تتأرجح بين التجاذبات السياسية كانت دول مجاورة مثل المغرب والجزائر تتفاوض مع كبرى المخابر المصنعة لتلقيح كوفيد-19 في العالم لتوفيره لمواطنيها بأسرع وقت ممكن، مع تزايد ارتفاع نسب الإصابات وانتشار العدوى وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
فلقد استلمت الجزائر استلمت 500 ألف جرعة من لقاح “سبوتنيك 5” من روسيا و في انتظار استلام جرعات أخرى من مختبرات أوروبية، وبدأت حملة التطعيم في 30 جانفي 2021.
كما ستتسلم جرعات جديدة من لقاح “أسترازينيكا/أوكسفورد” البريطاني في 4 أفريل 2021.
أما المغرب فقد تسلم في شحنة مليون جرعة تلقيح استرازينيكا البريطاني في 22 جانفي 2021 وبدأ في حملة التطعيم في 25 من نفس الشهر المذكور. كما تسلم في 27 جانفي نصف مليون جرعة إضافية من تلقيح “سينوفارم” الصيني.
ويخطط المغرب حاليا لطرح اللقاحات مجانا في حملة تستهدف 25 مليون نسمة أو ما يوازي 80% من السكان بدءا بالعاملين في القطاع الصحي والأجهزة الأمنية والمعلمين وأصحاب الأمراض المزمنة.
أرقام تبدو بعيدة كل البعد عن الشحنات الاولية التي تعتبرها وزارة الصحة التونسية “مؤكدة” الوصول والكميات، والمقدرة مبدئيا بـ 93600 جرعة في منتصف فيفري حسب بلاغ لـوزارة الصحة بتاريخ 30 جانفي 2021.
الدكتور عبد الواحد العباسي، يفيدنا بأن تونس قد لا تستطيع الاتيان بالمثل كما جيرانها، لأن هذا النجاح القياسي في توفير اللقاحات يتجاوز الأمور التقنية واللوجستية لوزارة الصحة التونسية، ويعود أساسا إلى الاستقرار السياسي في هذه البلدان وعلاقاتها التاريخية والحيوية مع كل من روسيا والصين.
تمّت كتابة هذا المقال بصيغة حسّاسة للجندر
جرافيك وتصوير ومونتاج/ جمعية « بنا للإعلام والتنمية »
أنتج هذا التحقيق بالشراكة مع جمعية قرطاج للصحة (جميع الحقوق محفوظة) © 2021