كشف بيئي


منطقة الحمامة الفالتة في جلمة: وضع بيئي كارثي يحاصر سلامة السكان

21/03/04

تتجمع بجانب بيوتنا مياه الصرف الصحي في برك راكدة  تفوح منها روائح كريهة  و الناموس يحاصرنا من كل جانب .حتى أصحاب سيارات النقل الريفي  يرفضون ايصالنا الى منطقتنا النتنة ، و دجاجنا ونعاجنا وكل الحيوانات التي تشرب من هذه المياه تموت. 

 هكذا لخصت مهذبة سمعلي وضع “دوار أولاد بوعلاق”  في منطقة الحمامة الفالتة من معتمدية جلمة، ولاية سيدي بوزيد. والذين يسكنون في منازل محاذية لمحطة التطهير بجلمة التي تتسرب بجانبها المياه العفنة وتفوح في محيطها الروائح الكريهة بشكل يومي ومسترسل.

روائح كريهة تنبعث في هواء المنطقة  من كل الاتجاهات، تخرج من برك المياه الراكدة المحاذية لمجموعة من منازل  السكان والمنتشرة على امتداد الوادي الذي يشق طريقة وسط أراضي منطقة “الحمامة الفالتة” التابعة لمعتمدية جلمة من ولاية سيدي بوزيد.

تمتد المسافة التي تتسرب أو تتراكم بها مياه الصرف الصحي على طول حوالي كيلومترين في الوادي والروائح تنتشر الى حدود  منازل تبعد ما يناهز 7 كلم  بداية من منطقة “الفيرمة” و ” دوار أولاد بوعلاق” و “دوار أولاد عاشور” و “دوار أولاد مسعود” وصولا الى “دوار أولاد عبد ايلاه” منذ سنوات.

تواصل الهذبة السمعلي الحديث  ل “كشف ميديا”  قائلة:

“فلاحتنا المحاذية للوادي تضررت ولم نعد قادرين على العناية بها جراء تواجدها بجانب الوادي والروائح النتنة والحشرات، هل سكان المنطقة “حيوانات”؟ ليعاملوا بمثل هذا الشكل المهين ويعيشون في مثل هذا الوضع؟”.

وأكدت محدثتنا أن السكان حرمتهم الروائح الكريهة من النوم، والناموس خلال فصل الصيف حيث يقلقهم في مضاجعهم وخاصة الاطفال الصغار، ولوحت بيدها تجاه دجاجة ميتة وسط بركة الماء المتعفنة.  واستنكرت وجود مياه الصرف الصحي لمدينة كاملة  في محيط منطقتها بكل ما فيها من فضلات المستشفى والأوساخ غيره.

أما زهرة همامي التي يبعد منزلها مسافة أقل من 20 متر عن بركة متعفنة بمياه الصرف الصحي،  تلوح بيدها تجاهها  حيث توجد دجاجتها الميتة وسط البركة.

كل هذه الأوساخ والجراثيم تتجمع بالقرب من منازلنا في ظل انتشار أنواع شتى من المرض، حيث باتت صحتنا وحياتنا مهددة. شرب 4 من نعاجي المياه السامة من المستنقع المميت عندما كنت أسوق قطيعي باتجاه المنزل وشردوا مني  ولم أوفق في اللحاق بهم بسبب أوجاع في أقدامي

وتؤكد  زهرة همامي على ضرورة ايجاد حل لهذا المستنقع  ولهذه الروائح التي تقتلهم.

 ” كرهنا حتى أكلنا وأصبحنا نقدمه غذاء للكلاب وأطفالي يتذمرون من الوضع ومن  الروائح تتسرب الى كل تفاصيل حياتهم.

وأضافت أنهم في “معاناة كبيرة”  ويتعرضون كذلك للتنمر من عدد من السكان بسبب هذا الوضع وأصحاب النقل الريفي يمتنعون عن ايصالهم الى منطقتهم بسبب الروائح الكريهة التي تعم هوائها.

دعت  زهرة الهمامي الجميع الى محاولة العيش في وضعهم الصعب ولو دقائق وستكون النتائج كارثية على صحتهم ولفتت الى أنها تعاني من مرض “دقة القلب الزائدة” وأم لأيتام ولا تملك مال للكراء في مكان غير منزلها.

ووصف لطفي ايلاهي الوضعية بأنها “كارثية”، حيث توفي أحد أبناء المنطقة سنة 2018 جراء حمى غرب النيل، وأكد أنهم قد حاولوا أكثر من مرة طرح الموضوع مع المسؤولين وقوبلوا بأحاديث فارغة، ولاحظ ان مناطق اخرى تركز لفائدة سكانها المعامل ومشاريع نافعة الا أن منطقتهم جلبوا لها المياه المتعفنة السامة والمرض.

وشدد لطفي ايلاهي على أنه لا بد من إيجاد حل لهذا الاشكال ويهدد بهدم محطة التطهير وتكسيرها من المواطنين في حال لم يتم إيجاد حل قبل حلول فصل الصيف لأن السكان ينهشهم المرض والموت وسيرحلون من ديارهم.

“النقل الريفي يرفض دخول منطقتنا و دجاجنا يموت والمرض ينتشر وزوجي قرر الرحيل من المنطقة بعد ان بنيت منزلي منذ 9 سنوات”

بشير مسعودي، ناشط مجتمع مدني من سكان المنطقة يؤكد أن مشكل مياه الصرف الصحي يعود الى سنة 2014 وعلى امتداد  مسافة كيلومتر مياه راكدة  تفوح منها روائح نتنة والسكان يعانون طيلة هذه السنوات من الروائح الكريهة والوضع البيئي الضار بالصحة الذي خلف أمراضا متنوعة من الحساسية وضيق التنفس وخلف أيضا حالة وفاة للشاب منعم سمعلي سنة 2018 ب”حمى غرب النيل” التي تنتقل للإنسان عبر لدغات البعوض، وأضاف جحافل البعوض تتكدس فوق المياه الراكدة المتعفنة في المنطقة على امتداد السنة وخاصة فصل الصيف.

وبين ان مياه الصرف الصحي ستسبب ضررا للاراضي الفلاحية والمائدة المائية اضافة الى كونها قد لوثت الهواء النقي وخلفت كارثة بيئية في المنطقة .

وعود رسمية لا أثر لها

نبيل بوعلاقي إحدى متساكني المنطقة، وأحد المتضررين من الوضع البيئي المتردي فيها، يقول أن  منطقته  تعيش وضعية كارثية في  ظل لامبالاة كلية من كل المسؤولين خاصة أن الموضوع معروف لدى السلط المحلية والجهوية والمركزية و يتطلب حلولا عاجلة، واكد ان سكان المنطقة تم تسويفهم ومماطلتهم منذ وضعت محطة التطهير في المنطقة.

كما  بين بوعلاقي أن المسؤولين تعهدوا أكثر من مرة بانه سيتم استغلال المياه المعالجة لري ضيعة دولية في مجال غراسة الأعلاف دون أن تلتزم السلط المعنية بوعودها. وقد تكررت الوعود دون جدوى وآخرها تعهد رئيس بلدية جلمة بحل الإشكال خلال أربعة أشهر من أجل أن يتم سكب مياه التطهير في الوادي مقابل التزام السلط اما باستعمال المياه المعالجة في الضيعة الفلاحية او يتم تصريفه الى منطقة “واد النقاضة” وقد انقضت المدة وبقي الوضع على حاله.

“نعيش في روائح نتنة وأمراض بالحساسية ويسيطر على السكان احساس “الحقرة ” هذه السلط تصنفنا “كحشرات” ولا تقدر أننا بشر ويجب أن يقوموا بإيجاد حل عاجل لهذه الروائح الكريهة”، وأضاف أن الحل يكمن في مد شبكة التطهير لتنقل مياه الصرف الصحي  إلى “وادي النقاضة” لضمان راحة السكان

ووجه نبيل بوعلاقي نداء الى رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي لإيجاد حل جذري لهذا الوضع، لأنه لم يعد يحتمل على حد تعبيره

ومن جانبه أفاد  المدير الجهوي للديوان الوطني للتطهير بسيدي بوزيد فوزي جوادي في تصريح ل”كشف ” أنه تم الاتفاق في شهر جوان الفارط خصص فيه جزء من الاشغال لادارة التطهير وجزء لديوان الأراضي الدولية  (توفير مضخة) وحاليا في انتظار توفير المضخة منذ شهر سبتمبر ليتم اعتماد المياه لري زراعات الاعلاف.

كما أكد معتمد جلمة مسعود الشرفي في تصريح ل”كشف” أن موضوع محطة التطهير في جلمة يؤرق السكان والمسؤولين على حد السواء حيث وجد الأمور معقدة  منذ البداية قضايا في شأن مواطنين ومياه راكدة  وأضاف “لقد تدخلنا وتفاعل المواطنين ايجابيا وتم الاتفاق على ان تقوم كل جهة بجزء من الاشغال حيث تتكفل الفلاحة بتوفير المضخة وديوان التطهير يوفر المياه بمواصفات قابلة للاستغلال في الأراضي الدولية وقام ديوان التطهير فعلا بمعالجة المياه 

وتم فتح طلب استشارة في توفير مضخة التطهير ومن المنتظر نهاية شهر مارس او بداية شهر أفريل ستنطلق المضخة في العمل ويتم استغلال المياه في ري الاعلاف بالاراضي الدولية، وأشار الى أنه بصدد  اعداد دراسة خاصة بالديوان الوطني للتطهير في إطار برنامج توسعة لمحطة التطهير بجلمة تزامنا مع احداث المنطقة الصناعية ليتم ربطها لاحقا وتوجد امكانية لنقل مياه الصرف الصحي إلى “واد النقاضة”.