كشف خبر


كيف ساهمت الأخبار الزائفة في منع المواطنين/ات من التسجيل في لقاح كوفيد-19؟

21/04/18

في وقت تتسابق فيه كل بلدان العالم على تلقيح جميع مواطنيها في أجل قصير ضد فيروس كوفيد-19. يجد المواطنون/ـات التونسيون/ات أنفسهم محاصرين بموجة ثالثة من الفيروس وبزخم من الأخبار الزائفة والمزعجة في الآن نفسه. تتراوح بين مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام ومرورا بأحاديث الشارع حول مخاطر لقاح كوفيد-19 وآثاره الجانبية المحتملة وحتى “الخطيرة”. معلومات تنتشر بسرعة وتزرع الخوف بين صفوف الجمهور في ظل غياب معلومات دقيقة وشافية من قبل وزارة الصحة التونسية، وضعف السياسة الاتصالية في هذا الصدد.

من خلال هذا التقرير قمنا برصد وتفسير أثار بعض الأخبار الزائفة التي اثرت على المواطنين/ت ومنعت تسجيلهم لتلقي لقاح كوفيد-19 في ولاية جندوبة.

نبيل مواطن تونسي يبلغ من العمر 40 سنة، تاجر بالسوق الأسبوعية بولاية جندوبة، يتواصل خلال عمله يوميا مع المئات من المواطنين/ات، و يحاول دوما تفادي الازدحام في نفس الوقت. عندما طُلب منه التسجيل في منظومة التلقيح EVAX.TN رفض، معللا ذلك بأنه خائف، يعتقد أن ” هذا اللقاح قد يكون ضارا له على المدى القصير و الطويل، أو ماهو أسوأ من ذلك، قد يقتله”. يجلس يوميا بعد انهاء عمله أمام هاتفه الجوال يفتح حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي ليبحث عن معلومة تطمئنه قليلا، لكن للأسف لا يجد سوى المزيد من الخوف، مع أخبار جديدة حول حالات تعكر صحية لأطباء بسبب أحد اللقاحات.

منذ شهر تقريبا من تاريخ كتابة هذا المقال تم تداول خبر بشكل مكثف على وسائل التواصل الاجتماعي وحتى من بعض وسائل الإعلام عن “تعكر الحالة الصحية لـ 81 طبيب بعد تلقيهم لقاح كوفيد19 مما استوجب نقلهم الى المستشفى” وقد انتشر هذا الخبر أيام قليلة بعد بداية حملة التلقيح في تونس. وتسبَّب في هلع كبير بين صفوف المواطنين/ات. وعلى الرغم من صحة بعض الجوانب في الخبر إلا أن الإشكال يكمن في طريقة صياغة عنوانه، والتي  كانت مضللة وخادعة القارئ.

هذا الخبر نشر بعد تصريح لرئيس اللجنة العلمية للتلقيح في وزارة الصحة رياض دغفوس

 “81 شخصا من الإطارات الطبية وشبه الطبية الذين تلقوا الجرعة الأولى من لقاح فيروس كورونا، ظهرت عليهم أثار جانبية خفيفة. وتم تسجيل أعراض خطيرة تتمثل في آلام في الرأس وصعوبة في النطق  لدى طبيب مما استوجب اقامته بالمستشفى لمدة يومين  

في الخبر المنقول عن وسائل التواصل الاجتماعي يوجد تجميع لكل الحالات إلا أنها تختلف وحسب توضيحات وزارة الصحة فإن الأعراض الجانبية هي أعراض عادية مثلها مثل أي تلقيح آخر 

قد يدرج الخبر هذه التفاصيل في متنه لكنها تغييب عمدا أو تجاهلا في عنوانه. لكنها تساهم بشكل كبير في تضليل القارئ وغرس انطباعات وأحكام لديه بشأن التلقيح

“لم يسلم الأطباء من هذا اللقاح فما بالك أنا” يضيف نبيل بعد أن قرأ الخبر المضلل.

و طبعا السبب المتوقع من كل هذا هو اثارة الجمهور وجلب انتباههم ومضاعفة عدد الزيارات، مهما كانت نتيجة هذه الأفعال على صحة المواطنين، سيما ونحن في خضم انتشار موجة ثالثة لفيروس كوفيد-19 أكثر خطورة من ذي قبل.

هذه الصدمة المتجلية  في العنوان قد تضلل شريحة كبرى من الجمهور خاصة في ظل تنافس المنصات على صياغة العناوين الجذابة، وحتى جعلها مدعومة ماليا SPONSORED على الفيسبوك.

في نفس الولاية، جندوبة وليس بعيدا جدا عن نبيل، يقطن الهادي 36 سنة وهو سائق سيارة إسعاف بمصحة خاصة يقابل خلال عمله أطباء وممرضين ومرضى يروي لأصدقائه معلومات مفادها أن لقاح كوفيد-19 قد “يغير في الحمض النووي (ADN) للأشخاص ويمكن أن يحدث ذلك بعد مدة كبيرة من الزمن وفق تعبيره ويضيف بأن مصدر معلوماته هو طبيب يشتغل معهم بالمصحة”. 

ومن الواضح أن هذه المعلومة متداولة حتى على مواقع التواصل الاجتماعي فهناك من يحذّر من اللقاح وهناك من يفسر علميا كيف تحدث التغييرات داخل الحمض النووي بسبب اللقاح وتنشر هذه المعلومات في مجموعات مفتوحة وتصل الى عدد كبير من الجمهور.

هذا الخبر لا أساس له من الصحة”  مكرم السافي باحث في علم المناعة بمعهد باستور بتونس العاصمة

 ينفي مكرم السافي باحث في علم المناعة بمعهد باستور هذا الخبر ويؤكد لـ »كشف ميديا » بأن لقاح كوفيد-19 لا يمكنه تغيير أو تحويل الحمض النووي للأشخاص . واكد بان اللقاح المنجز من خلال تقنية « ARNM » لا يدخل أبداً إلى نواة الخلية التي تحتوي على الحمض النووي. ويقوم بعمله في السيتوبلازم، أي السائل داخل الخلية، بينما أوضح مكرم بأن « ARNM  » لا يلتصق بالجسم أيضاً، ل ARNM لا يذوب بعد ترجمته الى بروتين مباشرة ، يمكن أن يتم إعادة ترجمته الى بروتين مرة أخرى أو أكثر قبل ان تتخلص منه الخلية.

عدم التسجيل في التلقيح نتيجة حتمية لتراكم الأخبار الزائفة

عبد العزيز العرفاوي، 92 سنة اصيل معتمدية عين دراهم من ولاية جندوبة، يرفض التسجيل في منظومة التلقيح التي أنشأتها وزارة الصحة التونسية EVAX.TN، والسبب حسب تعبيره هو عدم وثوقه في الدولة التونسية وما يقوله الساسة من خطابات وحملات توعوية.

“هذه الدولة المفلسة لم تجد طريقة للتخلص منا سوى بمدنا بجرعات التلقيح غير المضمونة، ستكون فرصة ذهبية لها إذا توفي مئات الشيوخ بسبب الأعراض الجانبية للتلقيح وبالتالي تنتفع هي بمبالغ جراياتنا التقاعدية”.

وعلى الرغم من أن الشيخ العرفاوي يعاني من بعض الأمراض المزمنة مثل ضغط الدم والسكري إلا أنه راض تماما على صحته ومناعته متقبل أمر إصابته بالكورونا، بدل التلقيح ضدها.

منية ابنة الشيخ العرفاوي 38 عاما،  تصرح بدورها أنها لا تثق في منظومة التلقيح وترى أن وزارة الصحة قصرت وبشدة في إجراء حملة اتصالية ناجحة قادرة على إقناع المواطنين /ات من كبار السن للتسجيل فيه.

“الوزارة أهملت الجانب النفسي والاجتماعي للمواطنين وهي تسعى حاليا فقط لإنجاح الحملة وإنهاء الكمية التي اقتنتها من أموال المجموعة الوطنية بملايين الدينارات” .

 عزوف الشيخ العرفاوي ربما تفسره الارقام الضئيلة جدا للمسجلين في منظومة التلقيح من كبار السن ع منظومة التلقيح EVAX.TN

سهى ناشطة في المجتمع المدني، تتحدث لنا عن الكمّ الهائل من الشائعات والترهيب على مواقع التواصل الاجتماعي حول لقاحات كوفيد-19. “هناك من يتحدث على مؤامرة وهناك من يتحدث عن عمليات تجسس وهناك من ينتقد جودة اللقاحات وقد تخلف اضرار جسدية وأمراض مزمنة وأخرى قد تقتل”.

 هذه العينة من الأخبار المضللة ساهمت في ترهيب كبار السن ونفورهم من التسجيل في منظومة التلقيح ضد كوفيد-19.

 ولعل من أسباب نقص الوعي وارتفاع الخوف لدى المواطنين/ات هو تراخي وزارة الصحة في القيام بالحملات التحسيسية اللازمة وغياب رسائل تعريفية باللقاح وأهميته.

الدكتور لطفي قحة، طبيب نفسي  يفسر هذا الخوف من التلقيح بعاملين رئيسيين الأول موضوعي والثاني شخصي. فأما بالنسبة للموضوعي فهو راجع لقلة المعرفة وعدم توفر معلومات حول النجاعة الكامنة في التلقيح . علاوة على ضرورة تفسير الآثار الجانبية الممكنة ودرجة خطورتها. ومن الضروري نفهم فكرة أن كل إنسان بطبعه يخشى الاشياء التي يجهلها.

وأما العامل شخصي فهو يفسر الخوف من التلقيح من قبل المشككين فيه، ويعود ذلك لشخصيات قلقلة و مرهفة ومتردة، تشك تبالغ وتستشعر الخطر دائما،  خاصة في غياب المعلومة الصحيحة وانعدام علاقة الثقة بالمنظومة الصحية 

الدكتورة إيناس العيادي مستشارة وزير الصحة تؤكد ان إقبال المواطنين/ات على  التلقيح ضعيف مثال يوم السبت 10 أفريل تم استدعاء 25 ألف مواطن لتلقي التلقيح لكن لم يحضر سوى 12 ألف مواطن .

صحيح أن عملية التلقيح تسير بنسق بطيء  لكنها في ارتفاع تدريجي، ويعود النقص حاليا الى التوقيت الرمضاني وسنحاول تدارك ذلك في القريب العاجل.

ومع ارتفاع عدد الإصابات لأكثر من 2199  وحالة الوفيات إلى 78 واتخاذ إجراءات جديدة  للحد من انتشار الفيروس، هل ستغير وزارة الصحة التونسية استراتيجيتها الاتصالية في خصوص تلقيح كوفيد 19 وتقترب أكثر من المواطنين ام سيبقى التواصل ضئيلا متطابقا وضئالة الكميات المتوفرة في تونس من تلقيح كوفد-19؟ لاسيما بعد المذكرة الأخيرة الصادرة عن وزير الصحة  فوزي مهدي في 16 افريل الجاري، والتي يحد فيها من ظهور الأطباء في وسائل الإعلام وفي تعبيرهم على وسائل التواصل الاجتماعي

كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر 

بقلم أيمن بن محمد

إشراف عام خولة بوكريم

أنتج هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا