كشف صحي


عاملات الفلاحة بسيدي بوزيد زمن كوفيد-19: معاناة مستمرة بأجر زهيد دون حماية ولا وقاية

21/04/19

بافاتي (الكمامة) هي فولارتي،لماذا أستعمل الكمامة وأنا أحرث الأرض بالمسحاة وأنفاسي تتقطع؟ خيرتُ عدم استعمالها ، “لم أرتدي الكمامة يوما منذ بداية انتشار فيروس “كورونا” فأنا لا أملك نقودا لشرائها

كلمات جافة خرجت من شفاه إحدى العاملات في القطاع الفلاحي في سيدي بوزيد وسط لامبالاة ربما لا تكون مبررة عما يحدث حولهن.

 سيدي بوزيد الولاية التي تنتج أكثر من ثلث الإنتاج الوطني من الخضر والغلال والألبان بيد عاملة نسائية تقدر بأكثر من 90 بالمائة من مجموع اليد العاملة  في قطاع الفلاحة بالجهة، وفق ما أفاد به الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري،

فكيف هي  ظروف عملهن خلال فترة “الكورونا”، وهل من إجراءات لفائدتهن في ولاية سيدي بوزيد؟

زارت “كشف ميديا ” ضيعتين فلاحيتين تعمل بهما مجموعة من العاملات الفلاحيات أصيلات مناطق متفرقة من معتمديتي جلمة والسبالة  التابعتين لولاية سيدي بوزيد و معتمدية سبيطلة التابعة لولاية القصرين.

دون ارتداء كمامات ولا استعمال السائل المعقم،  تواصل العاملات نبش الأرض بالمسحاة في حركات متتالية لا يظهر عليهن اهتمام بمستجدات فيروس “كوفيد-19″، وبين الفينة والأخرى تتوقف إحداهن لتأخذ نفس عميق في بضعة ثوان ثم تعود لتنهمك في العمل.

 سامية محمدي عاملة في القطاع الفلاحي أصيلة معتمدية السبالة تعتبر ان  “الوقاية ليست في الكمامة والجال المعقم، بل الحماية تكمن في تغطية صحيّة أو مشروع يوفر مواطن الشغل ويمنع خروج فتيات صغيرات في سنّ العاشرة  الى العمل في الضيعات والمزارع ويمنع العمل عن نساء تجاوزن سن الخمسين، ومنكبات على حوض طماطم أو فلفل ومنهمكات في العمل”.

واعتبرت سامية أن الحلول تكمن في توفير  تغطية اجتماعية لفائدة العاملات في القطاع الفلاحي وبعث مشاريع كبرى وإنشاء مصانع تستفيد منها النساء وتوفر لهن مواطن شغل.

لم تترك محدثتنا من يديها “شتلة الفلفل” في حين كانت اليد الاخرى تكسوها التربة ، وتلف وشاحها على وجهها فلا تظهر من ملامحها غير عينها ليس بهدف الوقاية من “الكورونا” بل لتحمي وجهها من الشمس.

سامية محمدي تتحدث عن إرسال ابنها لـ”قوارب الموتّ

  “تساءلت سامية لو أن العاملات في القطاع الفلاحي يتخلين عن العمل في الضيعات والحقول فمن سينتج الفلفل والطماطم والخضر والغلال والحليب واللحوم وماذا سيأكل الذي يجلسُ حاليا فوق الكرسي؟

أنا أقوم بدوري وأقدم خدمات فماذا قدموا لي؟ ألا يجب أن يوفروا  مورد رزق كريم لي ولاطفالي؟ . 

سامية أرسلت ابنها إلى قوارب الموت حتى يهاجر بشكل غير نظامي، تقول انها تخشى أن يلقى مصيرها في الحياة من التعب والفقر.

في الضيعة الأولى 6 عاملات يعزقن الأرض بالمسحاة وينبشن تراب  مساحات من الطماطم، وفي الضيعة الثانية 4 نساء يزرعن الفلفل، ظهور مقوسة وأيادي يكسوها التراب ، عمدت احداهن الى كمية من الحطب  وقت الفطور فأشعلت فيها النار لتسخين الفطور وقامت بوضع إبريق الشاي فوق النيران  وتجمعن النسوة  يتقاسمن غذائهن كما يتقاسمن مشاق العمل.

صورة للعاملات أثناء الغداء/ كان أخر يوم أحد يسبق دخول شهر رمصان أفريل 2021

 ربح منصوري تجاوز عمرها 60 سنة أصيلة معتمدية سبيطلة من  ولاية القصرين وتعمل بضيعة فلاحية بمعتمدية السبالة بولاية سيدي بوزيد قالت إنَّها توقفت عن العمل فترة الموجة الأولى من انتشار فيروس “كورونا”، وتساءلت:

“لماذا أستعمل الكمامة وأنا أحرث الأرض بالمسحاة وأنفاسي تتقطع؟ خيرت عدم استعمالها”، وفلتت من شفتيها ابتسامة وهي تردد 

 “إن قرروا معاقبتي على عدم ارتداء  الكمامة،  فلن يجدوا ما يأخذوه مني غير أن  يأخذوني أنا”.

دعت ربح  المسؤولين إلى التحلي بالرحمة تجاه النساء العاملات في قطاع الفلاحة و اللاتي يعزقن الأرض بالمسحاة في عمر الستين مثلها، وبنبرة حزينة قالت إن “المرأة العاملة في الفلاحة هي أتعس امرأة في الحياة تعمل تحت أمر الرجال  وتتعرض لكل أشكال من الاهانة”.  

ربح منصوري، 60 عاما تعمل في القطاع الفلاحي وتعاني من المعاملة السيئة

يتنقلن  النساء العاملات في القطاع الفلاحي  يوميا  في سيارات بأعداد تفوق أحيانا 40 امراة في السيارة الواحدة ويكن متراصات الواحدة بجانب الأخرى دون أي التزام بإجراء التباعد الجسدي ولا يرتدين الكمامات  فقط هنَّ يصارعن من أجل قوتهن وقوت عائلاتهن اليومي. 

رئيسة جمعية “النساء أولا” حياة قادري تقول لـ”كشف ميديا” أن فترة “الكورونا” عمل الجمعية كان موجها أساسا للمرأة العاملة في القطاع الفلاحي  من خلال توزيع كمامات وسائل معقم لفائدة  عاملات في القطاع الفلاحي في سيدي بوزيد الغربية،

وضعية النساء العاملات في هذا القطاع  فترة “الكورونا” كانت صعبة جدا، و شهدت غيابا تاما لوسائل الوقاية خاصة خلال تنقل العاملات في الشاحنات دون أي احترام لقواعد البروتوكول الصحي والتباعد الجسدي وارتداء الكمامات وتكتفي النساء بوضع جزء من غطاء شعرهن على وجوههن وهو غير كاف .

 محمد محمدي فلاح بمعتمدية السبالة يقول إنه “لم يوفر للنساء العاملات في ضيعته كمامات خلال فترة انتشار فيروس “كورونا”، وأضاف انه أحيانا لا يوفرها لنفسه، وأشار الى أن أغلبهن يضعن غطاء رؤوسهن على أنوفهن ويواصلن شغلهن. كما ثمَّن محمد دور العاملات في القطاع الفلاحي ومساعدتهن للفلاح رغم الأجر الزهيد الذي يتقاضونه.

في حين أكد مصدر مسؤول من الادارة الجهوية للصحة بسيدي بوزيد، تحفظ عن ذكر اسمه أن الادارة  لم تخصص أنشطة لفائدة العاملات في القطاع الفلاحي ولم تخصهن ببرنامج زمن “الكورونا”.

من جهتها أشارت رئيسة مصلحة المرأة بمندوبية المرأة والاسرة والطفولة وكبار السن بسيدي بوزيد هادية قاسمي الى انه تم “ايلاء اهتمام خاص بالمرأة الريفية أو العاملة بالقطاع الفلاحي خلال فترة كوفيد-19 و وتمثل ذلك من خلال تنفيذ القيام بحملات تحسيسية توعوية لحماية العاملات في قطاع الفلاحة و الاتصال المباشر بهن في الحقول والضيعات.  وقد تم توزيع الكمامات والسائل المعقم لفائدة مجموعة من النساء.

 اضافة الى برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي  للمرأة في الوسط الريفي الذي شمل نساء من معتمديات الرقاب والمزونة وبئر الحفي وتمثل في تكوين مجامع فلاحية في العولة بتمويل من وزارة المرأة، كما تم توزيع موارد رزق بقيمة 50 الف دينار للامهات المهدد أطفالهن بالانقطاع عن الدراسة نتيجة الوضع الاقتصادي ورصدت وزارة المرأة حاليا 50 ألف دينار جديدة  لفائدة النساء بمعتمدية المزونة لانها منطقة ذات اولوية. 

م رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بسيدي بوزيد علي براهمي قال في تصريحه لـ”كشف ميديا”  إن المرأة العاملة في القطاع الفلاحي سواء فترة “الكوفيد 19” أو غيرها تعاني نفس الظروف ونفس الوضعية ولم تستفد شيء ما عدى بعض الجمعيات بطريقة استعراضية  يقدمن لهن بعض الكمامات والجال المعقم ويتنقلون لهن الى الحقول ويصورن معهن وتنتهي المهمة، واتحاد الفلاحين بدوره لم يقدم الكثير للعاملات الفلاحيات خلال فترة الكورونا.

رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بسيدي بوزيد: العاملات الفلاحيات حقوقهن مهضومة ويعملن دون حماية.

  على الرغم من ان الجميع تحصل على تعويضات خلال الفترة الأولى من كوفيد-19 إلا أن العاملات في قطاع الفلاحي لم يحظين بشيء وبقيت حقوقهن مهضومة رغم مايقمن به من مجهودات. في الوقت الذي توقف فيه الجميع على الانتاج، واصلن  العمل وحافظت بفضل ماتنتجه سواعدهن الأسواق على التزود

تخرج نساء  يوميا من بيوتهن باكرا  وتركبن شاحنات في اتجاه الضيعات الفلاحية لتنبش أياديهن التراب وتحفر وتسقي وتجني وتنتج وتزود كل أسواق تونس، لا توهن لهن عزائم رغم التعب والمشقة، ولا يحول برد الشتاء ولا حر الصيف ولا حوادث الطرقات ولا عدوى فيروس “كورونا” دون توجههن للعمل. 


كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر 

بقلم كوثر الشايبي

إشراف عام خولة بوكريم

أنتج هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا