21/04/28
“، لم يعطوني دوائي وأعلموني بأنه غير موجود ليست المرة الأولى ولن تكون الاخيرة او ربما صحتي لن تسمح لي بالذهاب إليهم مرة أخرى وتسول الدواء”.
بهذه الكلمات خرجت ربح حنزولي، 67 عاما من المستشفى المحلي الطاهر بوزريبة بجلمة في ولاية سيدي بوزيد ، تجر ساقيها ومعهما أذيال خيبة كبيرة. وترتسم على وجهها ملامح غضب، وتحمل بيدها قفة فارغة وتمشي بخطوات متثاقلة. تأتي الى المستشفى عبر سيارة النقل الريفي من منطقة “زغمار” يوم الخميس الذي يتزامن مع السوق الأسبوعية حتى تحصل على دواء لمرض ضغط الدم، من المفترض ان يكفيها 30 يوما إلا أنها لم تجده. ما يؤلمها أنها ستضطر لشرائه من الصيدلية بثمن يعادل ما يملأ “قفة” الخضار التي كانت تمسكها بين يديها.
يعاني المستشفى المحلي بجلمة من ولاية سيدي بوزيد من وضع متردي ونقص حاد في التجهيزات والأدوية كما يفتقر لوجود عدد كافي من الأطباء والممرضين والعملة، ونقائص عديدة أخرى تحول دون تقديم الخدمات الصحية الضرورية خاصة لفائدة النساء والأطفال وقد ضاعف انتشار جائحة “كوفيد-19” من سوء وضع المستشفى وتزايدت نسبة تذمر المرضى من نقص أو سوء الخدمات.
“مشكل عدم توفر أدوية الأمراض المزمنة تضاعف فترة “كوفيد-19″ حتى أنني أصبحت لا أتأمل كثيرا في الحصول على دوائي ولا على القيام بالتحاليل الطبية اللازمة. غالبا ما التجأ الى الصيدلية الخاصة لشرائه رغم أن ظروفي المادية صعبة و لا تسمح وكان يتوجب على الدولة أن توفر أدوية الأمراض المزمنة لكبار السن وتراعي وضعهم الاجتماعي”
يشهد المستشفى المحلي بجلمة منذ سنوات عديد النقائص كانت سببا في خوض سلسلة من الاحتجاجات ومطالبة مستمرة بتحسين الخدمات الصحية وإنجاز المستشفى الجهوي صنف “ب” المشروع الذي رصد لفائدة معتمدية جلمة منذ سنة 2012 وبقي معطل الى سنة 2021، في مدينة تعد أكثر من 40 ألف ساكن إلا أنه بقي حبرا على ورق. مثل الفصل 38 من الدستور التونسي الذي يعتبر أن “الصحة حق لكل إنسان، تضمن الدولة الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن، وتوفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية، كما تضمن الدولة العلاج المجاني لفاقدي السند، ولذوي الدخل المحدود. إلا أن كل هذه الخدمات تغيب في مستشفى جلمة.
رئيسة وحدة الصيدلية نزهة قنيشي أوضحت أن الأدوية المتوفرة في الصيدلية المركزية يتم جلبها للمستشفى الجهوي بجلمة والمشكل لا يكمن في جلب الادوية انما الاشكال يكمن في نقص الادوية على الصعيد الوطني وخاصة ادوية الأمراض المزمنة اضافة الى محدودية الميزانية التي لم تتطور رغم ارتفاع استهلاك الأدوية.
أما قسم الاستعجالي بالمستشفى فهو يفتقر الى نقص كبير في التجهيزات الحديثة وإلى توفير سيارات اسعاف مجهزة كما يعاني نقصا في العملة والاطار الطبي وشبه الطبي.
رئيسة قسم الاستعجالي بالمستشفى المحلي بجلمة ميسون العوني قالت إن صور الأقسام المهترئة والأجهزة المعطلة هي أبلغ في التعبير عن وضعه. إذ يوجد نقص فادح في التجهيزات في قسم الاستعجالي وفي العملة والإطار الشبه طبي و الأطباء. كما لا يتوفر الا سرير واحد وقارورة اكسيجين في قسمي للاسعاف والانعاش. علاوة على عدم توفر وسائل لإسعاف أي مريض.
“المستشفى المحلي بجلمة في ولاية سيدي بوزيد لا يمكن أن نطلق عليه تسمية مستشفى يقدم خدمات لأكثر من 40 ألف ساكن في معتمدية ، فهو غير مؤهل لإنقاذ المرضى. “في أزمة “الكوفيد” لا نملك أي شيء لمجابهتها. ونقدم خدمات بقدرات ذاتية من اجتهادات العاملين حتى لا نخل بحق المواطن.لا يوجد بالمستشفى مسلك خاص ب”الكوفيد” وعندما يحدث ضغط على قسم الاستعجالي في علاقة بقوارير الاكسجين يحصل لنا شلل تام ونعجز عن تقديم أي خدمة”.
قسم الولادة في حالة كارثية
بالمستشفى المحلي بجلمة توجد غرفة واحدة مخصصة لإيواء النساء سواء كانت مريضة أو حاملا أو وضعت مولودها وغرفة للتوليد تنقصها مجموعة من اللوازم.
زينة تليلي، 37 عاما، أم لثلاثة أطفال، كانت هي الأخرى تنتظر في باحة المستشفى حاملة رضيعها بين ذراعيها، قصدت المستشفى من أجل تلقيح ابنها الرضيع.
تعتبر زينة أن الخدمات الصحية في المستشفى المحلي بجلمة بسيطة وشكلية وتقتصر على تلاقيح الأطفال ومتابعة حمل النساء وبعض الأمراض الخفيفة ومتابعة أصحاب الامراض المزمنة فيما يوجه أغلب المرضى الى المستشفى الجهوي في مركز الولاية للقيام بالتحاليل الطبية والفحوصات لدى أطباء الاختصاص.
“يجب أن تتم مراعاة الوضع الحالي وانتشار فيروس “كوفيد-19” وتقديم الخدمات الطبية في ظروف أفضل ، حيث لا توجد إجراءات وقائية خاصة في المستشفى رغم الانتشار الكبير لعدوى فيروس “كوفيد-19″ حاليا مما يبعث على الحيرة والخوف”.
حدثتنا بسمة بوزيدي قابلة بقسم الولادة بجلمة أن الأمور تتعكر عند توافد عدد من النساء في نفس الوقت حيث تعمل القابلة بمفردها في ظل نقص كبير اذ لا تتواجد أغلب الاحيان لا ممرضة ولا عاملة لمساعدة القابلة مما يضطرها الى العناية بالأم والطفل في نفس الوقت.
ولفتت إلى أن قسم الولادة يعاني من كم من النقائص التي تتمثل في نقص في التجهيزات إذ لا توجد آلات لقياس ضغط الدم ولا النبض. كما توجد تجهيزات تتطلب الإصلاح. والمعضلة الأكبر وجود قارورة أكسجين واحدة مشتركة بين قسم الولادة وقسم الاستعجالي.
كاتب عام النقابة الاساسية بالمستشفى المحلي بجلمة سالم نصيري يؤكد أن “المستشفى في وضع صعب جدا وأشار الى أنه تمت المطالبة بفصل مستشفى جلمة عن معتمدية السبالة ذلك أن الميزانية المرصودة لا تفي بحاجيات المعتمدتين لتزايد عدد السكان.
وأكد على ضرورة انجاز المستشفى الجهوي صنف “ب” منذ سنة 2012
أما عن فترة “كوفيد-19″، فقد أشار الى أنه لا تتوفر إلا وسائل الحماية للعاملين بالمستشفى أما التجهيزات فهي غير موجودة ولا قدرة للمستشفى على استقبال مرضى كوفيد ولا إسعافهم في ظل غياب مسلك خاص بهم أيضا
“لا يوجد بالمستشفى إلا 3 قوارير أكسيجين مشتركة لكل الاقسام ولكل المرضى ولا تتوفر سيارة اسعاف مجهزة لإنقاذ الأرواح البشرية”.
نجيبة سلطاني تعمل قيمة بمركز رعاية الام والطفل وصفت في حديثها لـ”كشف ميديا” وضعية المستشفى المزرية على جميع الأصعدة. من حيث نقص العملة والأطباء والممرضين غياب التجهيزات الحيوية وتعطل أخرى الخاصة بالرضع. علاوة على المقر نفسه الذي لا تتوفر فيه الشروط الصحية اللازمة. ونقص حاد في تجهيزات تلقي الاكسيجين لفائدة الرضع.
كما أن قسم الولادة يفتقر لكل المرافق من أسرة مكسورة ومراتب مهترئة. حيث يتجمع في الغرفة الواحدة المخصصة للنساء 6 أو 7 نساء على الأقل.
تؤكد نجيبة أن القابلة الموجودة تعمل بشكل فردي وتقوم بعمل فريق كامل بمفردها. كما لا تتوفر بالمستشفى كل التحاليل الخاصة بالنساء الحوامل مما يضطرهم الى الذهاب الى مركز الولاية أو الى احدى المعتمديات المجاورة للقيام بالتحاليل الطبية لمتابعة حملهن وكثيرا ما يعجز بعضهن عن القيام بالتحاليل المطلوبة. كما لا يوجد فضاء مخصص لوضع ملفات النساء مع غياب أجهزة الكمبيوتر ودون الوصول للحديث عن رقمنة الملفات وحفظها من التلف الورقي.
لا توجد مواد لتعقيم أدوات العمل بمركز الرعاية، أما المستشفى فلم يعد قابلا للاصلاح لأنه منهار تماما، ولا بد من إنجاز المستشفى الجهوي صنف “ب” الذي وعدونا به”.
تبقى حالة مستشفى جلمة منهارة على الرغم من وعود حكومة متعاقبة منذ 2012 بإنشاء مستشفى جديد صنف ب. من استقبال قسم الولادات يوميا بين 30 و40 طفل للتلقيح والتي أعمارهم أقل من 6 سنوات، رغم ضيق المكان والنقص الحاد في الإطار العامل و في التجهيزات. حيث لا يملك المستشفى حتى حاسوب واحد لرقمنة ملفات المرضى وتسهيل العمل.
كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر
أنتج هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا