كشف معلومة


عائدة، 39 عاما، أمّ مطلقة و صاحبة شهادات عليا، قضى كوفيد-19 على مورد رزقها

21/04/30

عائدة المديوني، 39سنة، لم تستطع مؤخرا ايجاد عمل وهي تعيش الآن دون دخل قار أو تأمين صحي. مطلقة، و أم لفتاة تبلغ من العمر 12 سنة ، تعيشٌ حاليّا في “استوديو” صغير وسط مرآب منزل عائلتها القديم.

تجلس عائدة على المقعد داخل بيتها المتواضع، تمعنٌ النظر في ما تبقى لها من أدوات مدرسية ومكتبية اعتادت بيعها للتلاميذ الذين يدرسون بالمدرسة الكائنة بجوار منزل عائلتها. هي الأن عاطلة عن العمل، إذ لم تترك لها “الكورونا” مجالا لكي تعمل كالعادة وتوفر قوتها هي و ابنتها.

رغم أنها متحصلة على ماجستير في العلوم القانونية، و إجازة في آداب اللغة الفرنسية إلا أنها لم تجد عملا في مجالها. ورغم كل محاولات خروجها من البطالة وبحثها عن عمل المحاولات إلا أنها باءت جميعها بالفشل. ولعل معضلتها الأكبر تعرضها التحرش  الجنسي في مرات عديدة من قبل أرباب العمل، ممَّا أصابها بخيبة كبيرة في إيجاد بيئة عمل آمنة تكون مصدرا للرزق لها.

كانت تتحدث وعيناها تمتلئان بدموع أبت أن تنزلَ على خدَّيها، وكأنها تحاول أن تتماسك أمامنا :

“في كل مرة اردت ان أعمل في مجالي، يتحرشون بي، والسبب يعود لكوني مطلقة. هي عقلية مترسخة في مجتمعنا التونسي. يظنون أن المطلقة فريسة سهلة، متاحة للجميع.”

المكان الذي تدرس فيه عائدة الدروس الخصوصية

قبل موجة كوفيد-19 الأولى كانت عائدة تقدّم للتلاميذ دروسا خصوصية  في مكان صغير استأجرته منذ أشهر بجوار منزل عائلتها وكانت تبيع في الآن نفسه بعض الأدوات المدرسية والمكتبية وتبيع معها “اللمجة” للتلاميذ. وهي عبارة عن بعض البسكويت والعصير تبيعها بأثمان منخفضة حتى تغري التلاميذ بشرائها.  أما ابنتها فهي التي تقوم بمهمة تسويق هذه السلع للتلاميذ بحكم قرب السن للأطفال.

رغم كل المجهود الذي تقوم به عائدة  الاَّ أنها لا تتمتع بتغطية اجتماعية ولا صحية،  وتحصل في النهاية على دخل متواضع جدًّا، بالكاد يكفي مصاريفها الشهرية هي وابنتها ويمكّنها من سداد معاليم الكراء والفواتير.

أضرّت بي الكورونا كثيرا

عائدة مع ابنتها نور

سنة 2020 خلال الموجة الأولى من كوفيد-19 في تونس، توقفت الدراسة وأغلقت الحدود. حينها لم تستطع عائدة تأمين مصاريفها هي وابنتها. وتوقفت عن تدريس التلاميذ و بيع المواد المدرسية،  بل أكثر من ذلك فقد تسببت هذه الازمة في تكبدها خسارة مالية فادحة بعد أن تلفت كميات العصير والبسكويت، التي خزنتها ولم تتمكن من بيعها.

كانت عائدة تعيش على الإعانات من الجيران وتحصلت في مرة وحيدة على منحة 200د التي صرفتها الدولة التونسية لفائدة ذوي الدخل المحدود والعائلات المعوزة والمتضررين من موجة الكورونا. وكانت عائدة من بين نساء ولاية جندوبة في الشمال الغربي لتونس،  اللواتي تحصلن على هذه المساعدات.

” تحصلتٌ على 200د اعانة من الدولة لكن ماذا يفعل لنا مبلغ ضئيل جدا كهذا، رغم كل الألم وضيق الحال، أحيانا ينتابني شعور بالرضاء وأحمد الله على أنني لم أصب بالفيروس اللعين وتكفلتٌ بابنتي التي لم ينقصها شيء خلال تلك الفترة الصعبة، فهناك من لم يستطع توفير حتى الوجبة اليومية لأطفاله”.

ولعلَّ عائدة من بين ألاف النساء اللواتي فقدنَ موارد رزقهن بسبب كوفيد-19 ، إذ تشير نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للمعهد الوطني للإحصاء بارتفاع نسبة البطالة لدى الإناث خلال الثلاثية الرابعة من سنة 2020 حيث  بلغت 24.9 بالمائة بارتفاع بـ2.1 نقطة فيما قدرت لدى الذكور ب14.4 بالمائة بارتفاع  ب0.9 نقطة.

تطور عدد العاطلين عن العمل بين سنتي 2020و2021
تطور نسبة البطالة حسب لجنس سنة 2020

وبحسب ممثلين عن الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني المجتمعين خلال أشغال اليوم الدراسي بتاريخ 8 مارس 2021 حول “تداعيات الجائحة الوبائية كوفيد-19 على النساء والأطفال وكبار السن” فإن موجة كوفيد-19 قد أثرت بشكل كبير على العائلات وخاصة على الأطفال. إذ تراجعت مداخيلها بشكل كبير، وارتفعت نسبة العنف المسلط على  النساء والأطفال، وتضاعفت التهديدات المحيطة بهم. كما ارتفعت نسب الأمراض النفسية لدى الأطفال وتقاطعت مع الإدمان على استعمال الهاتف الجوال والألعاب الإلكترونية،  وتزايد عدد المصابين بالإحباط والكآبة.

وقد أشار مندوب حماية الطفولة مهيار حمادي  خلال نفس اليوم الدراسي الى تلقي 331 اشعار بخصوص أطفال في حالة خطر خلال فترة الحجر الصحي الشامل في أفريل 2020، وتم اتخاذ 42 تدبير عاجل يقضي بإيواء الأطفال بمؤسسات رعاية الطفولة، و 170 تدبير اتفاقي مع العائلات الحاضنة للأطفال، ورفع 38 وضعية لقاضي الأسرة وتمتيع الأطفال بالتعهد القضائي.

تقف “نور” اسم مستعار، ابنة عائدة والتي تبلغ من العمر 12سنة، لتعرض مجموعة من الصور التي قامت برسمها فوق الطاولة وتردّد بأنها لم تجد عملا تلهي به نفسها و يؤنسها في أوقات عزلتها غير الرسم.

تحدثنا وهي مبتسمة “كل الأوراق التي أرسم عليها هي أوراق أمي كانت تبيعها وانا اخذها منها خلسة”.

لم تستطع نور اخفاء خوفها من فشلها في الدراسة بعد أن تراجعت معدلاتها المدرسية بصفة ملحوظة فهي لم تستطع التأقلم مع الطريقة الجديدة في الدراسة التي اعتمدتها وزارة التربية وهي الدراسة يوم بيوم وحسب تعبيرها فإن إنجاز الدروس داخل الأقسام يكون بسرعة  وهو ما يفضي عدم استيعابها للدروس. وتقول بأن كل زملائها في الدراسة باتوا يعولون كثيرا على الدروس الخصوصية في كل المواد الدراسية، أمر لا تقدر والدتها على دفع ثمنه في ظل الظروف الحالية الصعبة.

“الدراسة أصبحت صعبة لم استطع فهم واستيعاب شيء، أخرج من المدرسة دون معلومة تذكر”.

المدير العام للتقييم والجودة بوزارة التربية خليفة المنيلي كان قد صرح في يوم دراسي برلماني في مارس 2021،  بأن تداعيات جائحة كوفيد-19 انعكست سلبا على المستوى الدراسي للأطفال وضاعفت أزمة الانقطاع المبكر عن الدراسة.

 يواجه الأطفال اليوم وفق منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف مخاطر عالية بانتشار الأمية وعدم تنمية القدرات الادراكية والمهارات الحياتية جراء تعطل العملية التربوية والتكوينية في كل مراحلها. خاصة في الدول الأفريقية والتي تعطل منوال التنمية فيها. كما  عمقت جائحة كوفيد-19 أزمة العائلات من فئة محدودي الدخل، حتى لامسوا خط الفقر في ظل غياب لأي سياسة حكومية واضحة لإنقاذهم اقتصاديا والاحاطة بهم اجتماعيا.


كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر 

إشراف عام خولة بوكريم

أنتج هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا