21/05/21
تونس من بين البلدان التي تجرم المثلية الجنسية بين أشخاص من الجنس ذاته بالتراضي، بالسجن ثلاث سنوات. وذلك وفق الفصل 230 من المجلة الجزائية، كما تعاقب الفصول 226 وما يليها من المجلة ذاتها أي “سلوك مخالف للأخلاق العامة”. وتستخدمُ هذه الفصول كثيراً لمضايقة واعتقال وإدانة الأشخاص الذين يعرفونَ أو يشتبهُ في كونهم/نَّ من المثليّات والمثليّين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والعابرين/ات جنسيّاً.
إذ يفرض رجال الشرطة بالتعاون مع القضاء و الطواقم الطبية فحوصا شرجية قسرية على الرجال والنساء من المتحولات النوع الاجتماعي والعابرات جنسيا، الذين يُعتقلون بتهم تتعلق بالمثلية. والهدف المزعوم لهذه الفحوص هو إيجاد “دليل” على الممارسة الجنسية المثلية.
وتكون هذه الفحوص غالبا عبر إدخال الأطباء أو غيرهم من الطاقم الطبي أصابعهم قسرا، أو أدوات أخرى أحيانا، في شرج المتهم/ة المفترض/ة. ويبرر القائمون على هذه الفحوص المهينة للكرامة البشرية بأنهم يحددون بذلك شِدّة العضلة الشرجية أو شكل فتحة الشرج ويعرفون إذا ما قام المتهم بسلوك مثلي. وفي هذا السياق تعتبر هيومن رايتس واتش أن هذه الحجة ترتكز على معلومة علمية تعود للقرن التاسع عشر، فقدت مصداقيتها منذ فترة طويلة، لأن غالبية الآراء الطبية والعلمية استحالة استخدام هذا الفحص لمعرفة ممارسة الشخص الجنس المثلي
“فحص العار” حملة توعوية عابرة للحدود من تونس إلى مصر وصولا إلى لبنان
فحوص العار هي حملة مناصرة توعوية عن موضوع الفحوصات الشرجية القسرية التي قد تطال الجميع، خصوصاً أفراد مجتمع الميم.ع، انطلقت منذ موفى مارس الماضي في عدد من الدول العربية. تحت مظلة شبكة “اتحاد”. وقد أطلقت الحملة الرقمية على منصات التواصل الاجتماعي لـ 5 منظمات عربية غير ربحية، وهي “دمج” و”موجودين” عن تونس، “بداية” و”مساحات” اللتان تعملان في منطقة وادي النيل (مصر والسودان)، و منظمة “موزاييك” من لبنان.
وعن اتحاد فهو تحالف لعدد من منظمات المجتمع المدني يخطط وينفذ مشاريع مشتركة في مجال المناصرة بهدف دعم حقوق مجتمع الميم-عين. ويضم “اتحاد” المؤسسات التالية، ويسعى دوما لتوسيع هذه القائمة:
المؤسسة العربية للمساواة والحريات- لبنان، أطياف مصر، أمان – الأردن، بداية – مصر حلم – لبنان، دمج – تونس، رينبو ايجيبت – مصر، ظلال الأبنوس – السودان، مساحات – مصر والسودان، موجودين – تونس، موزاييك – لبنان، م مسلم – مصر-هيفن فور أرتستس – لبنان وMedeArt- الأردن
يجب إنهاء معاناة مجتمع الميم. ع مع الفحوص الشرجية
يقول إبراهيم أحد أفراد الحملة والممثل عن مكتب الشمال الغربي للجمعية التونسية للعدالة والمساواة ” دمج” ، بأنه في البداية كانت الحملة تهدف إلى الضغط نحو إلغاء الفصول القانونية المجرمة للمثلية الجنسية أمثال الفصل 230 من المجلة الجزائية.
“هو أمر نناضل من أجله منذ 2011 عقب الثورة التونسية، إلا أننا ارتأينا مع شركائنا في الحملة في مصر ولبنان، بأننا علينا أولا حماية المثليين من التعذيب أي فحوص العار! التي تؤذيهم أكثر من أي شي آخر”.
وتعدُّ الفحوص الشرجية القسرية شكل من أشكال المعاملة القاسية والمهينة، والمعاملة اللاإنسانية التي يمكن أن ترقى لمستوى التعذيب. كما تعد هذه الفحوص التي ألصق لها لقب العار، لما تحويه من انتهاك للحرمة الجسدية المحمية بموجب الفصل 23 من الدستور التونسي.
كما تنتهك القوانين الدولية المناهضة للتعذيب، من بينها بنود البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” الذي صادقت عليها تونس في 2011، والتّابع لاتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها أيضاً منذ عام 1988. إلى جانب انتهاكها لما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
“لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”، كانت قد أكدت سنة 2016 أن فحوص العار القسرية “غير مبررة طبيا ولا يمكن الموافقة عليها بالكامل”. و هي مهينة للغاية. وتجدرُ الإشارة هنا، إلى أنَّ اللجنة عبرت في توصياتها عن قلقها لكون العلاقات الرضائية بين شخصين من الجنس ذاته، يعاقب عليها القانون في تونس، وأنّ الأشخاص المشتبه بأنهم مثليّو الجنس ملزمونَ بإجراء فحص شرجي مأذون به من قبل قاض، ويجريه قبل طبيب شرعي بهدف إثبات المثلية الجنسية.
وعلى الرغم الحق في رفض إجراء هذا الفحص من قبل المقبوض عليهم من مجتمع الميم.ع بموجب الفصل 230 المجرم للمثلية، والتزام تونس سنة 2017 أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالتخلي عن فرض إجراء هذه الفحوص الشرجية القسرية، إلا أن عديد الأرقام التي وثقتها منظمات المجتمع المدني في مجال الدفاع عن حقوق مجتمع الميم ع نقول عكس ذلك.
يؤكد إبراهيم عن جمعية دمج، أنّ كثراً من أفراد مجتمع الميم.ع يقبلونَ بإجراء الفحص تحتَ تهديد رجال الشرطة، وهرسلتها، والتي تهددهم بأن رفض الفحص يعتبرُ إثباتاً للجريمة. وأن الاجبار على إجراء هذا الفحص تحت أنظار الفرق الطبية مازال قائما رغم كل الوعود الحكومية بإلغائه.
حملة رقمية حرّكت المياه الراكدة
انطلقت الحملة عبر طرح مجموعة من الأسئلة على رواد صفحات كل من منظمات دمج وموجودين ومساحة و بداية وموزاييك، ورود الصفحات عبر منصات التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال هل تعرف ماهي الفحوص الشرجية، وهل تعرف ماعليك فعله في خال تعرضت لنفس الموقف؟
كما تم تطعيم الحملة بمعلومات دقيقة وموثوقة من خبراء ومختصين في مجالي الطب والقانون حتى يتم توضيح عدم جدوى إجراء الفحوص الشرجية علميا، الحجة الواهية منذ القرن التاسع عشر، وليتم التعريف بأن هذه الممارسة غير قانونية وتنتهك الحرمة الجسدية وبإمكان المنتهك الدفاع عن نفسه ورفضه لإجرائها واللجوء إلى التقاضي كذلك للتنديد بها.
الحملة ايضا مررت رسائلها عبر نشر فيديوهات قصيرة للتعريف بحجم المعاناة التي يتعرض لها أفراد مجتمع الميم.ع في تعاملهم اليومي مع الشرطة في كل من تونس ومصر ولبنان. وتقديم أمثلة حقيقية لضحايا تعرضوا الفحص الشرجي القسري، لتقريب الصورة أكثر للمتلقي وقلب الأمكنة في حال تعرض أحد أفراد عائلته لنفس الموقف.
ًصدى الحملة كان مرضيّا
نشرت منظمات كل من دمج وموجودين ومساحة و بداية وموزاييك عشرات المنشورات التعريفية بالآثار الجسدية والنفسية والعاطفية على ضحايا هذه الفحوص القسرية على المدى الطويل. وقد وصلت الفيديوهات والصور لعدد أكبر من المتوقع من الجمهور، وفق ما أفاده بنا محدثنا عن دمج. إلا ان التفاعل مع هذه المنشورات بقي محتشما، إذ سجل في عدة صفحات نقاشات بين رواد المناشير إلا أنها لم تشاركها على صفحتها الخاصة.
عدد المشاهدات مرضيا بالنسبة لنا وفاق حتى سقف توقعاتنا الأصلي، بمعدل 50 ألف مشاهدة لكل منظمة انخرطت في الحملة. وكنا أيضا نتوقع كما هائلا من التعليقات المسيئة لكن هذا في الحقيقة بدى ضعيفا جد. إلا أن هؤلاء الذين وصلتهم منشوراتنا لم يتشاركوها على صفحاتهم الخاصة عبر فيسبوك، ولربما هذا السلوك التفاعلي المحتشم مبرر ونستطيع تبريره، فالجميع يخاف من الوصم بالمثلية حتى وان تعاطف مع قضية مجتمع الميم ع.
حاجز يعتقد منسقو الحملة التوعية حول الفحوص الشرجية القسرية أنهم بإمكانهم هدمه عبر تكثيف الحملات التوعية من هذا النوع، التي غالب قد تحير المياه الراكدة عبر تصحيح لعدة مفاهيم خاطئة وأحكام مغلوطة عن مجتمع الميم.ع، عن هذه الفئة الأكثر عرضة للخطر والانتهاكات في مجتمعاتنا العربية.
تجدر الإشارة إلى أن اللجنة التابعة للأمم المتحدة والمذكورة سلفا في هذا المقال، قد أعربت عن قلقها في نفس التقرير من الفحوصات التي تجرى للنساء أيضا لإثبات العلاقات الجنسية التي تحصل خارج إطار الزواج ، ولا تحظى تلك الفحوص في الكثير من الأحيان بموافقة المرأة المعنيّة. كما أوصت بتعديل الفصل 230 من المجلة الجزائية الذي يجرّم العلاقات الرضائية بين راشدين من الجنس ذاته.وشددت اللجنة في تقريرها على منع الفحوص الطبية الجنسيّة التي ليس لها أي تبرير طبّي، ولا تحترم حرية الأفراد وحقهم في الموافقة أو الرفض.
حتما حملة فحوص العار لن تكون المحطة الأخيرة في طريق النضال العابر للحدود من أجل حماية حرمة الإنسان وخصوصياته، لأن الاختلاف ببساطة ليس جريمة!