21/06/07
نسرين (اسم مستعار) عاملة جنس منذ أكثر من 13 سنة تقريبا، تعمل بالعاصمة تونس، وغالبا ما ترتاد نفس الأنهج والحدائق سعيا منها للحفاظ على سرية العمل غير المشرّع. وهربا من الشرطة التي تلاحقها. ولكن في ظل أزمة كوفيد-19 أصبح أغلب العمل متاح عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال تطبيقات الهاتف الجوال المعدة للتعارف.
في البداية كانت صدفة
بدأت نسرين أصيلة تونس الكبرى امتهان الجنس عن طريق الصدفة. كانت صديقتها التي تدرس معها تروي لها عن بعض الأشخاص التي تقابلهم وتريها الهدايا التي تتحصل عليها وكانت ظروف نسرين المادية تحت المتوسط كما أن تجربتها السابقة وفقدان “عذريتها” بسببة علاقة عابرة حطمت رغبتها من الجنس وهو ما شجعها على الانضمام إلى صديقتها.
أول مرة كانت أصعب تجربة في حياتي، كنت قد تخليت عن جسدي أحسست بأنه ليس ملكي، منذ تلك اللحظة أصبح مجرد أداة للعمل لا أكثر ول أقل.
ولاية سوسة، المدينة ساحلية التي يرتادها العديد من السياح التونسيين والأجانب، كانت نسرين تدرس باحدى الكليات فيها، وهو ما ساعدها في العثور على الزبائن بسهولة. كما أن تواجدها من وقت إلة آخر في مطاعم ونوادي سياحية بالجهة مكنها من جني الكثير من المال والهدايا وأصبحت تعول على نفسها في مصاريفها وتساعد عائلتها بالقليل من المال الذي تجنيه. إلا أنه توهمهم بالعمل في مطعم بعد ساعات الدراسة في الكلية.
بقيت في الجامعة لمدة خمس سنوات ومن ثم انقطعت عن الدراسة. صديقاتي اللواتي أتمم الدراسة هن باقيات في المنزل دون عمل، لم يستطعن إيجاد ما يناسبهن في سوق الشغل، أما أنا فقد ضمنت مستقبلي.
كانت نسرين تحدثنا عن سنوات الدراسة بالجامعة ولم تكن على وجهها علامات الندم. كانت تقارن نفسها مع صديقتها المتفوقة بالجامعة التي وجدت نفسها دون عمل بعد سنوات من التضحيات والدراسة بعيدة عن العائلة.
حاولت نسرين الابتعاد عن هذا المجال في عديد المرات عبر بيع الملابس النسائية والأغطية عبر الانترنت لكنها فشلت في ذلك. كانت تسافر إلى الجزائر وتشتري بعض الملابس لبيعها بعد ذلك في تونس لكن مورست عليها العديد من الضغوطات في الحدود التونسية الجزائرية عند تمريرها للسلع التي تشتريها وهو ما كلفها خسائر مادية كبيرة فقررت عدم الاشتغال في هذا المجال مجددا.
زد على ذلك هي تعتبر أن المرابيح التي تجنيها من التجارة لا تقارن بالمرابيح المتأتية من عمل الجنس.
عملتٌ كنادلة في مقهى لكنني كنت أتعرض بشكل يومي للتحرش، لم أجد من يدافع عني وكنت أطرد في غالب الأحيان وكأنني أنا المذنبة.
هكذا أعيش
تعمل نسرين حاليا هي وصديقتها مع الأجانب خاصة، لكن في ظل غلق الحدود من جراء كوفيد-19 لا يوجد العديد من الزبائن الأجانب. فتراجع مدخولها مع الزبائن التونسيين لكنها رغم ذلك تواصل العمل ولم تنقطع.
كنا نجني الكثير من المال مع الأجانب لكن الأن قل المدخول يشكل كبير واحيانا لا نعمل لفترة طويلة عندما يتعثر عملي، لا أجد من أين أصرف حتى اعيش!
تستعمل نسرين تطبيقات الهاتف الجوال للبحث عن زبائن عبر الانترنت بعد ان تعذر العثور عليهم في الحانات والنوادي الليلة المغلقة و التي أوصدت أبوابها نظرا لجائحة كوفيد-19.
أصبح هناك عبر الانترنات سوق واسعة تقدم مختلف الخدمات الجنسية مدفوعة الأجر. بعد جائحة كوفيد-19 ظهرت العديد من التطبيقات الجديدة التي تتيح لمستخدميها التعارف مع غرباء وقد تكون لتنظيم لقائات حميمة وصفقات ممتعة للطرفين. وقد استغلت نسرين هذه التطبيقات للعمل في سرية تامة بعيدا عن أعين الشرطة. الفضاء الرقمي اصبح اكثر امانا من الشارع ليس لها فحسب بل كل من تعرفهم ويمارسون نفس المهنة.
أصبح لدي زبائن أوفياء على قلتهم، يقدمون لي الهدايا من وقت لأخر. لكن هناك زبائن يعاملونني بقسوة وقد تصل الى اجباري على تعاطي المخدرات معهم. لا توجد حماية في هذا العمل حياتي مهددة في كل لحظة.
تروي نسرين متحسرة عن بعض الحالات والمضايقات التي تتعرض لها أثناء عملها والتي قد تصل حد العنف والاغتصاب، لكنها لا تجد اي بديل اخر. كعاملة جنس في تونس لا تستطيع طلب أي مساعدة قانونية أو قضائية خوفا من الوصم والملاحقة وربما السجن.
كذلك تعرض نفسها يوميا للخطر دون أي حماية من فيروس كوفيد-19 فهي لا تعلم إن كان الزبون حاملا للفيروس ام لا. أما لبقية الأمراض المنقولة جنسيا، فهي تجبر زبائنها على ارتداء الواقي لتفادي أي عدوى.
تتحدث وكأنها لا تبالي بالمخاطر المحيطة بها المتأتية من اللقائات السرية كالاغتصاب والابتزاز أو الخطف أو حتى القتل. فهي تعتبر بأن هذه الامور، وأن لكل مهنة مخاطرها.
كوفيد- 19 على الرغم من كل السيئات التي أثقل بها حياتنا إلا أنه جعل العالم يستعمل الانترنت كوسيلة أولى للولوج لأي شيء كان. بالنسبة لي كثر الزبائن عبر الانترنت وهو ما سهل بعض الشيء الحصول على المال. لكن الأمر لا يزال عسيرا.
تحدنا نسرين عن مستقبلها وهي مبتسمة، فهي لا تحمل اي امل في غد مهني أو عاطفي. حياتها مختصرة في جني بعض الأموال للعيش والسفر. وهي على اقتناع تام بأن لا أحد يرغب في اقامة علاقة عاطفية مع عاملة جنس ورغم انها تريد بناء عائلة وإنجاب أطفال إلا انها تعلم جيدا بأن هذا أمر مستحيل وستكمل حياتها وحيدة.
تم إخفاء الهوية الحقيقية للمتحدثة بطلب منها، حماية لمعطياتها الشخصية وسلامتها الجسدية والنفسية
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا