21/06/25
لا حديث في تونس إلا عن خطر انهيار نظام الصحة العمومية في ظل تفاقم عدد الوفيات والتزايد السريع للحالات الخطرة بعد انتشار حلقات العدوى بالسلالات المتحورة لفيروس كوفيد المستجد في كل أرجاء البلاد. فبعد تسجيل إصابات بالمتحور ألفا (السلالة البريطانية) والمتحور بيتا (الجنوب افريقية)، أعلنت وزارة الصحة التونسية عن رصد 6 إصابات بالمتحور دلتا (السلالة الهندية) بتاريخ يوم الأربعاء 23 جوان 2021، إضافة إلى تسجيل حالة وحيدة للإصابة بالسلالة البرازيلية.
وهذا يعني أن تونس قد سجلت فعليا دخول كل السلالات المتحورة الخطرة والمصنفة بالمثيرة للقلق وفق منظمة الصحة العالمية.
نعرّف في هذا التقرير المفاهيم المختلفة لهذه السلالات ومدى خطورة تأثيرها على جسم الإنسان، استناداً لمراجع علمية ومعطيات طبية.
كانت بداية توافد السلالات المتغيرة على تونس في مارس 2021 وهو تاريخ مرور عام عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كوفيد 19 في البلاد.
وأعلنت وزارة الصحة التونسية في ذلك الوقت عن رصد حالات عدوى بالسلالة البريطانية سريعة الانتشار.
كما سجلت الوزارة رصد حالتي إصابة بالسلالة الجنوب افريقية في شهر ماي 2021 وهو ما دفع بالحكومة إلى فرض حجر صحي شامل امتد من 9 إلى غاية 16 ماي في محاولة لكسر حلقات العدوى.
لكن لم ينجح هذا الإجراء في تخفيف حالات الإصابة والوفيات وظلت الأعداد في ازدياد وذلك نظرا لتميز السلالات المتحورة بسرعة فائقة على الانتشار، حيث تجاوز عدد الوفيات 14400 ألف وفاة إلى حدود يوم 23 جوان 2021.
ويرجع ارتفاع عدد المصابين والوفيات حول العالم إلى التغير المستمر لتركيبة الفيروس منذ ظهوره لأول مرة، حيث تتغير الفيروسات طوال الوقت ومنها ما لا يشكل تحورها خطورة تذكر، في حين قد تحدث بعد الطفرات سلالات جديدة ذات آثار حادة وأحيانا كثيرة قاتلة.
ولمعرفة مدى خطورة السلالات المتحورة الوافدة على تونس يمكن العودة إلى بعض آخر المستجدات العلمية والطبية.
يقول الدكتور خوان سالزار، من المركز الطبي “كونيكتيكات تشلدرن” الأمريكي، في لقاء بثته القناة الرسمية للمستشفى على اليوتيوب.
“اكتشاف الباحثين لسلالات مختلفة لكوفيد 19 يعني أن هناك تغيرات في التركيب الجزيئي للفيروس غير التي تم اكتشافها في البداية. وهذا ليس جديدا لأن الفيروسات تتغير باستمرار، خاصة الفيروسات ذات الحمض النووي الريبي”.
في تقدير سالزار لا إثباتات علمية حتى الآن تدل على أن السلالة البريطانية )ألفا( هي الأخطر أو أنها الأكثر قدرة على الانتشار من شخص إلى آخر.
ويسلط تقرير نشرته مجلة “ذا لانسيت” الطبية البريطانية الضوء على خصائص السلالات المتحورة الأكثر ظهورا عبر العالم والأكثر “إثارة للقلق” وفق منظمة الصحة العالمية.
المتغير ألفا (السلالة البريطانية)
تم رصد السلالة المتحورة لفيروس كوفيد 19 لأول مرة في جنوب إنجلترا في سبتمبر 2020 وانتشر منذ ذلك الحين إلى عشرات البلدان حول العالم.
يحمل المتحور 17 طفرة في جينومه، بما في ذلك ثمانية في بروتين سبايك، الذي يشكل أساس لقاحات الكوفيد الثلاثة التي تم ترخيصها في المملكة المتحدة.
كانت تقارير متخصصة أشارت إلى أن هذه السلالة أكثر فتكا بنسبة 64 بالمئة من فيروس كورونا التقليدي وأن احتواءها على الطفرة “إن 501 واي” زاد من نسبة انتشار العدوى إلى 50 و70 بالمئة أكثر من الفيروس الأصلي.
وما يجعل السلالة البريطانية ذات قدرة أوسع على الانتشار أنها لا تتطلب سوى كمية قليلة من الفيروس حتى يصاب شخص ما بالعدوى، وهو ما يختلف عن الفيروس الأصلي الذي يحتاج إلى كمية أكبر كي يصبح معد.
وهو ما أكدته بروفيسور ويندي باركلي، أخصائية الفيروسات بجامعة امبريال كولدج بلندن، لبي بي سي، بقولها
“كلما كانت كمية الفيروسات أكبر داخل جسدي كلما زاد احتمال انتقاله إليك”.
ويفسر هذا التحليل عموما كثرة الإصابات التي لحقت بالأطباء والممرضين الملازمين للمرضى خلال بداية انتشار الكوفيد عبر العالم.
وتصارع تونس لوقف انتشار المتغير ألفا، بعد اكتشاف أعداد كبيرة من الإصابات حيث بات هذا المتغير يمثل42 بالمئة من نتائج اختبارات التقطيع الجيني التي تجريه المخابر، وفق ما كشفت عنه مديرة مرصد الأمراض المستجدة نصاف بن علية يوم 25 جوان 2021. ولكن سرعة تفشيه رفع مستوى الانذار الى “مرتفع جدا” في عدد كبير من المعتمديات كما جعل نظام الصحة العمومية المتداعي أصلا على مشارف الانهيار.
المتغير بيتا (السلالة الجنوب افريقية)
اكتشفت سلالة “جنوب إفريقيا” لأول مرة في جمهورية جنوب إفريقيا في شهر ديسمبر عام 2020 ثم أصبحت مهيمنة في عدد من بلدان جنوب إفريقيا ومنها إلى أنحاء مختلفة من العالم.
تحتوي السلالة على ثماني طفرات في بروتين سبايك ومنها طفرة E484K التي تمنح الفيروس مقاومة عالية للأجسام المضادة.
لكن الناجين من هذه السلالة يتمتعون بمناعة أفضل ضد الطفرات الأخرى للفيروس، وفق دراسة أولية أجريت في جنوب إفريقيا نشرها موقع “أفريكا نيوز”.
حتى الآن لم تكشف نتائج التقطيع الجيني أثرا واسعا للمتغير “بيتا” على الأرض في تونس بخلاف عدد محدود من الاصابات وفق وزارة الصحة.
المتغيران دلتا ودلتا + (السلالة الهندية)
ظهرت السلالة الهندية لأول مرة في شهر أكتوبر الماضي في ولاية مهاراشترا غرب الهند. تختلف السلالة الهندية عن بقية أنواع السلالات الأخرى بأنها سريعة الانتشار وربما أكثر خطورة لأنها تطال الأطفال أيضا وهي قادرة على ضرب الجهاز المناعي بعد اختراقه ومن ثمة التكاثر داخل الجسم.
المتغير دلتا بدوره شهد تحورا في تركيبته، حيث أوضحت “بي بي سي” نقلا عن وزارة الصحة الهندية، أن الدراسات أظهرت أن ما يسمى بمتغير دلتا + (بلس) – المعروف أيضا باسم AY.1 – ينتشر بسرعة أكبر ويرتبط بسهولة أكبر بخلايا الرئة ويحتمل أن يكون مقاوما للعلاج بالأجسام المضادة أحادية النسيلة، وهو تسريب قوي في الوريد للأجسام المضادة لتحييد الفيروس.
سجلت الهند وحدها إصابة أكثر من 30 مليون شخص حتى يوم 25 جوان بهذه السلالة وانتقلت العدوى الى عدد كبير من دول العالم لتصبح السلالة الأولى في عدد من دول أوروبا. لكن في تونس أعلن رسميا عن ست إصابات وقد يكون العدد أكبر من ذلك بكثير.
المتغير غاما (السلالة البرازيلية)
ضربت السلالة البرازيلية ماناوس، في منطقة الأمازون، منتصف عام 2020. ومنذ ذلك الوقت، تقف النظم الصحية البرازيلية عاجزة أمام تفشي السلالة وتفاقم الإصابات والوفيات التي وصلت إلى أكثر من 18 مليون اصابة و ما يفوق نصف مليون حالة وفاة حتى يوم 25 جوان 2021.
كان الباحثون قد كشفوا أن المتحور البرازيلي يحتوي على 17 طفرة، منها ثلاث طفرات مثيرة للقلق لأنها تسمح للفيروس بالارتباط بشكل أكثر إحكاما بالخلايا البشرية ولها القدرة على تجنب الأجسام المضادة.
في تونس أعلنت نصاف بن علية الناطقة الرسمية لوزارة الصحة ومديرة المرصد الوطني للأمراض المستجدة، عن رصد حالة واحدة للسلالة البرازيلية في البلاد لشخص مصاب وافد من الخارج، تم عزله ولا تزال عملية تقصي العدوى عند كل الأشخاص المخالطين له جارية إلى حد كتابة التقرير.
اللقاح طوق النجاة الوحيد
في ظل غياب دواء فعال ضد السلالات المتحورة لكوفيد 19 تظل اللقاحات أفضل سبل النجاة حتى اليوم بعد أن أثبتت نجاعتها في تخفيف الأعراض والتقليل من حالات الإصابات الخطرة والوفيات، خاصة لكبار السن وضعاف المناعة.
يعمل اللقاح على تدريب جهاز المناعة وإعداد دفاعات الجسم الطبيعية للتعرف على الفيروسات والبكتيريا التي تستهدفها ومكافحتها. ويعرض اللقاح الجسم لنفس العوامل المسببة للمرض وهو ما يؤدي إلى تخزين معلومات عن تركيبة الفيروس داخل الخلايا المناعية فيجعلها بذلك جاهزة على الفور لرصدها وتدميرها.
وفي الوقت الذي نجحت فيه العديد من الدول في تحقيق أهدافها من حملة التلقيح ضد الكوفيد، لا تزال تونس تتقدم بخطى بطيئة. فإلى يوم 24 جوان 2021 ناهز العدد الجملي من الملقحين مليون و686 الف شخصا من مجموع قرابة مليونين و700 الف من المسجلين على منصة التلقيح (Evax).
ويرجع المسؤولون هذا البطء إلى قلة كميات اللقاحات المتوفرة والتي تتوافد على تونس بشكل تدريجي سواء عبر الاقتناعات المباشرة أو عبر مبادرة “كوفاكس” العالمية، وهو بطء قد تساهم فيه حالة التهافت العالمي من جهة وغياب مبدأ التضامن الفعلي لدى الدول الغنية رغم فائض مخزون اللقاحات لديها.
والنتيجة أنه سيكون من الصعب على الحكومة عمليا، حتى مع جلب إمدادات أخرى من اللقاحات، الوفاء بتعهدها المعلن عند بداية حملة التطعيم في منتصف مارس 2021 بتلقيح 5ر5 مليون شخص أي نصف سكان البلاد بنهاية العام الجاري.
وعلى الرغم من إعلان وزير الصحة فوزي مهدي يوم 22 جوان في مؤتمر صحفي، من أن 30 بالمئة من التونسيين اكتسبوا المناعة الجماعية فإن ذلك لا يعد ضمانة صلبة من الناحية العلمية ضد الفيروس والسلالات المتحورة بشكل خاص.
في الأخير وجب التذكير بتأكيد منظمة الصحة العالمية أن اللقاحات المعتمدة آمنة وفعالة ومع ذلك فهي تشير إلى أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى تحمي هذه اللقاحات من المرض والعدوى.
وبالتالي، تشدد المنظمة على أن التطعيم وبقدر ما يلوح الخيار الأمثل لمجابهة الوباء، فإن ذلك لا يعني التخلي عن الحذر والتدابير الوقائية والمخاطرة بتحريض الآخرين على المجازفة.
أنتج هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا