21/06/30
كانت تتنقل كفراشة مضيئة، من مكان إلى آخر، للمشاركة في الحملات التضامنية لجمع التبرعات لضحايا كوفيد-19، و لم تترك شبرا من مساحات حلمها إلا ورفرفت فيه.
توفيت الطالبة أمنة زرقاني أصيلة مدينة صفاقس، في 27 جوان 2021 بعد إصابتها بفيروس كوفيد-19 للمرة الثانية وهي التي لم تتجاوز العشرين من عمرها. أصدقائها وأقاربها وكل من عرفها وحتى الإطار الطبي الذي حاول إنقاذها، جميعهم أصابتهم صدمة كبرى بعد أن غادرتهم هذه الشابة دون أن تودعهم الوداع الأخير .
الصمت كان يخيم على منزل الراحلة، رائحة الموت تحاصر ملامح العائلة والمعزين على حد السواء، الوجوه تبدو شاحبة، والنظرات باهتة بلا معنى. حتى حركات الأصابع المتوجسة لوالدتها، كانت دالة على أن الأمر جلل.
سامية والدة الفقيدة آمنة، خمسون عاما ،استاذة تعليم ثانوي اختلطت دموعها بحبات العرق في وجهها، الذي تبدو عليه ملامح الصدمة، وعدم تصديق ما حدث.
كيف لي أن أصدق ألا أرى آمنة ابنتي مرة أخرى، هل هذا أمر هين ؟ امنة كانت شعلة نشاط، ولديها أحلام لا تعد، كالعمل في المنظمات والمجتمع المدني. كانت تمد يدها للناس وللحياة.
توفيت الطالبة أمنة زرقاني بسبب كوفيد-19 وهي التي لم تطفىء شمعتها العشرين بعد . تقول والدتها:
كانت تتنقل كفراشة مضيئة، من مكان إلى آخر، للمشاركة في الحملات التضامنية لجمع التبرعات لضحايا كوفيد-19، و لم تترك شبرا من مساحات حلمها إلا ورفرفت فيه.
تتساقط دموع سامية، وتصمت برهة ثم تضيف:
حلمها الأكبر كان أن ترانا جميعا نرمي الكمامات في السماء، بعد تحقيق الانتصار على الكوفيد . كانت أحلامها تتجاوز شخصها وتعانق الإنسانية. حلمت بكلية الطب لكنها لم تنلها
تطوعت الراحلة للعمل في مركز التلقيح بولاية صفاقس لمعاضدة المجهودات هناك في التنظيم والاستقبال ومساعدة كبار السن القادمين للتلقيح .غير أن الكوفيد الفتك بها و لم يكن رحيما معها. وأطفأ نورها.
بعد تسجيل 5000 إصابة بكوفيد-19 بتاريخ 29 جوان 2021 يمكن وصف ما يحدث في تونس بـ”تسونامي الكوفيد”. إذ أن المشاهد نفسها تتكرر في أغلب المدن التونسية للمرضى و للباحثين عن جرعة اوكسيجين وجرعة تلقيح وسرير إنعاش. وذلك بعد أن انتشر الوباء كالنار في الهشيم ليحصد الأرواح ، كبارا وصغارا ، في المدن والأرياف. وأطلقت التحذيرات بأن القادم سيكون أسوأ ما لم يتم التسريع في التلقيح لكل الفئات من التونسيين.
مرضت آمنة بالكوفيد للمرة الثانية بعد إصابة أولى في جانفي 2021 .تعكرت حالتها الصحية في اليوم التاسع ورغم مجهودات الإطارات الطبية إلا أنها غادرت الحياة.
تقول السيدة سامية ” لابد لي ان اشكر كل الإطارات الطبية من أطباء وممرضين الذين الذين تعاطفوا كثيرا مع فتاة في عمر الورود، وعملوا كل ما في وسعهم حتى لا تغادر هذه الحياة .
آمنة ليست إلا واحدة من الذين فتك بهم الفيروس من المواطنين/ات التونسيين/ات الذين بلغ عددهم/نّ 14949 متوفى إلى حدود 29 جوان 2021.
الدكتورة فردوس كنون بجار، أخصائية الطب المثلي/ Homéopathie من صفاقس تؤكد في حديثها لك”كشف ميديا” أن السلالة الهندية “دلتا” تستهدف الاطفال، وتنتقل العدوى بها في أقل من 10 ثواني. وأن متحورات فيروس كوفيد-19 باتت أخطر من قبل، وليست حكرا على كبار السن، فقط بل على جميع الفئات العمرية دون استثناء.
تعتقد والدة آمنة أن العجز الحكومي يكمن في عدم القدرة على توفير التلاقيح المضادة لكوفيد-19 لمختلف الأعمار وأن هذه الدولة لم تتحمل مسؤولياتها تجاه شعبها وخاصة في حمايته من الكوفيد بالسعي للتسريع في التلقيح لكل التونسيين دون استثناء او تمييز .
” لماذا لم يفكروا فينا ؟ نحن لسنا موجودين بالنسبة لهم ولسنا مواطنين لهم حقوق، نحن مجرد عبيد او رقم يتذكره السياسي فقط خلال موعد الانتخابات”
بلغ العدد الجملي للتلاقيح بولاية صفاقس 206873 تلقيحا بتاريخ 28 جوان 2021 في المقابل وصل الرقم إلى 1793424 تلقيحا على المستوى الوطني في نفس التاريخ.
وتشهد عملية التلقيح ضد فيروس كورونا نسقا بطيئا رغم التحذيرات المتكررة من موجة رابعة للفيروس دخلتها تونس منذ بداية شهر جوان مع ارتفاع لعدد الوفيات و تصنيف عدد من المدن بؤرا للكوفيد و أصبح الخوف يرافق التونسيين من السلالة الهندية ’’ دلتا’’ و من هاجس انهيار المنظومة الصحية في تونس.
وعلى الرغم من أن وزارة الصحة قامت وفق بلاغ لها في 22 جوان 2021، بالترفيع في عدد اسرّة الأكسجين وأسرة الانعاش في الفترة الفاصلة بين 06 جوان و21 جوان الجاري بـ121 سرير أكسجين و41 سرير انعاش، إلا أن هذه الأرقام لا تبدو كافية لإنقاذ ألاف الأرواح التي تزهق كل يوم بسبب الفيروس، واهتراء البنية التحتية لعديد المستشفيات خارج العاصمة.
تقول سامية
” لقد فقدت ابنتي بسبب استهتار هذه الدولة ولكني سأدافع الى اخر لحظة من عمري على ابنائي من التلاميذ و ممن هم في سن امنة و على حقهم في الحياة وفي هذه الارض. لقد خسرت ابنتي و لكني لم أشعر بالوحدة أو الفقد، بعد أن تعاطف مئات التلاميذ الذين بكوا لأجل أمنة ولأجل كل تونسي قتله الفيروس”
قررت سامية والدة المرحومة امنة أن تطلق حملة ” سيب التلقيح خلي ولادنا يعيشوا” وأن تستكمل ما بدأته ابنتها التي غادرتها .ستكون هذه الحملة في الشارع في مدينة صفاقس للضغط على المسؤولين لتأمين التلقيح ضد الكوفيد لكل الفئات من المهمشين والمنسيين و العابرين على هامش التاريخ و المعنى .و تسعى سامية رفقة أصدقاء ابنتها الفقيدة إلى تحقيق حلم أمنة “وطن بلا كمامات ولا جنائز”.
تمت كتابة هذا المقال بصيغة حساسة للجندر
أنجز هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا