21/07/01
“نحن وجها لوجه مع الموت، عٌزّل نواجه الفيروس اللعين بقيادات فاشلة واستراتيجيات كل مرة ثبت أنها أكثر فشلا من سابقتها. لكن ليس من واجبنا التخلي عن من هم بحاجة إلينا في هذا الظرف الصعب، ربما نحن أملهم الوحيد.
تعيش تونس حاليا على وقع كارثة صحية مكتملة الأركان، أسرّة إنعاش ممتلئة وقوارير أكسيجين شحيحة وأجهزة تنفس غير كافية. وعلى الرغم من المداهمة الفجئية للوباء، و ضعف إمكانيات وزارة الصحة اللوجيستية، إلا أن عديد الخبراء يرون أن تضاعف الأزمة سببه سوء الحوكمة، طيلة السنوات الماضية في قطاع الصحة العمومية.
تكفي الأرقام وحدها لنعي حجم الكارثة الصحية التي تمر بها تونس، 6000 مصاب بفيروس كوفيد-19 وأكثر من 100 وفاة بتاريخ 30 جوان 2021. لكن في ظل الفوضى لا أحد يريد أن يهتم الجانب النفسي للمواطنين/ات، ولا بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية، لمن هم يسهرون على تأمينه من دكاترة طب نفس، وأخصائيين/ات نفسيين. في هذا المقال نسلط الضوء على جانب آخر من واقع المعركة مع وباء كوفيد-19. جانب العاملات في مجال الصحة النفسية
كيف تعاملن مع هذا الوباء بين الواجب الايتيقي الذي تفرضه أخلاقيات مزاولة الطب أو العمل كأخصائية نفسية؟ والصعوبات التي يواجهنا لأداء الواجب الأسري كأمهات ومسؤولات في مجتمع يلقي الكثير من المسؤوليات على المرأة داخل المنزل مهما كان حجم ثقل مهنتها.
الأم والطبية.. مسؤوليات لا تنتهي
مريم (إسم مستعار)، 36 عاما وهي طبيبة مقيمة اختصاص تخدير وإنعاش تعمل بأحد مستشفيات العاصمة تونس منذ مدة طويلة نسبيا وعاشت كل أطوار تطور الوضع الوبائي.
سيف إبني الصغير لم يتمكن بداية الأزمة كيف لا يمكن أن أعانقه وأن ألعب معه مثل العادة. تعبت كثيرا في محاولة إقناعه لكن في النهاية الإبن له حقوقه الفطرية على أمه الحب والعناق والإحاطة النفسية من أجل أن تكون له شخصية سليمة وهذه أبسط حقوقه. لكن في المقابل هناك المسؤولية الطبية وأرواح بشرية من واجبي أن أنقذها وأقدم لها العناية الطبية اللازمة بكل ما أقدر .
وعن مدى قدرتها على التوفيق بين دورها كأم وعملها كطبيبة زمن انتشار الوباء، تعترف مريم أنها تعيش هذا التمزق النفسي مع ضغط ساعات العمل الطويلة ومع عدم تفهم المحيط العائلي الموسع، رغم أن زوجها يساندها، لكنها ترى أن دور الأم لا يمكن تعويضه .
وتؤكد مريم أن زميلاتها خاصة من الأمهات الجدد يعانين نفس المشاكل، وأن العمل في ظروف لا تتوفر فيها أبسط وسائل إنقاذ المرضى والقيام بالواجب الطبي كأفضل ما يكون. خاصة في ظل إحساس عدم قيام وزارة الصحة، بما هو كافي لتجنب التأثيرات والمضاعفات الكارثية لموجات كورونا المتعاقبة مع وجود كثير من التجارب المقارنة التي كان من الضروري الاستفادة منها، حتى لا تصل الحالة إلى ما هي عليه اليوم .
تضيف مريم:
إن ما يهون إحساسي بالتقصير تجاه عائلتي هو تمكني من إنقاذ عديد الأرواح البشرية وعدم تركها لموقعها. أنا في صراع مفتوح مع عديد الأفكار والتصورات التي تشكك في كفاءة المرأة. علما وأن المسؤولية مزدوجة، لكن الحمل أكبر يقع على كاهل النساء سواء عائليا أو حتى مهنيا.
تحاول مريم التوفيق بين حياتها الإجتماعية حياتها المهنية، إلا أن محولاتها تتعثر أحيانا بسبب الصعوبة المضاعفة التي تعانيها المرأة في تحقيق هذه المعادلة مقارنة بالرجل.
فعلى الرغم من تأكيدها على مساندة زوجها لها في هذه المسؤوليات وفي هذا الوقت الحساس في دورها وواجبها كطبيبة، إلا أنها تشعر بثقل الدور المناط بها وتحميلها مسؤوليات مضاعفة كأنها تكافئ على تفوقها الدراسي ونجاحها المهني بأعباء إضافية لا تنتهي.
الوباء مع العمل والدراسة والأمومة
“سعاد” ،(إسم مستعار)، 31 عاما، أخصائية نفسية، عملت بمنظمات المجتمع المدني ثم اختارت خوض تجربة الوظيفة العمومية بغاية توفير استقرار اقتصادي أكبر وأمان مالي وبالأخص وقت أكثر من أجل الدراسة وإكمال ماجستير في علم النفس التحليلي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والإجتماعية.
لكن الأمور لم تسر مع سعاد على ما يرام حسب تصريحها اختارت مجالا مهنيا تحبه وترغب في تقديم الإضافة فيه. فهي كانت مفعمة بأمل محاولة تحسين الحالة النفسية لتلاميذ المعاهد والمدارس خاصة حسب قولها.
مع ارتفاع حوادث الانتحار وظواهر السلوكات المحفوفة بالمخاطر داخل الوسط المدرسي، شعرت بالمسؤولية الإجتماعية، إذ راودتني أحلام التغيير. ولأجل ذلك تخليتٌ على أكثر من ضعفي مرتبي في منظمات المجتمع المدني مقابل أن العمل في المدارس العمومية من أجل حق تلامذة تونس في إحاطة نفسية .
تؤكد محدثتنا أنها في البداية رسمت صورة ايجابية عن إمكانية التوفيق بين العمل والدراسة في ذات الوقت. لكنها فوجئت بنقص أعداد المختصين/ات النفسيين/ات رغم إرتفاع عدد التلاميذ المحتاجين للمتابعة النفسية.
نحن وجها لوجه مع الموت، عٌزّل نواجه الفيروس اللعين بقيادات فاشلة واستراتيجيات كل مرة ثبت أنها أكثر فشلا من سابقتها. لكن ليس من واجبنا التخلي عن من هم بحاجة إلينا في هذا الظرف الصعب، ربما نحن أملهم الوحيد.
وأكدت أن وباء كوفيد-19 زاد الأمر تعقيدا، لأن كل مؤسسات الدولة التونسية حسب رأيها لم تكن مستعدة للتعامل مع الوباء، الجامعة لم تكن مستعدة للتعليم عن بعد والمؤسسة التي تشتغل بها ليست مستعدة وتكرر بنبرة المحبط:
“لا أعتقد أنها سوف تصبح مستعدة في الزمن القريب على الأقل”.
بصفتها مختصة نفسية تشير سعاد إلى أنها رغم بذلها قصار جهدها إلا أنها تؤكد ضعف النتائج وشح الإمكانيات. وهو ما يشعرها أحيانا كثيرة بالإحباط وعدم جدوى كل ما تقدمه من تضحيات في سبيل نجاح عملها المشبع بالبعد الإنساني قبل النجاعة المهنية.
“من الصعب أن أوفّق بين عملي و دوري كأم ومسؤولة عن كل حاجيات عائلتي الصغيرة. وذلك في ظل تأثير الوباء على عمل زوجي، بعدما أصبحت المعيلة الوحيدة للأسرة. حلم مواصلة طريق العلم و إكمال المرحلة الثالثة ونيل شهادة الدكتوراه، أصبح في ظل هذا الظرف للأسف شبه مستحيل. “
ورغم كل هذا تشدد سعاد على تمسكها بمهامها وعدم استسلامها بنبرة متحدية، و تؤك أن الصحة النفسية في المدرسة العمومية مسألة مهمة ويجب أن توليها الدولة ووزارة التربية أكثر أهمية.
ويجب أن تصبح العناية بالصحة النفسية حق لكافة التونسيين سواء زمن الكورونا أو في الأيام العادية.
ماذا يقول أهل الاختصاص في حال تجردوا من الذاتية؟
الأخصائية النفسية هادية فطوم، بدورها، تحدثت عن تقاسم بعض الصعوبات التي تحدث عنها سعاد ومريم التي تواجهها في عملها، لكنها أكدت في المقابل، أنها تقاسم كل الناس الخوف من الوباء، ومن أن يطاول صحتها، وأقرب الناس إليها.
تحدث فطوم عن بعض النصائح التي يجب على زميلاتها الأخذ بهن خلال عملهن، وخاصة أوصت بالوقاية والحماية، كمدخل رئيسي لإتمام المهمة بنجاح.
ترى هادية، أنه من الضروري أخذ مساحة زمنية وقسط من الراحة بين مريض وآخر، وعدم الانغماس بشكل ضاغط في الاستماع لمشاكل الآخرين، لأن ذلك سيؤثر سلبا على صحة الأخصائية نفسها ويجعلها أكثر عرضة لهزات صحية ونفسية قد لا تشعر بها.
وعلى قدر أهمية الصحة النفسية في حياتنا، تبقى هناك إرادة حكومية غائبة في دعم هذا المجال خاصة في علاقة بوزارة الصحة والتربية موضوع هذا المقال، ومن الضروري العمل على دعم الكفاءات النسوية وتوفير كل حاجياتهن من أجل تقديم خدمة صحية، ترتقي للمستوى المطلوب.
كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر
تم إخفاء الهوية الحقيقية للمتحدثتين بطلب منهما، حماية لمعطياتهما الشخصية وسلامتهما النفسية
أنجز هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا