كشف حكومي


المنستير : “مدينة الشفاء” دون مراكز إيواء!

21/07/02

وباء كورونا يكشّر عن أنيابه من جديد  ويهاجم بقوة في تونس ، إذ ارتفعت نسبة الخطر و اصتبغ لون كلّ المؤشرات بالأحمر. من القيروان الجريحة، إلى باجة المتألمة، مرورا بسليانة الصامتة، و سوسة الصاخبة، ثم المنستير النازفة.   وولايات أخرى على طريق المقاومة أمام غزو سلالات أصيلة و متحورة، مثل البريطانية والهندية، ولحقت مؤخرا النيجيرية. في الوقت ذاته تضعف آليات المقاومة لوزارة الصحة و تنهار المنظومة الصحية العمومية خاصة بشكل بطيئ و مؤلم. وقد بلغت عدد الإصابات أكثر من 6700 اصابة وأكثر من 100 وفاة بتاريخ 1 جويلية 2021

معركة كورونا التي بدأت أوائل السنة الماضية كان من بين آلياتها الدفاعية تركيز مراكز لعزل الحالات الإيجابية و إرساء مستشفيات ميدانية . والمركز الوطني لإيواء المصابين بكوفيد 19 بالمنستير كان من بين أولى المراكز التي تم إنشاؤها و استقطب المصابين من كافة أنحاء الجمهورية حتى أصبح يطلق على المنستير في الفترة الأولى من الجائحة “مدينة الشفاء”. من خلال هذا التقرير تتتبع أبرز خطوات هذا المركز التي تهاوت شيئا فشيئا و انتهت بإغلاقه و ترك خلفه استفهامات كبرى خاصة بعد إنشاء مركز جهوي لإيواء المصابين بالمنستير، والذي يدوره سرعان ما صدرت الأوامر بالاستغناء عنه. على إثر تقارير تفقدية لوزارة الصحة . كما يتقصى هذا التقرير حول المركز الوطني للعزل بالمنستير و المركز الجهوي الملاصق له و المستشفى الميداني، لمزيد فهم الأسباب المباشرة من تركيزهم  ثم الاستغناء عنهم في مرحلة ثانية .

ا

منذ بداية الجائحة تطورت المحطات المركز، حيث بدأ مركز الإيواء المحلي بحكم  الوافدين عليه من المرضى من كافة ولايات الجمهورية التونسية، ثم تحول إلى مركز دولي من خلال إيوائه وافدين من إفريقيا جنوب الصحراء من مهاجرين غير نظاميين. و امتزج المركز بالألم والفرح بين المقيمين فيه فمنهم من قضّى شهر العسل مع زوجته في شقة الحجر ، كما تحول مركز الإيواء إلى مركز امتحان بعد أن أنجزت تلميذة مناظرة ختم التعليم الأساسي في ظل إجراءات مخصوصة .

المركز الوطني للإيواء حمل معه ذكريات سيئة عن طبيعة الإعاشة  و الخدمات في مراحل من إنشائه باعتبار أنه يقع في أحد نزل الجهة بالمنطقة السياحية ، وقد تسببت هذه الخدمات في العزوف عن ارتياده كما شهد المركز حالات قصوى من التشنج بين المقيمين/ات و الإطار الطبي من أطباء وممرضين و كانت له تداعيات نفسية على المقيمين/ات جدير بالاهتمام بها و دراستها .

شوقي الوصيف أستاذ في الطب و مختص في الأمراض الجرثومية و المنسق العام لمراكز كوفيد في كامل تراب الجمهورية، يفيد في مقابلة لـ”كشف ميديا”  بأن الخطة كانت عند بداية ظهور الوباء في تونس هي التقصي و الترصد و عزل الحالات في مرحلة أولى و كان لابد من إيجاد أمكنة لعزل الحالات الإيجابية و الهدف منها كان الوصول إلى إيقاف انتشار الفيروس داخل التراب التونسي ، و كان الرهان اكتشاف الحالات بسرعة لاجتناب العدوى و الابتعاد عن مراحل تشكل البؤر و بالتالي انتشار العدوى الأفقية “.

وأضاف شوقي الوصيف :

“الأسباب المذكورة دفعتنا إلى التفكير في مركز إيواء وطني بالمنستير لأن  الجهات الأخرى لم تكن جاهزة  لوجستيا و كان لابد من وجود آليات لهذه المراكز و منظمة بخصوصية معينة ، كما أن عملية العزل كان لابد لها أن تكون مرفوقة بالخدمات الصحية و المعيشة و النظافة و الحراسة و التعقيم و تأمين الموجودين ” .

شوقي الوصيف أستاذ في الطب و مختص في الأمراض الجرثومية و المنسق العام لمراكز كوفيد

ويشدد الوصيف على أن من نتائج هذا المركز ” بلوغ صفر حالة إصابة في شهر جوان 2020 و صفر حالة وفاة و شفاء جميع الحالات و كنا في الترقيم العالمي رقم 2 من حيث التعامل مع الجائحة و هذا بشهادة المنظمة العالمية للصحة “.

يذكر أنه في مرحلة أولى كانت هناك 6 مراكز جهوية و مركز وطني واحد ، لكن تم غلق كل المراكز تدريجيا و الإبقاء على المركز الوطني في ولاية  المنستير ثم تم غلقه في جانفي 2021 ثم غلق المركز الجهوي بالمنستير في 31 مارس 2021 ، و تم الاحتفاظ فقط بمركز وطني بولاية المهدية تم إنشاؤه في أوت 2020 é. 

و قد تم تركيز مركز العزل بالمهدية في أوت 2020 بينما تتكاثر الحالات وقتها و لا تزال توجّه الدولة تسعى إلى عزل الحالات الإيجابية لأن الدولة ارتأت فتح الحدود و كان لابد من إجراءات موازية حسب تصريح الوصيّف .

المركز الوطني بالمنستير بلغ طاقة قصوى في حدود 496 مقيم وحينها ظهرت إشكالات عديدة لا تقتصر على الجانب الطبي و الإعاشة فحسب بل تأثيرات اجتماعية و نفسية مما دفع العديد من المصابين البقاء في الحجر و هذا يستدعي دراسة متكاملة ، و نتيجة هذا الضغط كان الدفع نحو  تركيز مركز جهوي بالمنستير في أحد النزل المجاورة للمركز الوطني  لتخفيف الضغط .

وحول الوضع الراهن يقول شوقي الوصيّف : 

“طاقة استيعاب المركز الوطني بالمهدية 200 سرير و قد أثبتت التجربة عدم انضباط المقيمين و الارتفاع الكبير للحالات النشيط وطنيا و التي تجاوزت 400 ألف كما اكتشفنا ارتفاع الكلفة ، و قد اتجهنا مؤخرا إلى الإبقاء على مركز المهدية للاستجابة إلى حالات اجتماعية و إنسانية تستوجب العزل لمدة 10 أيام . و اليوم الدولة خيّرت التوجه العلاجي وذلك بتجهيز المستشفيات على التوجه الوقائي لكي توجه الضغط الكبير ” .

وهنا جدير بالذكر أن ” اللجنة الوطنية للحجر” تكونت  في رئاسة الحكومة للبحث عن أماكن العزل و إيجاد آليات التعاقد مع الجانب الاداري ( عقود الإيواء ، عقود الاعاشة ، عقود التنظيف ، عقود الحراسة الح) ، ولم تكن  في المرحلة الأولى هناك عقود بل ارتباطات مبنية على العمل التطوعي من أطباء استشفائيين جامعيين/hj وأطباء الصحة العمومية و الإطار الصحي و سائقي سيارات الإسعاف ، و هناك مجهود جهوي ( تجهيزات، معدات ) و دعم مركزي ( وسائل التعقيم و وسائل الحماية )..

“ليس هناك نص قانوني يوضح بكل دقة تسيير المراكز وكان عمل الإطار الطبي ممزوجا بالخوف ” .

وهو ما يفسر تراجع التوجه القائم على إبقاء مراكز العزل  غذ بعد إغلاق المركز الوطني بالمنستير  تم توجيه تفقّد من مصالح الصحة للمركز الجهوي لإيواء المصابين  بالمنستير  و انتهى تقرير التفقد حسب إلى ملاحظات سلبية من حيث الخدمات المقدّمة رغم محاولات التحسين ، كما برز الإشكال حول من هي الجهة المخول لها سلطة المتابعة والمراقبة ، و ضعف العنصر البشري من إطار طبي من ممرضين وأطباء، كما صاحب إيواء المصابين القصّر أو الآباء بعض المرافقين/ات علاوة على ضعف الجانب الاجرائي و القانوني إذ لم تكن هناك جهة واضحة لتأمين الأدوية و التجهيزات .

لكن من جهة أخرى يمكن الإشادة بتجربة المستشفى الميداني بالمركز الجهوي للعزل الذي ساهم بشكل كبير في تمتيع المصابين بالأوكسجين و بلغ العدد الجملي للايواء 800 حالة تمتعت بالشفاء والعافية حسب شوقي الوصيف ، و قد تم الاستغناء عن هذه المرافق إثر فترة ركود الفيروس و عدم مردودية مركز العزل فكان اقتراح الغلق من الوزير في جانفي 2021 .

من جهته صرح أكرم السبراي والي المنستير لـ”كشف ميديا” أن  قرار غلق مراكز العزل لمصابي كورونا تم اتخاذه على مستوى مركزي و أن بعث مراكز طلب تركيز جديدة يبقى رهين طلب اللجنة العلمية رغم الصعوبات في هذا الظرف باعتبار استغلال الوحدات الفندقية في المجال السياحي .

أما عن التجهيزات التي كانت مستغلة في مراكز العزل قبل غلقها فجزء منها تم تسليمه للجنة الجهوية للتضامن الاجتماعي وهي الآن موجودة على ذمة اللجنة العلمية و منظومة المجتمع المدني التي تنتقل إلى المواطنين تحت إشراف طبي ، وهناك مجموعة أخرى من التجهيزات تم توفيرها على سبيل الكراء ” 

عرفت تونس خلال جائحة كورونا حكومتان متعاقبتان من المفترض أنهما رسمتا  سياسات “المقاومة” و لكنها سياسات مرتعشة تتقدم إلى الأمام لتنهار بعد بضع خطوات و تتراجع، فحين نستعرض تجربة المنظومة الوقائية من جائحة كوفيد 19 نلاحظ أن سقوطها كان عاملا مهما في إعادة انتشار الوباء و هذا ما يستدعي المتابعة و الكشف عن الإشكالات الحقيقية التي ساهمت في الفشل و لذلك وجب حصر أسباب الإخفاق و تحديد المتسببين فيها سياسيا و إداريا و تقنيا، و أمام منظومة صحية كانت تدعي القوة و الريادة برزت اليوم عند أول تحدي عدة ثغرات منها الترتيبية و أخرى تقنية تدفعنا إلى المراجعة و التقييم . 


إشراف عام خولة بوكريم

كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر

أنجز هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا