كشف معلومة


أصحاب الشهائد العليا: أجورنا لا ترتقي لتعليمنا والكوفيد عمَّق مأساتنا

21/07/05

“أجري لا يتجاوز 250 د ومع منحة مكتب التشغيل يصل لأكثر بقليل 350 دينار غير أنه يبقى اقل من الأجر الأدنى المضمون ولا يكفي للعيش الكريم فضلًا عن الارتفاع الجنوني للأسعار”

يرتفع عدد المعطلين/ات عن العمل من أصحاب الشهائد العليا سنويا وقد وصلت النسبة إلى إلى 17.8 % في الثلاثي الأول من سنة 2021 بحسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، ومازال المؤشر في ارتفاع متواصل بعد أن القت جائحة كوفيد-19 ظلالها على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي على المؤجرين واصحاب الشهادات العليا بصفة أكبر. الظروف الصعبة لألاف الشباب اضطرهم/نّ للتوجه إلى مهن لا تتناسب والتخصص العلمي الأصلي، حفظا للحد الأدنى من الاستقلال المادي عن الأسرة، على الرغم من أن مثل هذه الأجور في الغالب زهيدة، ولا تضمن العيش الكريم.

12 ساعة يوميا مع أيام العطل مقابل 350 دينار

مروى ذات الـ 30 ربيعا، تنهضُ كل صباح باكر من فراشها لتعد وجبة الإفطار لزوجها وطفلها وتجهز له حقيبته وتلبسه زيه المدرسي وتهرول بعد ذلك للحاق بالحافلة لتعبر إلى منزل مربية طفلها أولًا، ثم تتنقل إلى مقر عملها بباب الجبلي، أحد أبواب المدينة العتيقة بصفاقس.

هي كغيرها من النساء الكادحات لا تعرف الراحة، إذ تعمل يوميا حتى خلال أيام العطل لتوفير قوتها وقوت إبنها، تروي مروى لكشف ميديا وقد غابت الابتسامة عن وجهها:

“على الرغم من حصولي على ماجستير في النقل والخدمات اللوجيستية منذ 2016 لم أستطع أن أعمل في مجالي، عانيت من البطالة لسنوات لكني لم أستسلم. لذلك قررت أن خوض تجربة العمل في محل بيع وصيانة الهواتف خوفًا من الجوع”.

تفاقمت معاناة مروي منذ بدء انتشار فيروس كورونا لأنها لم تعد تعمل بشكل يومي، وأصبح من الصعب عليها تأمين   لقمة العيش. وعلى الرغم من أنها تعمل 12 ساعة مقابل 350 دينار، إلا أنها لا تتمتع بالتغطية الاجتماعية والصحية فضلًا عن البقاء في المنزل لمدة شهرين دون راتب حينما وضعت طفلها.

“عندما غادرت مدينتي الشابة في ولاية المهدية، كان لدي طموح وأحلام وأهداف في الحياة تصل إلى أعلى القمم، ولكنني صدمت بواقع بائس”.

أظهرت دراسة نشرها المعهد الوطني للإحصاء في شهر فيفري 2021 وأعدها بالشراكة مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، حول أثر كوفيد 19 على الأنشطة الاقتصادية لـ 2.500 مؤسسة تونسية من قطاعات مختلفة، أن حوالي 86 بالمائة من المؤسسات سجلت انخفاضا في رقم معاملاتها خلال شهر نوفمبر 2020 مقارنة بسنة 2019، مقابل 82،3 بالمائة خلال شهر جويلية 2020 و88.8 بالمائة في أفريل 2020

وسجلت الدراسة أن 88.6 بالمائة من بين الشركات التي استمرت في العمل، انخفاضا في السيولة فيما تقلص الطلب الموجه لـ79،5 بالمائة من الشركات.

 أسباب غلق المؤسسات خلال سنة 2020-أجربت الدراسة على 2500 مؤسسة

في الجنوب الشرقي لتونس، تحديدا ولاية قابس لا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة لأصحاب الشهائد العليا، ومن بينهم ماجدة، 34 عاماً، ام لطفلين، متحصلة على الإجازة الأساسية في اللغة والأدب والحضارة الإنجليزية تجاوزت بطالتها العشر سنوات.

تقول ماجدة إنّ اختصاص الأستاذية صعب الإدماج خاصة مع إيقاف الانتداب في الوظيفة العمومية في السنوات الأخيرة، مشيرةً إلى أنّ الشباب التونسي لم يعد بقدرته أنّ يحلم، فضلًا عن الانعكاسات الاقتصادية لسياسة الدولة بعد الثورة والتي تسببت في انسداد الأفق أمام الشباب الحامل للشهائد العليا والباحث عن عمل في سوق التشغيل التي أصبحت هشة.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة لم تستسلم ماجدة واختارت أنّ تعمل في حضانة مدرسيّة لتجد نفسها تعمل في ظروف هشة للغاية ، دون متابعة من مكتب التشغيل من ناحية الأجور ، مما يخول لصاحب المؤسسة التحكم في مقدار الاجر والقدرة على إيقاف التعاقد وقتما شاء دون حسيب ولا رقيب حسب قولها.

” أجري لا يتجاوز 250 د ومع منحة مكتب التشغيل يصل لأكثر 350 دينار غير أنه يبقى أقل من الأجر الأدنى المضمون ولا يكفي للعيش الكريم فضلًا عن الارتفاع الجنوني للأسعار. أخوض حرفيا حربا يومية لضمان لقمة العيش، كما أن هذا الأجر لا يمكّن من تحقيق الاكتفاء الذاتي ولا يكفي لتوفير متطلبات الحياة الأساسية”.

وتؤكد ماجدة إن أزمة الكورونا ساهمت في تدهور وضعها المعيشي، إذ أصبحت تعمل بنظام الفرق الذي فرض   بسبب إجراءات الحكومة للحد من إنتشار العدوى، ثم تم ايقافها عن العمل لتعود لنفس المربع الأول معطلة عن العمل رغم حصولها على شهادة الأستاذية.

“شهادتي لم تنقذني من براثن البطالة، كما أنه لا أحد يحمينا من الاستغلال الكبير لأصحاب المؤسسات للكفاءات الشبابية”.

وتختم ماجدة قولها بأنها تتمنى العمل في مجال تخصصها وبأجر في مستوى شهادتها العلمية، ويحفظ كرامتها الإنسانية. وترى محدثتنا أن على الدولة العمل أكثر من أجل تقدير قيمة أصحاب الشهائد العلمية والدكاترة، والتي تعتبرهم   “ثروة تونس الحقيقية” المهمشة وغير المستثمرة لصالح البلاد.

فشل السياسات العمومية في إٕدماج حاملي الشهادات العليا في سوق الشغل

عرفت نسبة البطالة ارتفاعا بـ   17.8 % في الثلاثي الأول من سنة 2021 بعد أن كانت في مستوى 17.3 % خلال الثلاثي الرابع من سنة 2020، وفي حدود الـ 15 % سنة 2019 حسب المعهد الوطني للإحصاء. كما أظهرت نتائج المسح الوطني حول السكن والتشغيل من الثلاثي الرابع سنة 2020 انه عدد العاطلين عن العمل بلغ 725.1 عاطل/ة.

وتفسر فتحية السعيدي الأخصائية في علم الاجتماع هذا الارتفاع بأنه نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد 19 فضلًا عن السياسات العمومية في مجال التشغيل التي لم تستطع أن تخفض من نسبة البطالة على امتداد العشر سنوات الماضية، مؤكدة أن نسبة كبيرة من بطالة حاملي الشهادات العليا بلغت النسبة 40٪ من العاطلين منهم ثلاثة أرباع من النساء.

  “إن الفشل واضح في السياسات العمومية التي لم تتجه لتقييم الآليات التي وضعتها لإدماج حاملي الشهادات العليا في سوق الشغل، هذا إلى جانب عدم توافق متطلبات سوق الشغل مع التكوين في الجامعات، فضلًا عن وجود تخصصات لا تحتاجها السوق التشغيلية التونسية اعتادت الوظيفة العمومية استيعاب جزء كبير منها في التعليم والصحة وقطاعات أخرى”.

وأكدت السعيدي أنّ تداعيات البطالة على المجتمع كثيرة وهي تداعيات نجدها منعكسة في ظواهر اجتماعية أخرى منها هجرة حاملي الشهادات وخاصة منهم أصحاب التخصصات العلمية كالطب والهندسة وغيرها، أو الهجرة غيرالنظامية التي لم يسلم منها حاملو الشهادات وغيرها من ظواهر اجتماعية أخرى على غرار الحركات الاحتجاجية التي قام بها الشباب وهي احتجاجات تطالب بالتشغيل وبحفظ الكرامة.

وشددت السعيدي على أنّ للبطالة تكلفة اجتماعية باهظة وآثارا نفسية واجتماعية على علاقة الشاب بنفسه وبمحيطه ويتضح ذلك من خلال مؤشرات الإحباط والعزلة والتمرد وصولًا إلى الانسياق وراء تعاطي المخدرات وارتفاع منسوب العنف، فضلًا عن وجود خلل في التوازن الاجتماعي بحكم وجود نسبة مرتفعة من السكان النشيطين في حالة عطالة.

عدد العاطلين/ات عن العمل بلغ 742.8 ألف شخص من إجمالي السكان النشطين الذين يفوق عددهم 4.1 مليون شخص، أي بزيادة قدرها 15.7 ألفا، خلال الثلاثي الأول لسنة 2021، وفق المعهد الوطني للإحصاء.

وأشارت السعيدي إلى أنه من الضروري مواكبة التكوين في الجامعات لمتطلبات سوق الشغل وهذه حلول على مدى متوسط وسريع مؤكدة أنّ الحل على المدى الطويل يتمثل في العمل على تغيير التنشئة الاجتماعية، حيث يتم العمل على تربية الناشئة على الانتصاب للحساب الخاص وتشجيعهم على المبادرة الحرة وتنويع الاختصاصات خاصة في مجال التكنولوجيات الحديثة لخلق مواطن شغل جديدة.

مع هشاشة سياسات الدولة في تنظيم التخصصات المطابقة لمتطلبات سوق التشغيل التونسية، وغلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية في المدة الأخيرة، وتعاقب الحكومات وعدم  وجود استقرار سياسي في البلاد، يبدو الطريق صعبا أمام أصحاب الشهائد العليا، ويتعذر تجاوزه. مما يجعلهم بمفردهم يدفعون فواتير ضخمة تتجاوز ما تحتويه جيوبهم/ن، وتضع أمالهم/ن على محك اليأس والإحباط.


إشراف عام خولة بوكريم

كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر

أنجز هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا