كشف معلومة


رياض وهدى، متخرجان من الآداب الفرنسية والحقوق، يعيشان بـ 180 دينار في الشهر

21/07/06

“تزوجنا في 2016، وقبلها بسنة واحدة تعكرت حالته الصحية وأصبح غير قادر على المشي بعد خروج نتيجة “الكاباس” التي لم يجد اسمه فيها، إلى حد اللحظة وهو يعاني من آثار تلك الخيبة”.

في  زمن الكوفيد يجد العاطلون عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية أنفسهم في وضعية صعبة إذ لا قدرة لهم على الولوج الى سوق الشغل في ظل أزمة اقتصادية وصحية تمر بها تونس ولا سبيل لهم إلا الانتظار أو البحث عن أعمال يومية في الفلاحة و أعمال البناء “المرمة” و تحت طائلة التهديد من خطر الكوفيد بسبب النسق البطيء لحملة التلقيح التي تتبعها الحكومة التونسية .

“كشف” زارت زوجا من العاطلين عن العمل في عمادة القلال التابعة لولاية سيدي بوزيد. رياض وهدى ثنائي من عائلة معوزة بدت  آثار الكوفيد عليهما  صحيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا و عمقت من مأساة فئة من المجتمع التونسي  تعيش على إيقاع العزلة والهشاشة.

 رياض، سبعة وثلاثون عاما ،متزوج وبلا أولاد عاطل عن العمل منذ سبع سنوات .ارتعشت أنامله لتلتقط عكازه. سبع دقائق لم تكن كافية ليلبس خفا بلاستيكيا في قدميه و يتمكن من الوقوف والذهاب إلى الحمام.

تحاول زوجته هدى  أن تكون إلى جانبه  كما كانت دائما. منذ اكثر من خمس سنوات يعيش رياض وهدى في غرفة واحدة للنوم والأكل والجلوس ،إذ بين سرير النوم و الثلاجة بضع سنتيمترات تلخص حياة حزينة لزوجين متحصلين على الأستاذية في الحضارة والآداب الفرنسية وفي الحقوق.

حياة رياض وهدى تحولت الى خراب لا معنى له بعد أن أوصدت الدولة أبواب الأمل في وجوه خريجي الجامعات التونسية مع ارتفاع نسبة البطالة إلى زهاء 18℅ وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في زمن الكوفيد .

حين تحدث رياض عن رحلته مع البطالة والفقر والمرض ، لسانه كان ثقيلا ولكنته بالكاد يمكن للمستمع أن يلتقط معانيها:

“انا منسي قسرا .. حين مرضت بسبب إحساس بالإحباط من نتيجة مناظرة الكاباس لم تعترف الدولة التونسية بي ولم تتحمل معي متاعب المرض . علاجي سنويا يحتاج الى قرابة 7000 دينار ثمن الأدوية والمتابعة الصحية”.

رياض ليس إلا عينة بسيطة من فئة هشة عصف بها إهمال الدولة التونسية و سقطت من حسابات من مر من هناك من السياسيين و الباحثين عن أصوات أكثر في زخم الانتخابات.

تعترف هدى بان زوجها لم يلق اهتماما من أي كان ولم يتحصل على مساعدات في فترة الحجر الصحي الأول وأنهما يعيشان ب 180 دينارا شهريا وهو مبلغ لا يمكن من توفير علاج زوجها رياض .

“تزوجنا في 2016، وقبلها بسنة واحدة تعكرت حالته الصحية وأصبح غير قادر على المشي بعد خروج نتيجة “الكاباس” التي لم يجد اسمه فيها، إلى حد اللحظة وهو يعاني من آثار تلك الخيبة”.

تحصل رياض على بطاقة العلاج المجاني ومنحة تقدر ب 180 دينارا من وزارة الشؤون الاجتماعية . ومكنته معتمدية منزل بوزيان من منحة تحسين مسكن لم تكن كافية لاستكمال بناء المنزل الذي يعيش فيه رياض وهدى.

تبلغ نسبة الفقر في سيدي بوزيد  وفق تقرير خاص بخريطة الفقر في تونس أصدره المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع البنك الدولي ب 23.1 ℅ في سبتمبر 2020 و وصلت نسبة البطالة في هذه الولاية سنة 2016 إلى حدود 15.4℅ ومن المؤكد أن هذه النسبة قد ارتفعت بسبب إجراءات اتخذتها الحكومات التونسية كإجراء التقشف و منع الانتداب في الوظيفة العمومية وترفيع سن التقاعد لإصلاح صناديق الضمان الاجتماعي . 

يعيش رياض وهدى في عمادة القلال من معتمدية منزل بوزيان وهي تبعد عن مدينة سيدي بوزيد أكثر من سبعين كيلومترا مرورا بمعتمدية المكناسي التي تبعد بدورها 34 كيلومترا عن رياض  وزوجته . ولا سبيل لهذا الثنائي ولغيرهم من العاطلين عن العمل سوى الذهاب إلى المكناسي حيث يوجد  أقرب مكتب للتشغيل والعمل المستقل .و حيث يوجد أقرب مركز للتلقيح ضد الكوفيد.

تعتقد هدى أن المجتمع المدني أرحم من الحكومة، ودائما ما كان أقرب للناس الذين يتقاسمونها نفس الوضعية. كما ترى أن الحل العاجل بالنسبة لوضعية زوجها حصوله على تغطية من الصندوق الوطني للتأمين على المرض.

هدى زوجة رياض، خريجة أداب وحضارة وفرنسية

“أحاول طيلة الوقت ألا أشعره بمرضه، لكن حالته النفسية تسوء يوما بعد يوم، حين يخرج للشارع تؤلمه نظرات الشفقة”

ورغم أن رياض  لم يسجل في منظومة التلقيح  EVAX على الرغم من أن رياض من ذوي الاحتياجات الخصوصية، أنه لا يتمتع بأولوية في التلقيح  ضد كوفيد-19 و هو كغيره من خريجي الجامعة التونسية العاطلين عن العمل ليس أمامه سوى انتظار التلقيح رغم أن مؤشرات الإصابات بالكوفيد في ولاية سيدي بوزيد تنبئ بأزمة حقيقية تعمقها وضعية بائسة للمؤسسات الصحية هناك وحتما ستكون سببا في خسارة عدد أكبر من المواطنين التونسيين.

بلغ عدد المنتفعين بالتلقيح ضد الكوفيد في ولاية سيدي بوزيد 26854 تلقيح بتاريخ 30 جوان 2021 من جملة 64238 مسجلا في منظومة evax   و حسب تصريح المنسق الجهوي للحملة الوطنية للتلقيح ضد الكوفيد رفيق نصيبي أن عدد المسجلين في المنظومة يعد دون المأمول مقارنة بعدد السكان في الولاية.

في زمن الكوفيد يتحول رياض و هدى وغيرهما من العاطلين عن العمل في المناطق الداخلية التي لا تتوفر فيها فرص الشغل و تمثل الوظيفة العمومية و القطاع العام الملاذ الوحيد لهؤلاء خاصة مع غياب القدرة على المبادرة الخاصة و شبح الكوفيد الذي يحاصر تفاصيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في تونس منذ اكثر  من عام .

وزارة الوظيفة العمومية كانت قد أعلنت في بلاغ صدر في 20نوفمبر 2020 أن المعنيين بأحكام  القانون 38 لسنة 2020 المؤرخ في 13 أوت 2020 المتعلق بالأحكام الاستثنائية للانتداب لفائدة المعطلين عن العمل يتمكنون من تسجيل بياناتهم مباشرة في المنصة الإلكترونية خلال جانفي 2021.  

غير أنه وإلى حد بداية جويلية 2021 لم يتم إطلاق هذه المنصة ومازال المعنيون بالأمر مثلهم مثل رياض وهدى ينتظرون تفعيل هذا القانون .

 وبين البطالة قسرا و هاجس الكوفيد الذي عمّق مشاكل الفئات الهشة في تونس يجد رياض وأمثاله  من خريجي الجامعة التونسية في ازمة حقيقية نحتت ملامحها عدة عوامل منها ثنائية الهامش والمركز وفشل المناويل التنموية في المناطق الداخلية إضافة إلى إهمال متواصل للمؤسسات الصحية في هذه المناطق مع إنذار بأن الخسائر ستكون كارثية إذا انتشر في الفيروس بين الناس خاصة وأن ولاية سيدي بوزيد تشهد في هذه الفترة ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات و عدد الوفيات .


إشراف عام خولة بوكريم

بالشراكة مع « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا