كشف صحي


التلقيح في المنستير: عقبات على طريق العدالة في التوزيع

21/07/12

إن أكثر ما يمكن  أن تلوكه الألسن اليوم مصطلحا “تلقيح” و “كورونا”..هذان المصطلحان أصبحا محرارا لهذا الجسم  المقاوم ..أضداد تتصارع فإن كان مؤشر التطعيم مرتفعا تشحن المعنويات لصدّ هذا العدوّ الجامح..و إن تراجع عدد الملقحين/ات أصابنا ما أصاب جيش حنبعل  و محرقة عليسة في قرطاج..

حديث التلقيح يأتينا اليوم من جهات مختلفة و الجدل لا يزال مرتفع السقف حول مدى نجاعة الدولة في توفير اللقاحات و مدى احترام مبدأ العدالة الاجتماعية في التوزيع  و مدى قدرة المجتمع على استيعاب سياسات من ولّوهم أمرهم..فتطالعنا يوميا أرقام ومؤشرات قد نعتقد منذ الوهلة الأولى في مصداقيتها ولكن حديث الشارع قد يكشف لنا جانبا آخر من هذه الحقيقة.

في الفاتح من شهر جويلية 2021 يطالعنا خبر مفاده أن مركز التلقيح بمدينة قصر هلال من ولاية المنستير” قد تم إغلاقه لعدم توفر التلاقيح “.خبر تبيّن بعد ذلك أنه زائف، لأن عملية التلقيح كانت قد توقفت يوما أو اثنين مؤقتا لعدم تبليغ أي مواطن بارسالية التطعيم من منظومة ايفاكس.

أيام قليلة يطالعنا نفس الخبر عن “إغلاق” لمركز مدينة حمام سوسة من ولاية سوسة و يتبين بعد ذلك أن هذا المركز يشتغل أياما ثلاث فقط في الأسبوع.

لم نكن منذ الوهلة الأولى لنتمكن من فهم منظومة التطعيم التي أرست عليها الدولة التونسية وبالتحديد مصالح الرعاية الصحية في هذا البلد خاصة بعد أن تسربت إلينا مواطن شك في نجاعتها و استهدافها المواطن دون تمييز.

الارباك كانت بدايته عبر تلك “الهدايا” (جرعات التلاقيح الإماراتية) التي وجّهت إلى رئاسة الجمهورية وما أثارته من جدل. ثم ما لحق ذلك من  خروقات في  قائمات ذوي الأولوية، وماحصل من استغلال المنظومة في “التمكين القطاعي”  لفئة على حساب أخرى .

اطلع على هذا المقال حول خرق قائمة الأولوية في التلقيح

سميحة ج ( 40 سنة )  امرأة من ولاية المنستير ربّة بيت مصابة بداء السكري لها ابنان توأمان ( 17 سنة ) يشتكيان من أمراض تنفسية منذ الولادة و فتاة جامعية ( 19 سنة ) و  زوج يعمل في القطاع الخاص.

كانت قد اتصلت “بكشف ميديا ” و أعربت عن انشغالها بمنظومة التلقيح. وقفت تترقب دورها كأي مواطن تونسي . وتترقب التطعيم و هي قابعة بين جدران بيتها لا تغادره خوفا من العدوى .

المركزالحهزي للتلقيح بالمنستير /كشف ميديا

كل يوم أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي و أراقب الأخبار عن موعد بلوغ دوري حسب السن. و لكني أكتشف في كل مرة أنني لا أزال بعيدة عن بلوغ هذا الحق. لقد سبقني إلى التلقيح كلّ من هبّ و دبّ”.

وتساءلت سميحة أكثر من مرّة هل ستترك مصيرها للقدر أو لأيادي الدولة المرتعشة تحديد مصيرها في بلد ارتفعت عدد الإصابات و الوفيات بسبب فيروس لا تطعيم كاف له!

منى بلزرق ( 58 سنة ) وهي ممرضة عامة بالمستشفى الجهوي علي صوة بقصر هلال، كانت أوّل امرأة قد تلقت جرعة التلقيح على مستوى ولاية المنستير وذلك في الثالث عشر من شهر مارس .تلقت التطعيم تحت أضواء الكاميرا إيذانا بانطلاق الحملة الوطنية للتلقيح في الولاية. وهنا يبرز الدور الإتصالي للسلطة في تسويق سياساتها عند تخصيص 840 جرعة تلقيح لفائدة الإطارات الطبية من أطباء وممرضين/ات في ولاية المنستير  ضمن أول دفعة من عملية التلقيح .

في حين سالمة الصحراوي امرأة مسنة ( 85 سنة )  تنقلت إلى المركز الجهوي للتلقيح بالمنستير على كرسي متحرك، كان المركز مكتظا و الصفوف متراصة و القاعات ملآنة و الإطار الطبي المشرف على قدم و ساق و تشكيلات من شباب الجمعيات و المنظمات يشرفون على عملية التنظيم ..كان من الأحرى أن يلتزم مرافق سالمة باحترام الدور و لكن اجراء استثنائيا قد شملها بأن كل من يأتي على كرسي متحرك بسبب المرض أو العجز يتم تقديمه قبل غيره ..هي شهادة أخرى كنت أعايشها في ذاك المركز.

أما أحلام ( 30 سنة ) من سلك الديوانة تنقلت إليها وحدات صحية مركزية في مركز العمل و تمتعت كما زميلاتها وزملائها بالتطعيم الأول و الثاني ضمن الفئات المصنفة ذات الأولوية..عبرت أحلام عن ارتياحها للخدمات المقدّمة و سرعتها و نجاعة التدخل..رغم استيائها سابقا من تأخر عملية التلقيح باعتبارها من جنود الصف الأول .

هذه نماذج من فئات مختلفة ممن تلقى التلقيح أو ما يزال يترقب تلقي بضلالها على مدى عدالة منظومة التلقيح اجتماعيا حسب التصنيف القطاعي..و لا تزال هذه التداعيات تلحق فئات أخرى عديدة.

التلقيح في المنستير بالأرقام

 احتلت ولاية المنستير المرتبة الأولى في نسبة التلقيح والتي بلغت  90167  تلقيحا للجرعة الأولى ( 14.99%) و 35707 تلقيحا للجرعة الثانية ( 5.94 %)  بثلاث مراكز جهوية بالمنستير و قصر هلال و جمال حسب إحصائيات الجمعة 09 جويلية 2021 .

المركزالحهزي للتلقيح بالمنستير-كشف ميديا ماي 2021

و أعلن المدير الجهوي للصحة حمودة الببة  في تصريح لـ”كشف” أنه تم إجراء ،منذ بداية الجائحة، بولاية المنستير 104574 تحليلا ثبت من بينهم/نَّ 28090 حالة ايجابية أي بنسبة 27,7 % ، و تم إيواء 2028 مصابا بفيروس كورونا بالمستشفيات و تسجيل 592 حالة وفاة أي بنسبة 2,4 من العدد الجملي للمصابين بالفيروس. 

 وأضاف المدير الجهوي للصحة أنه:

يوجد حاليا حوالي 7135 حالة نشيطة للفيروس و تسجيل نسبة 1،6 وفاة في اليوم خلال الأسبوع الأخير ، مؤكدا في السياق ذاته أن طاقة استيعاب المستشفيات بالجهة من أسرة الاكسيجان 260 سريرا بما في ذلك 28 سريرا بالمصحات الخاصة حيث تجاوزت نسبة الإشغال العاملة لأسرة الاكسيجين 95 % .

المركزالحهزي للتلقيح بالمنستير/كشف ميديا

هذه الاحصائيات المقدمة يمكن أن تكشف لنا عن الوضع الصحي العام في ولاية المنستير و قد تفند مبدئيا مقولة “انهيار المنظومة الصحية ” بل لا تزال في أوج المقاومة و التصدي لانتشار الوباء و لكن ما نلاحظه أن العزوف عن الالتحاق بمراكز التلقيح قد لامس فئات كبيرة في المجتمع داخل نطاق الولاية و دليل ذلك أنه لوحظ تغيب ما بين 20 و 30 % يوميا من بين المواطنين/ات الذين تتم دعوتهم عبر الإرساليات القصيرة لتلقي جرعة اللقاح بالمراكز الجهوية للتلقيح بكل من المنستير وقصر هلال والمكنين وجمال .

خلل منظومة التسجيل 

و حول بعض الاضطرابات التي يمكن أن تحدثها المنظومة الاعلامية للتلقيح كشف لنا الدكتور حمودة الببة المدير الجهوي للصحة بالمنستير خللا قد يسبب أخطاء في الاحصاء و تأكيد التلقيح بالنسبة للوحدات المتنقلة التي تتجه نحو مناطق و بلدات بعينها إذ قال الببة ” نقوم كإدارة جهوية للصحة بالمنستير بحملات متنقلة لإجراء التلقيح و نتوجه إلى الأشخاص الذين يفوق سنهم الستين سواء كانوا مسجلين بالمنظومة أو غير مسجلين/ات ، و عبر خط مباشر مرتبط بمنظومة ايفاكس، و هنا يمكن أن يكمن الخطأ ،فالمنظومة لا تظهر لك مجموع ما قمت به من تلاقيح إلا بعد اكتمال مجموع الملقحين/ات ككل ، و بالتالي أي خطأ في تلك المرحلة آليا لا تجد نفسك منخرطا في المنظومة و لا تكتشف الخطأ إلا بعد الاطلاع على مجموع التلاقيح التي سجلت أو لم تسجل “

و أضاف حمودة الببة :

” هناك مرحلتان : مرحلة التسجيل و مرحلة التأكيد و الذي تصله ارسالية لمركز معين و لا يلتحق به لا يستطيع إعادة التسجيل و لذلك نجد هامش الخطأ ضمن الحملات المتنقلة و لذا وجب التدقيق حتى لا تضيع الجرعات على هامش المنظومة و هذا ما حصل في جهات أخرى ” .

إن ما يشغل المواطن هذه الأيام بخصوص سياسات الدولة في التلقيح ذلك النقص الفادح في عدد الجرعات التي يمكن أن توفرها الدولة في قادم الأيام ، و ما ضآلة نسبة التلقيح إلا انعكاس لذلك النقص الذي يشغل الرأي العام و يحمل المسؤولية للحكومة و الديبلوماسية الخارجية بشكل مباشر بعد التعاطي السلبي مع الجائحة في المدة الأخيرة .

و لعل الاتفاقية الأخيرة المعلن عنها السبت 10 جويلية بين هيئة الصيادلة و الحكومة التونسية بتمكين الصيادلة من القيام بعملية التلقيح إذ أكد المجلس الوطني لهيئة الصيادلة مشاركة الصيدليات الخاصة في حملة التلقيح الوطنية ضد كوفيد-19 حسب الأولويات المضبوطة من وزارة الصحة وفي إطار منظومة “ايفاكس” للتسجيل لعملية التلقيح ضد كورونا  كما  أن عملية التلقيح في الصيدليات الخاصة ستكون مجانية لكل المواطنين/ات كما هو الحال في مراكز التلقيح التابعة لوزارة الصحة .


إشراف عام خولة بوكريم

تمت كتابة هذا المقال بصيغة حساسة للجندر

أنجز هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا