21/07/12
في ظل مناخ سياسي أقل ما وصف به أنه موبوء يتساقط التونسيون والتونسيات ضحايا لهذا الوباء فقد ناهز عدد ضحايا يوم واحد المائتين و فاقت الإصابات 9000 وفق ما نشرته وزارة الصحة يوم السبت العاشر من جويلية. وفي الأثناء يفرح السياسيون لخبر الطلاق سراح قيادي في حزب متورط في الفساد وفي تسميم المشهد الاعلامي، ويبحث المصابون عن مكثف للأكسيجين دون نتيجة.
ويعلو صوت البوق في البرلمان وتستعمل اللكمات والركلات والعنف ضد النساء لفض الخلاف هناك، مما أفقد خطاب السياسيين حكومة ومعارضة مصداقيته.
“زلّة” نصاف بن علية
في السنة الماضية حينما راج خبر عزل الناطقة الرسمية باسم اللجنة العلمية وقتها الدكتورة نصاف بن علية حلت حالة عامة من السخط، وسجل حجم واسع من التفاعل والتضامن معها. خاصة على إثر مداخلتها التي بدت فيها متأثرة حد البكاء السنة الفارطة وهي تصرخ “أرجوكم التزموا بإجراءات التباعد والبسوا الكمامات الوضع خطير جدا”
وكانت بن علية في صورة المرأة التي أضحت مثالا في النجاح والقيادة وساهم نجاحها في مزيد تسليط الضوء على إقصاء النساء من المواقع القيادية وتواصل التعيينات التي تقوم على تزيين الواجهة ببعض الوجوه النسائية.
طوال سنة ونيف، أصبح التونسيون غير مبالين بتصريحات السياسيين وتمركزت كل ثقتهم في اللجنة العلمية. إذ تحولت اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا لمرجع معتمد لدى التونسيين والتونسيات وأصبح تفاعلهم حول مستجدات الحالة الوبائية يسير حسب تصريحات أعضائها.
وفي غفلة من الأطباء، والممرضين والتقنيين وهم يصارعون الوباء وينقذون المرضى ويعيدون الآباء والأمهات لعائلاتهم معافين رغم ارتجالية القرارات السياسية ونقص الامكانيات وبطئ الاجراءات، تقوم الناطقة الرسمية السابقة للجنة العلمية و لوزارة الصحة حاليا، نصاف بن علية في 7 جويلية 2021 خلال استضافتها في احدى الاذاعات و تقرٌّ اقرارا مرعبا لا يقبل “تأويلا”: المنظومة الصحية انهارت.
مهنيو الصحة صامدون رغم المصاعب لكن حان وقت التغيير
وإن بات من المؤكد أن المنظومة القيمية للحياة السياسية في تونس قد “انهارت” شكلا وشوهت مضامينها ورذل العمل السياسي بشكل كبير، إلا أن المنظومة الصحية لم تنهار ومازالت صامدة مثلما يقول مهنيوها. وعلى الرغم من أنها تسلك في طريق الانقاذ بصعوبة، ولربما ينعرج طريقها نحو الانهيار إذا لم تتحرك الحكومة بسرعة لاتخاذ الإجراءات الإصلاحية و بث أجواء منقذة في الأجواء الصحية. و اذا ما واصلنا التعويل على نفس القائمين عليها.
تصريح بن علية وصفه الدكتور بالمستشفى الجهوي ببنزرت بولبابة مخلوف، المخزي و بالمغالطة التي لا مجال بالسكوت عنها
المنظومة الصحية أصبحت في بعض الجهات غير قادرة على استقبال المرضى نظرا لارتفاع عدد الحالات و من المؤسف القول أن انهيار المنظومة مرحلة قد نصلها إذا ما تواصلت نفس السياسات”. لذلك وحب التحرك بأفصى سرعة للإنقاذ
و شدد مخلوف على توفر الحلول عبر الالتجاء لطب الكوارث و تركيز المزيد من المستشفيات الميدانية و تسخير القطاع الخاص للعمل بهاته المستشفيات كإجراء عاجل و آني ثم فرض ضريبة على الثروات لتمويل هاته المستشفيات الميدانية و خلاص العاملين بها.
و قد اشار الى ان المستشفيات بالجهات التي لا تتمتع بالقدر الكافي من التنمية هي التي تعاني النقص الفادح أما مستشفيات العاصمة و المناطق الساحلية فهي مستشفيات كبرى ذات ميزانيات مرتفعة مقارنة بنظيرتها في المدن الداخلية وهو ما مكنها من مواصلة استقبال المرضى، لكن لن تتواصل هاته القدرة لفترة طويلة.
لا يخفى على أحد أنه هناك حالة عامة من الإنهاك يعاني منها لإطار الطبي من أطباء وممرضين، و المخزي في التصريح المذكور هي جملة تبعاته و انعكاساته عليهم وعلى المواطن على حد السواء.
ويرى مخلوف أن هذا التصريح هو واجهة منبثقة عن صراعات “الأجنحة” القائمة داخل وزارة الصحة. و رغبة كل طرف من الأطراف المتنفذة داخلها نسبة النجاحات لنفسه و رد الفشل للاطراف الاخرى.
ولئن تصريح بن علية يليق بوضعية إيطاليا في الموجة الأولى والثانية من الوباء حيث قاربت الوفيات الالفين والاصابات عشرات الآلاف، دعانا هذا التصريح المثير للريبة للتوجه لمستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة لمعاينة حالة المنظومة الصحية والوقوف على مدى جاهزيتها وللاستماع لمن هم في الصفوف الأولى وفي تواصل مباشر مع الحالات.
في طريقنا للمستشفى ، تعج المقاهي بروادها ويقف الناس أمام محلات بيع الحاجيات الأساسية ولكن الحركة في الطرقات تناهز عشر المعدل العادي ليوم سبت في فصل الصيف، تلك إجراء ات الحجر الصحي الشامل المقرر نهاية كل الاسبوع.
عند بوابة المستشفى، والذي كان مستشفى الإيطاليين بتونس قبل الاستقلال، بعض السيارات وأقل من عشر اشخاص يتوزعون على زوايا موقف السيارات، ممرض يدخن سيجارة خارج أسوار المستشفى الذي تحتل احدى حيطانه لافتة كبيرة تذكر بأن هذا الفضاء خال من التدخين وبعض المواطنين يدخلون المستشفى.
اطارات طبية ممرضون وممرضات يقومون بواجبهم وملامح الجد هي الطاغية، يقاومون ما أفسدته السياسة والحكام.
كل ما رأيناه يوحي بأن الوضع صعب لكنه تحت السيطرة إلى حد ما ولا شيء ينبئ بالانهيار التام وهو ما اكده الدكتور الصحبي الظاهري مدير مستشفى الحبيب ثامر:
الإطارات بمستشفى الحبيب ثامر يبذلون قصار جهدهم ولم يتم لحد الآن ترك مريض خارج المستشفى لعدم وجود سرير او دون اكسيجين لمن هو في حاجة اليه.
كما أكد محدثنا قدرة المنظومة الصحية في تونس على تجاوز هذه الأزمة التي تعصف به بالتعويل على الخبرات البشرية التي يشهد العالم بكفاءتها وتلقى الترحاب في جميع مستشفيات العالم إضافة لمزيد توفير الإمكانيات اللوجستية. وكان هناك عدد كبير من الذين يتم التكفل بهم في الاقسام، وكان عدد منهم يجلس عند مدخل بهو قسم الاستعجالي لتلقي الأكسيجين.
التقينا أيضا بالدكتورة نبيهة فلفول حيث أقرت بأن عدد الإصابات في ارتفاع وان معظم الوافدين على المستشفى يصلون في حالة متقدمة من الاصابة نظرا لنزعة المواطنين في الالتجاء الى التداوي الذاتي او اقتناء الأدوية دون القيام بفحص طبي معظمهم في حاجة للإيواء بالمستشفى.
الضغط على أقسام الاستعجالي مرتفع جدا في حين يبذل قسم الصيانة على مدار الساعة لإضافة نقاط الأكسيجين وقد قاموا مع المهندس عماد بن حسن بربط قسم الاستعجالي وقسم الكوفيد بخزان أكسيجين منفصل لمزيد توفير الأكسيجين بضغط عال للمرضى.
ولم تنف فلفول حدوث أزمات في توفر الأكسيجين لكن نجح التقنيون الإطار الطبي والممرضون في تلافي هذا النقص عبر التعويل على العبوات الجاهزة لحين تزويد الخزانات.
واصلنا جولة البحث
مصدر طبي من مستشفى عبد الرحمان مامي بدوره يتحفظ عن ذكر هويته، إذ ترى أن المنظومة القيمية للمسؤولين هي التي انهارت، ومن غير الحكمة ولا المسؤولية أن يركض “الفاشلون”على حد تعبيرها ، على مستوى الإدارة و التسيير لإعلان وفاة المنظومة الصحية. خاصة بعدما أمعنوا في إنهاكها لسنة ونصف عبر سياساتهم عديمة الجدوى و استنزاف موارد الإدارة أو عبر عدم اتخاذ قرارات للإنقاذ و تمسكهم في نفس الوقت بمناصبهم. ويرى المصدر نفسه أنه من الضروري تغيير السياسات الحالية لوزارة الصحة والكف عن الصراعات داخلها وتغليب المصلحة العامة عن المصلحة الشخصية.
ما نعيشه اليوم في تونس هو حصيلة سنوات من تقليد المسؤوليات للتكنوقراط و انغماس السياسيين في صراعات الولاة و المعتمدين و المناصب الإدارية العليا و التدخل في عمل القضاء.، حصيلة سنوات من الارتهان لصندوق النقد الدولي،
نتيجتها آلاف المقاعد الشاغرة على طاولات التونسيين والتونسيات وأزمة اقتصادية كارثية تلوح في الأفق سنعيش نتائجها ” إن بقينا أحياء” على حد تعبير نائب في البرلمان.
أنتج هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا