كشف حكومي


تربية الماشية زمن الكوفيد: مورد رزق آيل للانقراض والمربييّن دون حماية صحيّة

21/07/16

في الأماكن البعيدة عن مركز ولاية سيدي بوزيد، حيث الجبال الجرداء يقبع سكان بصفة مواطنين في النسيان. يعيشون على الهامش رصيدهم قطعان صغيرة من الأغنام والماعز توفر لهم النذر القليل من المال للعيش و تعليم أبنائهم .

“كــــشف” زارت جبال منطقة “القلاَّل” و “المعاذر” منزل بوزيان سيدي بوزيد، وتحدثت إلى بعض الرعاة ومربي الماشية قبل أيام من عيد الأضحى .ورافقت هذه الفئات يوما كاملا في صراعها مع قساوة الطبيعة و نسيان الدولة.

سيدي بوزيد/ صورة كشف ميديا جويلية 2021

 تنطلق “ج. م” خلف قطيعها بسنواتها الخمسين وبلباسها الأسود و حذائها الذي يشبه أحذية الجنود في الجبهة ، تسير ورائهم و يتبعها كلبها وابنتها بسنواتها الثمانية لتصل إلى جبل ‘عرادة ‘ قبل شروق الشمس . حيث تنتشر قطعان الغنم والماعز على سفوح الجبل الجرداء بسبب انحباس الأمطار لا سبيل هنا لمربي الأغنام إلا تمضية يوم كامل في الجبل بحثا عن مرعى لقطعانهم الصغيرة .

خاصة مع ارتفاع أسعار الأعلاف و تقلص المساحات المخصصة للرعي و الجفاف المتواصل على المنطقة

تقول ج م لكشف : 

” كل صباح أرافق زوجي للجبل لرعي الأغنام وأعود للبيت لأعيد الكرّة مساء. تلك هي حياتنا ولا حل لنا إلا تربية هذا القطيع وبيع الخرفان قبل عيد الأضحى لتأمين حياتنا وتعليم أطفالنا.”

لم تدخل  “ج م” المدرسة يوما و هي تواصل رعاية الأغنام بسبب انسداد الأفاق ولأنها لا تتقن عملا غيره. وهي لا تملك هاتفا جوالا ولا تعرف شيئا عن التلقيح ضد كورونا ولا التسجيل في قائمات وزارة الصحة.

تقول محدثتنا،  إن كوفيد 19 قد أثر كثيرا على مربي الماشية بسبب الأزمة الاقتصادية التي خلفها الفيروس وما رافقها من غلاء في الأسعار ما جعل الجبل هو الملجأ الوحيد لهذه الفئات التي لا تستطيع مجاراة  نسق الحياة السريع في مقابل إهمال من الدولة. 

زوج ج م ، سبعون عاما ، لم يسجل هو الأخر في منظومة evax الخاصة بتلقي تلقيح كوفيد19 ، قضَّى حياته في تربية الماشية في هذه المنطقة الجبلية على حدود ولاية قفصة . يقول إنه على 

على مدى سنوات طوال لم يغادر هذا المكان .وقضى عمره يراقب الزمن و قطيعه يتقلص عدده كل عام . 

“الكورونا أشعلت النار في الأسعار، قنطار النخالة ب 35 دينار  وثمن كيس الشعير فاق  60 دينار . يعني لا أطفالي ولا نعاجي قادرون على لقمة العيش” .

سجّل عدد رؤوس الأغنام المخصّصة لعيد الأضحى بولاية سيدي بوزيد ارتفاعا طفيفا هذه السنة مقارنة بالسنة الماضية ليبلغ 313 ألف رأس مقابل حوالي 290 ألف رأس سنة 2020، وفق ما أفاد به رئيس دائرة الإنتاج الحيواني بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بسيدي بوزيد محمد حمدوني.
ويقدر  عدد رؤوس الأغنام المخصصة لعيد الأضحى بحوالي 263 ألف رأس للبيع في بقية الولايات وحوالي 50 ألف رأس مخصصة للاستهلاك المحلي، وهي تقديرات قريبة جدا من العدد الصحيح نظرا لكثرة الزيارات الميدانية التي قامت مصالح دائرة الإنتاج الحيواني بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بسيدي بوزيد.

منطقة المعاذر/ولاية سيدي بوزيد-صورة لكشف ميديا جولية 2021

في إحدى الهضاب القريبة من منطقة المعاذر، و البعيدة عن معتمدية منزل بوزيان 17 كيلومترا يراقب “منوّر” قطيعه الصغير الذي أنهكه القحط هذه السنة . “منور” بسنواته الأربعين متزوج و له طفلان يعيش على هذا النشاط منذ زمن ليس بالهين . الوضع أصبح صعبا بسبب الكوفيد و تجربته مع إصابة زوجته بالكورونا جعلته يقر بأن أمثاله منسيون و لا حق لهم في الصحة أو في الحياة .

في الوقت الذي تم فيه إقرار الحجر الصحي الشامل في كامل ولاية سيدي بوزيد من 8 إلى 17 جويلية بسبب ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا وكذلك عدد المتوفين تواصل أسواق بيع الأضاحي نشاطها. 

ككل يوم أحد، يقصد “منور “سوق الڨلال و تحديدا “الرحبة”.هنا يلتقي الجميع :مربو الماشية والفلاح و”القشار” (الوسيط) و بعض من الذين يقومون بتسمين الخرفان لعيد الأضحى. قد تغيب الكمامة لدى الكثيرين وقد تتلامس الأيدي و تختزل المسافات ليصبح البروتوكول الصحي رهين سنتمترات لا معنى لها .

زوج ” ج م” قصد سوق القلال أيضا هذا الأحد .هو قرر أن يبيع 12 خروفا هي كل ما أنتجه قطيعه هذا العام . 

“باقي على العيد بضعة أيام ولم أتمكن من بيع خروف واحدا بسبب كساد في البيع والشراء، والظروف الصحية العصيبة التي تمر بها كل البلاد”.

منوّر مربي ماشية

لم يجد مربّو الأغنام في هذه المناطق خيارا أخر سوى الذهاب إلى هذه الأسواق رغم خطر العدوى بالكوفيد ،فالعيد على الأبواب ولابد لهم من بيع خرفانهم . الكوفيد هنا تبدو آثاره واضحة للجميع : على وجوه الناس وعلى الأسعار و على إيقاع ” الرحبة ” الذي كان أشبه باحتفال في زمن ما قبل الكوفيد.

و للعيد الثاني على التوالي ، ينصرف الناس في هذه المناطق البعيدة عن الاهتمام ،  إلى همومهم التي تتكرر في كل عام كانعدام  مواطن الشغل و غياب مرافق الصحة الضرورية و فقدان الماء الصالح للشرب . ليخوضوا مغامرة الحياة المحفوفة بالنسيان و الإهمال في وطن فتك به الكوفيد وعمق من ازمته الاقتصادية لتكون اولى ضحاياها هذه الفئات الهشة التي لم تلق أي دعم حكومي ولا اجراءات اجتماعية منقذة.


إشراف عام خولة بوكريم

تمت كتابة هذا المقال بصيغة حساسة للجندر

أنجز هذا العمل بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا