كشف حكومي


إجراءات منع التنقل بين المدن زمن الكوفيد تطيح بالحقوق المدنيّة للتونسيين

21/07/21

“تمثل حرية التنقل شرطا لا بد منه لتنمية الإنسان الحرة”و لكن في زمن انتشار الوباء كانت للصحة العامة قواعدها في فرض استثناء على حق التنقل، فمنذ اكتشاف أول حالة إصابة بكوفيد 19 في تونس توالت الإجراءات الوقائية و بلغت أوجها في فرض الحجر الصحي الشامل في أكثر من مرّة، و اقتضت الضرورة الصحية قرارات سياسية تمس بجوهر الحرية في بلد يشهد ديمقراطية ناشئة و لكن متعثرة .

شهادات مختلفة تلقيناها عند البحث في مبدأ التناسب بين حرية التنقل و السبب المقيّد لها و تأثيرها على حرية الفرد و المجموعة..فئات مختلفة التقيناها من بينهم المرأة العاملة والطالب والعامل في القطاع الخاص و الموظف .

إيناس (30 سنة) ، تعمل في المنطقة الصناعية سيدي عبد الحميد سوسة بإحدى المؤسسات المصدرة كليا، قابلناها في إحدى محطات الحافلات صباحا تترقب قدوم وسيلة نقل تقلها على الساعة السادسة صباحا نحو مقر عملها.كانت تترقّب رفقة عدد من العاملات و القلق ينتابهن من مخاوف تجاه عدم توفر وسيلة التنقل بموجب الحجر الصحي الشامل في محافظة سوسة الذي تم إقراره في شهر جويلية 2021.

كانت تتحدث إلينا إيناس بكل تشنج عن هذه الإجراءات غير المتسقة بين إعلان الحجر الصحي الشامل و تشبث المصانع الكبرى بضرورة العمل و عدم السماح للعاملات بالتزام البيوت من جهة  و عدم مراعاة إجراءات الحد من التنقل من جهة أخرى .

صورة كشف ميديا جويلية 2021/المنستير

“هشاشة العقد الذي يربطني  بالمؤسسة قد يجعل مني خارج الخدمة في صورة التزامي بالقرارات الحكومية و عدم مغادرة البيت في هذا الظرف الوبائي الخطير، و لكن تنقلي اليوم هو أمر لا أستطيع التراجع عنه لحفظ مورد رزقي الوحيد”.

البلاغات المتتالية لشركة النقل بالساحل و الشركة التونسية للسكك الحديدية و وزارة النقل خفضت من عدد الرحلات و اقتصرت على أوقات معينة مما خلق اضطرابا شديدا في التحاق عدد من الموظفين/ات و العملة المشتغلين/ات في قطاعات حيوية مستثناة من ضوابط الحجر الصحي الشامل، هذا التخفيض اعتبره العديد من مستقلي وسائل النقل العمومي تهديدا  باعتبار  عدم التناسب بين الإجراء الوقائي الصحي و التراتيب الإدارية التي لا تراعي ضرورة التخلف عن موقع العمل  و هذا ما يلحق ضررا بالفرد صحيا و مهنيا و ماديا.

أحمد يستقل يوميا سيارته الخاصة انطلاقا من مدينته التابعة إداريا إلى ولاية المنستير نحو مقر عمله في شركة خاصة بولاية سوسة.كان مروره يوميا ببوابات أمنية أمرا مزعجا بالنسبة إليه فيتعرّض إلى المساءلة في أكثر من مرة حول وجهته و إن كان يمتلك رخصة تنقل أو ما يثبت اشتغاله بقطاع حيوي مستثنى من الحجر الشامل ؟ 

 ” قرار الحجر الصحي الشامل في ولاية سوسة أرهقني من ناحية التنقل نتيجة عدم تمكيني من رخصة تنقل و عدم اختصاص أي جهة بتسليمي وثيقة من هذا النوع. التراتيب قد تركت صلاحيات واسعة للأمنيّ في الطرقات لتقدير السبب و الاجتهادفيسرّح من يشاء ويعاقب من يشاء ، و هذا الأمر يضعف العدالة بين المواطنين و يسمح بتجاوزات قانونية”.

و في هذا السياق تحدث  شاكر الغزواني مدير الإدارة الفرعية للطرقات بالحرس الوطني في تصريح صحفي عن “الحالات الاستثنائية التي لا يشملها قرار منع التنقل بين جميع بولاية الجمهورية الذي سيتم العمل به إلى آخر شهر جويلية و الذي يشمل  كلّ المرافق الأساسية والضرورية للمواطن، إضافة إلى استثناء كل من له ترخيص دقيق” .

 وأفاد االغزواني

 ” أن المواطنين الذين لديهم حجوزات بالنزل بإمكانهم التنقل، إذ الاستظهار بالحجز هو عبارة عن ترخيص “.

صورة كشف ميديا جويلية 2021

 و قد أثار هذا التصريح جدلا باعتبار ما يحمله من تناقض و يؤدي إلى عدم المساواة بين كافة المواطنين بالقانون حسب الاجراءات الترتيبية و يفتح باب الاجتهاد على مصراعيه ، كما أن اعتبار ” الاستظهار بالحجز في النزل بمثابة الترخيص” يفتح المجال نحو التشجيع على اشتغال قطاعات غير حيوية ( مرافق سياحية ) في حين أن  قهر الضرورة الصحية أطاحت بعدة قطاعات مهنية و تسببت في إفلاسها و الحد من أرباحها كالمطاعم و المقاهي..و بالتالي يضرب مبدأ المساواة في حق التنقل بين كافة المواطنين .

سوسة والمنستير ولايات متجاورة وصفر تنسيق!

“ريم” (25 سنة) إحدى العاملات في شركة مطاحن، تنتقل يوميا بين مدينة الساحلين و سوسة على متن المترو الخفيف الرابط بين مدن الساحل ، غير أن قرارا من والي المنستير يقضي بعدم توقف المترو في 4 محطات من بينها محطة الساحلين – المدينة من ولاية المنستير كان سببا في حرمانها من التنقل و كادت تفقد مورد رزقها ..

من جهتها، تعتبر ريم، 30 سنة، مواطنة من المنستير، أن القرارات السياسية  تطغى على جوهر المبدأ الوقائي الصحي في حالات عديدة و خاصة في ما يتعلق بالتنقل، و هذا ما نشهده  بين ولايتين متجاورتين مثل ولايتي المنستير و سوسة اللتين تشهدان تصاعدا مطردا في عدد الإصابات بكوفيد 19 و كذلك عدد الوفيات،  في الولايتين لا يتخذان إجراءات متجانسة بالتنسيق بينهما رغم الارتباط الاقتصادي و الاجتماعي الشديد بينهما، فلا يعني شيئا اعتماد ولاية المنستير حجرا صحيا موجها في كافة أنحاء الولاية في حين تعتمد ولاية سوسة حجرا صحيا شاملا .

و أضافت ريم 

” إن استغناء مترو الساحل عن 4 محطات من مجموع 32 محطة انطلاقا من سوسة في اتجاه المهدية إجراء غير مبرر و قد أضرّ بالمئات من المسافرين سواء في مدينة الساحلين أو انطلاقا من محطة مطار المنستير الدولي الذي شمله الاستثناء و أثر على هذا المرفق الحيوي الحساس “.

 شهادات عديدة أثبتت غياب مبدأ العدالة في التمتع بحق التنقل ضمن الإجراءات الصحية الوقائية ( الحجر الصحي الشامل و الموجّه ) و هو ما يمسّ جوهر الحرية في مجتمع مازال في طور الصراع من أجل إرساء دولة ديمقراطية تحترم مبدأ الإنصاف بين مواطنيها .

و هنا لابد من الإشارة إلى أن  الحكومة التونسية تستند في تطبيق الحجر الصحي الشامل وحظر التجول على الأمر 50 لسنة 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ والذي يمنح وزير الداخلية (في فصوله 4 و5 و6 و7) صلاحيات استثنائية تشمل حظر تجول الأشخاص والعربات وتحديد إقامة الأشخاص ومنع التجمعات دون وجوب الحصول على أذون قضائية مسبقة.

و لذلك لاحظنا الكم الهائل من حجوزات رخص السياقة والبطاقات الرمادية و رفع المخالفات على خلاف القوانين التي تنص عليها مجلة الطرقات وهو ما يدفعنا إلى المناداة بتقنين مخالفات الحجر الصحي و درء باب الاجتهاد الذي يفتح باب الفساد و المحسوبية على مصراعيه و يطيح بالمساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات.

كما سجلنا خلال الموجة الثانية لانتشار وباء كورونا إصدار الولاة لقرارات حظر التجول لا تجد تبريرها في الأسباب التي قادت للإعلان عن حالة الطوارئ، فبينما أصدروا تلك القرارات بهدف مجابهة الوباء بالاستناد إلى الفصل الرابع من أمر 1978  في حين أن حالة الطوارئ تم الإعلان عنها لأسباب أمنية لا لأسباب صحية . 

إن عزل مناطق بعينها اعتمادا على الفصل السادس من أمر 1978 ( قانون الطوارئ ) يعتبر مخالفا للفصل 49 من دستور 2014 باعتبار أنه لا يضبط طبيعة الاجراءات الي يمكن اتخاذها داخل المناطق المعزولة لتنظيم حركة النقل “وهو ما يطلق سلطة الإدارة في تضييق حرية التنقل بشكل مشطّ لا يتلاءم مع مقتضيات مبدأ التناسب و يمثل خرقا واضحا لمقتضيات الفصل 49 من الدستور ” وفق دراسة نشرها مجموعة من الخبراء حول الحقوق المدنية والسياسية على ضوء الفصل 49 من الدستور.  


إشراف عام خولة بوكريم

تمت كتابة هذا المقال بصيغة حساسة للجندر

بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا