كشف


انتظارات كبيرة من سعيّد ومخاوف مشروعة على حريّة الإعلام

21/08/04

 

بقلم رئيسة التحرير

على الرغم من مرور أكثر من أسبوع عن  إعلان التدابير  الاستثنائية طبقا للفصل 80 من الدستور التونسي ، لم تلح إلى حد اللحظة خارطة  طريق توضح ملامح المرحلة المقبلة. هذه التدابير التي ستستمر من المفترض شهرا وقريبا ما يشارف على نهايته ولا يعلم التونسيون إلى حد اللحظة، ماذا بعد تجميد البرلمان، وهل سيعود للعمل أم ستجرى انتخابات تشريعية مبكرة، أم أن الأمر خاضع لأهواء رئيس الجمهورية قيس سعيد التي قد تقود لمفاجآت أكبر من التي سبقتها. 

انتظارات كبرى من سعيّد

جاءت قرارات سعيد في وقت حاسم طالبت فيه حركة النهضة رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي سرعة تفعيل ما يسمى بصندوق “الكرامة” لصرف التعويضات لضحايا ما يعرف بحقبة الاستبداد، والممتدة منذ الخمسينات وحتى أواخر فترة حكم الرئيس الراحل بن علي. وهؤلاء هم من مختلف المشارب والحساسيات السياسية والأيديولوجية.  خطاب رئيس مجلس شورى  حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني أمام مقر رئاسة الحكومة أياما قبل 25 جويلية،  أثار ضجة كبرى حول أحقية “النهضاويين” تحديدا في أموال التعويضات، وثار الجدل أكثر في شأن حزب حاكم يسعى للحصول على مليارات في ظل جائحة كشفت انهيار المنظومة الصحية الحكومية، وأزمة مالية واقتصادية خانقة تعيشها تونس تحت وقع تراكم الديون للخارج.

قرارات سعيّد التي يعتبرها بعض المراقبين رداًّ على الهاروني وتحويل بوم 25 من يوم “للاحتفال” بالحصول على التعويضات الى يوم تجميد كلي للسلطة الأبرز في البلاد، ألا وهي السلطة التشريعية. لكن من الضروري ان يتحرك سعيد بسرعة تجاه  تفكيك شبكة “تمكين” واختراق حركة النهضة لمؤسسات وأجهزة الدولة بالتحالف و”المصالحة” مع رموز ولوبيات الفساد المالي والسياسي القديمة والجديدة. مطلب شعبي يؤيده الناشط الحقوقي وعضو المكتب التنفيذي للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب شكري لطيف.

رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني

ويرى لطيف أنه حان الوقت الآن لكشف ملفات الارتباطات و الاصطفافات الخارجية المشبوهة لحركة النهضة وزجها بتونس في محاور رجعية إقليميا و توسعية دوليا .

شبهات كثيرة تحوم حول حزب حركة النهضة من بينها ملفات الاجهزة  الخاصة السرية للحركة، والتي أثارتها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد والابراهمي، والمتهمة من قبلها بالمسؤولية عن الاغتيالات السياسية في تونس وعن الضلوع في تسفير الاف “الجهاديين” التكفيريين للعراق وسوريا وليبيا.

قيس سعيد مطالب اليوم كذلك بكشف ملفّات التمويلات الاجنبية الخليجية والغربية وتبييض الأموال والنهب  الذي حوّل قياديّي حركة النهضة في فترة وجيزة الى أصحاب ثروات خيالية طائلة .

كل هذه الملفات التي بات يتساءل بشأنها مراقبون، وعن ان كانت موردة في خطة قيس سعيد “الانتقالية” بعد التجميد تعتبر مطلبا شعبيا ملحا بعد عشرية سطو الحركة على السلطة في تونس.

ويقول شكري لطيف في هذا السياق

“يجب استرداد  ثورة الشعب التونسي من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، بعد ان  حولت وجهتها حركة “النهضة، لصالح أعدائها  الداخليين والخارجيين.

مخاوف على حرية التعبير والصحافة

غموض المشهد السياسي الحالي في تونس، وعدم وضوح الاتجاه الذي تسير فيه البلاد، لا يختلف عن غموض رؤية قيس سعيد تجاه حرية الصحافة والإعلام، خاصة بعد حادثة إيقاف فريق الصحفيين العامل بجريدة نيويورك تايمز، في حي التضامن، أكبر الأحياء الشعبية بالعاصمة.

ولربما كانت الحادثة ستمر مرور الكرام بعد ان تم اطلاق سراح الصحفيين بعد أن استجوابهم لبرهة لولا إصرار سعيد على لقائهم وتقديم الاعتذار لهم، والتأكيد على أن تونس دولة ديمقراطية تعيش أحداثا سياسية هامة وليس انقلابا كما يتم الترويج له.

إلا أنه ربما ما لم يكن في حسبان الرئيس، هو أن الصحفية فيفيان يي، من فريق “نيويورك تايمز” المذكور،  لن تعتبر الاستدعاء لمجرد الاعتذار عن موقف الإيقاف، حجة لمنعها من السؤال عن اي شيء يجول في تفكيرها ولا أن تجبر على سماع خطبة يلقيها الرئيس التونسي من الدستور الأمريكي وفق ما جاء في نص مقالها المنشور في الثاني من أغسطس الجاري.

.ولربما ما أتاه سعيد مع فريق الجريدة الأمريكية لاقى دعما من بعض الصحفيين الذين اعتبروا ان اللقاء لم يكن مبرمجا منذ البداية على انه لقاء صحفي، بل هدفه كان الاعتذار. استهجنوا حتى تدوينة فيفيان واعتبروها إساءة ومبالغة في حق الرئيس. إلا أنه من جهة أخرى لم يكن مستغربا .حيث تعود الرئيس التونسي على إلقاء الخطب على كل ضيوفه دون ان نرى تفاعلهم او نسمع صوتهم خلال اللقاءات المسجلة التي تنشرها الصفحة الرسمية لمؤسسة رئاسة الجمهورية عبر الفيسبوك. علاوة الى ان سعيد لم يتحدث الى الصحافة والإعلام التونسيين منذ فترة طويلة وقد تتجاوز السنة، حيث تمت استضافته في التلفزيون الرسمي 100 يوم بعد حكمه.

حتى الزيارات التي يقوم بها عادة ما تكون فجائية او تلتقطها مؤخرا ‘بالصدفة’ شاشة العربية الحدث والتلفزيون الرسمي تارة في مركز التلقيح بالعاصمة او فب شارع الحبيب بورقيبة فجر 26 جويلية.

مهدي بن عمر مدير تحرير اذاعة الديوان التونسية ، علق قائلا “تحولت صفحة رئاسة الجمهورية إلى ميديا قائمة بذاتها  تخاطب الجمهور بطريقة مباشرة  و هذا نتيجة لقطيعة شبه تامة بوسائل الإعلام التقليدية”. واعتبر بن عمر تدريب الجمهور على العزوف  عن متابعة التقارير الصحفية في علاقة ب أخبار مؤسسة الرئاسة  و تدريبه على  إستقبال الرسائل “الاتصالية” الخام مباشرة دون معالجة صحفية قد يحول جملة الرسائل المقدمة الى ‘”مقدسة” لا تخضع لمنطق التحري. 

الصحافي بوكالة الأنباء الألمانية، طارق القيزاني انتقد بدوره الأداء الاتصالي لرئاسة الجمهورية قائلا إن ما تقدمه صفحة رئاسة الجمهورية بات خليطا من المعلومة والدعاية الموجهة”.

سياسة رئاسة الجمهورية على الرغم من تعرضها لانتقادات كثيرة من قبل الصحفيين التونسيين من قبل 25 جويلية تاريخ القرارات “الاستثنائية” وعلى الرغم من تعهد سعيد بعد ذلك التاريخ باحترام حرية التعبير والصحافة وحق النفاذ الى المعلومة، إلا أن مؤسسة الرئاسة ماضية في الانغلاق على نفسها، قاطعة اي بصيص امل في التغيير والانفتاح بشكل شفاف مع وسائل الإعلام، خاصة في ظل شغور خطة مكلف بالتواصل مع وسائل الإعلام وغياب متحدث رسمي باسم الرئاسة.