كشف معلومة


الشباب المعطَّل في قفصة: وجدنا في التطوّع منفذًا مؤقتاً لتجاوز معاناة البطالة!

21/08/05

يعتبرٌ العمل التطوعي من هم الروافد الدالَّة على تقدّم الدول ووعي شعوبها وتعبيرا عن مدى الوعي والرشد الذي وصل إليه المجتمع، وفي الأزمات يصبح العمل التطوعي القاطرة التي تعتمد عليها الدول للحد من تداعيات الكارثة. إلا أن العمل التطوعي في ولاية قفصة جنوب غربي تونس، وجد من خلاله الشباب المعطل عن العمل، طريقا للنسيان المؤقت لمعاناته من جهة، ومنفذا لمساعدة الآخرين والشعور بالفخر والاضافة لمجتمعه من جهة أخرى.

ولعلَّ منى نصيب 30 عاما، هي إحدى الفتيات اللاتي تطوعن لخدمة جهتها قفصة، أثناء بداية الجائحة وتواصلت إلى الآن. منى عزباء، و معطلة عن العمل متخرجة من الجامعة منذ 2015 اختصاص القانون الخاص.

منى نصيب، 30 عاما، جامعية متخصصة في القانون الخاص

تقول   لـكشف:

 “بدايتي كانت مع برنامج جسر للتطوع، كمتطوعة في مركز تجميع التبرعات في حي الشباب بوسط مدينة قفصة،  التطوع بالنسبة لي عشق كبير، فالموضوع لا يحتاج إلى تفكير وقد تعلمت أيضا من الكشافة التونسية الكثير.

لم تتردد منى كثيرا لتكون ضمن الأوائل اللواتي تطوًّعن منذ انتشار جائحة كوفيد-19 في مارس 2020، فهي تعدٌّ من بين الناشطات في المجتمع المدني في جهتها، رغم خوفها الذي كان يلازمها يوميا   نقل العدوى الى عائلتها المكونة من ثماني أفراد، منهم من يعاني  من مرض مزمن، و نقص مناعة ولكنَّ هذا الخوف عمَّق لديها الشعور بالمسؤولية تجاه الكثيرين. 

وتقول منى إن “الكورونا” عمقّت أزمة البطالة التي تعيشها فقبل “كوفيد “وفي الأيام العادية كانت تتدبر مصروفها اليومي رغم أن لا مورد رزق قار لها ،إلا أنها  كانت  تسعى في كل الاتجاهات المتاحة، وتحصل على بعض المداخيل  اليومية من خلال بيع  مواد التجميل التي تقتنيها من الأسواق.

منى أثناء تطوعها مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

“كنت أنا من يتنقل من حريف/ة إلى آخر وأحيانا  أقدم خدمات أخرى كاستخراج بعض الوثائق الإدارية بالنيابة عن أصحابها   اعتمادا على خبرتي ودرايتي في القانون الخاص”.

تؤكد منى أن هذه الأعمال ولو كانت بسيطة كانت تؤمن بعض المدخول لمجابهة  الصعوبات المالية وعبء المصاريف اليومية، لكن في ظل انتشار جائجة الكوفيد وتتالي فترات الحجر الصحي الشامل والموجه،  تدهورت حالتها الاجتماعية وهي المسؤولة عن تأمين احتياجات قريبها من أدوية وعلاج وعلى الرغم هذا تقول منى:

 “ربما نجد في مساعدة البعض راحة نفسية فحين نساهم في نشر الفرح وتقديم المساعدة للغير بالتأكيد نحن نساعد أنفسنا”.

 ما بقي عالقا في ذهن منى ،حكايتها مع إحدى النساء ،التي التقتها لأول مرة في إحدى المدارس الابتدائية حينما كانت تشرف على تجميع الوثائق لتسجيل المستحقين  لمنحة 200 دينار التي أقرتها الحكومة في أفريل 2020، أثناء الموجة الأولى. ثم عادت وقابلتها في مركز البريد وكانت منى وقتها متطوعة لتنظيم صفوف كبار السن، فقالت لها السيدة:

اقرأ أيضا عن التشغيل في قفصة

“بنيتي أنت كجذع شجرة أصيلة، كلما قطعوها من مكان إلا وظهر في مكان آخر”.

وقد لا تختلف قصة منى كثيرا عن منيرة حامد، المتخرجة منذ سنة 2009 والتي تعاني منذ لك التاريخ من البطالة. الجميع في قفصة المدينة بات يعرفها وهي من الأوائل الذين قرّروا الإعتصام أمام ولاية قفصة للمطالبة بالشغل.

تقول منيرة لكشف: 

“قمت بالعديد من التحركات الاحتجاجية منذ جانفي 2019 والاعتصامات منها اعتصام أمام مقر رئاسة الحكومة بالقصبة و اعتصام أمام مجلس نواب الشعب باردو و اعتصامات متتالية في مقر الولاية قفصة”.

منيرة أثناء اعتصام بمقر ولاية قفصة

منذ أكثر من سنتين وهي تنتظر نتائج مناظرة توظيف في شركة البيئة بجهتها، ولكنَّ ظهور فيروس كوفيد عمّق مأساتها، فأصبحت إجابة السلطة لها كالتالي “للأسف الوضع لم يعد يسمح بإعلان النتائج، لنا اهتمامات أخرى”.

تقول منيرة:

“ليس سرًّا أنني أعيش ضمن عائلة معوزة، أمي امرأة تبلغ من العمر 88 سنة وهي كفيفة وتشكو من مرض مزمن، وكذلك ابي، كنتٌ أود لو كانت مداخيلي تكفي علاجهما، لكن هذا الحلم البسيط يصعب تحقيقه”.

كانت منيرة تخرج كل يوم للاعتصام أمام مقر ولاية قفصة للمطالبة بالشغل ولكن مع الحظر الصحي الشامل وانتشار فيروس كوفيد19 أصبحت تخرج في أوقات معينة وأقل بكثير من ذي قبل، وعندما تسألها والدتها لما لم تخرج للعمل، كانت تخبرها عكس الحقيقة.

“نعم كنت أكذب عليها وأقول لها أنني اشتغل في الولاية، في  حين كنت اعتصم أمامها للمطالبة بالشغل ولكن كوفيد حرمني الشغل و حتى المطالبة به”.

يذكر أن المئات من حملة الشهادات الجامعية وغيرهم، تظاهروا في جوان 2020 بوسط مدينة قفصة، مندّدين بتواصل تجاهل السلط الجهوية والمركزية لمطالبهم. كما تم وقتها توجيه استدعاء للعشرات منهم للمثول لدى باحث البداية بفرقة الأبحاث والتفتيش بالقصر.  وهو ما نددت به الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. ودعت الى عدم التعاطي مع المطالب الاحتجاجية المشروعة بالقضاء والأمن.

وتشيرٌ آخر الأرقام التي نشرها ديوان تنمية الجنوب وهو مؤسّسة عموميّة تعنى بالنّهوض بالاستثمار وإعداد ومتابعة المخطّطات التنمويّة بولايات إقليم الجنوب التونسي أن نسبة البطالة في ولاية قفصة سنة 2019 بالنسبة لحملة الشهادات العليا وصلت الى 55.4في المائة  و36.3 المستوى الثانوي و7.8 مستوى ابتدائي. ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام قد ارتفعت خلال 2020 بسبب آثار جائحة كوفيد19. حاولت كشف الحصول على أرقام دقيقة من السلط المحلية في جهة قفصة لتلك السنوات لكن تعذر عليها ذلك.

حسين حفيظي، شاب من مدينة الرديف التابعة لولاية قفصة، 38سنة اعزب لم ينه تعليمه الثانوي لظروف اجتماعية قاهرة، ولكنه انخرط في العمل الجمعياتي مما جعله يحظى بمحبة وتقدير الجميع.

شارك هو الآخر في عشرات الاحتجاجات والاعتصامات من أجل التشغيل. و حاول بدوره التطوع مساعدة أهالي جهته عبر توفير مكثفات الأكسجين. حيث شهدت ولاية قفصة في الآونة الأخيرة شهدت   نقصا حادا في الأكسيجين وهو ما كان عبّر عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد في أحد خطاباته الأخيرة. مشيرا إلى أنه عمل كل ما في وسعه لتوفيره في حين كان هناك من يخطط ويتآمر على حد تعبيره.

ولأن حسين حاوطه  شعور كبير بخطورة الموقف الذي تعيشه مدينته في ظل ضيق تنفس سكانها، فقرَّر تنظيم حملة لجمع الأموال بغيى شراء آلة مكثف الأكسيجين. مبادرة جاءت بعد دعوات المواطنين/ات  له للتحرك في هذا الاتجاه، لأنه سبق وشارك في عدة حملات تطوعية في السابق.

حملة “العشر آلاف” (عشرة دنانير) هو عنوان الحملة التي أطلقها حسين وتتمثل في دعوة أصدقائه للتبرع بمبلغ عشر دنانير على الأقل لتجميع ثمن مكثف الأكسجين.

الحملة لاتزال متواصلة إلى الآن وقد تمكن حسين من جمع مبلغ مالي يتجاوز 6 آلاف دينار تسلَّم منها المستشفى المحلي بالردّيف مبلغ ألفي دينار لخلاص مستحقات إحدى الشركات المزودة لمادة الأكسيجين 

الأموال التي جمعها حسين لشراء مكثف الأكسجين

يقولٌ حسين:

” بعد أن انتشر خبرٌ الحملة اتّصل بي أصدقاء من المستشفى المحلي بالرديف يطلبونَ مني أن يتم تخصيص جزء من الأموال لسداد مستحقات الشركة المزودة وبدل ان ينتفع شخص وحيد بالأكسيجين يصبح الأمر متاحا لأكثر من شخص.

الالتزام بالمواطنة والمشاركة والمساهمة في الأعمال التطوعية، يسهم في إنشاء جيل معتز بنفسه وقادر على حماية الوطن ولكن العمل التطوعي لا يجب أن يقوم مقام الدولة، وعلى هذه الأخيرة توفير حقوق مواطنيها من شغل وصحة وتعليم،  والحرص على تأمين متطلباتهم الحياتية.


إشراف عام خولة بوكريم

بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا