21/08/07
ألقت جائحة كورونا بظلالها على الوضع الصحي بصفة عامة في ولاية القصرين ، وكشفت ضعف البنية التحتية ونقصا حادا في التجهيزات والمعدات الطبية وانعدامها في أغلب الأحيان او توفرها بعدد غير كاف في مواجهة هذا الوباء الذي أرهق اعتى الدول المتقدمة ، مما انعكس سلبا على منظومة الصحة العمومية في الجهة و قلّص من نسبة انتفاع المرضى بالخدمات الصحية.
هذا بالاضافة الى النقص الفادح في الموارد البشرية وخاصة الأطباء وما يقابله من ارتفاع في عدد الوافدين على المستشفى الجهوي الوحيد في ولاية تعدّ قرابة 500 ألف ساكنا ، ظل مطلبها الوحيد لكل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة هو تحويله إلى مستشفى جامعي، وذلك لتوفير خدمات صحيّة جيّدة قريبة من المواطن بدلا من عبء التنقل خارج الولاية للتداوي.
م – ب امرأة في العقد الرابع من عمرها ، تحمل في يدها مجموعة من الأوراق الطبية وبعض الدوية ، تظهر على ملامحها علامات التعب والألم منذ ان تراها للوهلة الاولى ، ورغم ذلك بادلتها الابتسامة وتحدثت إلينا بشيء من التذّمر القلق من البطء في الإجراءات الطبية والخدمات المقدّمة.
“أتردد بشكل دوري على المستشفى الجهوي باعتباري أشكو من مرض مزمن ، وأتنقّل بإستمرار من أحواز مدينة القصرين لتلقى الفحوصات اللازمة ومتابعة حالتي الصحية”.
إلاّ أنها ككل مرة تقضي وقتا طويلا في الانتظار ممّا جعلها تفكّر في الانقطاع وعدم المواظبة، و أرجعت ذلك إلى العدد الكبير من الوافدين/ات على المستشفى وما ترتّب عنه من ضغط على الاطار الطبي جرّاء جائحة كوفيد19 ، التي تسببت في تأجيل المواعيد عدّة مرات ، وغياب الإطار الطبي في بعض الأحيان بسبب تلقيه للعدوى بالفيروس، أو إلى الاستنجاد به لتعزيز أقسام الكوفيد أو في حملات التلاقيح التي تقوم بها مصالح الصحة بالجهة .
يقول رئيس قسم الخدمات الاستعجالية بالمستشفى الجهوي بالقصرين و كاتب عام مساعد النقابة الوطنية للأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة الشاذلي المقصودي:
” لدينا نقص فادح الفادح في أطباء الاختصاص والأطباء والأطر الشبه طبي عموما في جهة القصرين، والذي زادت جائحة كورونا من تعميق أزمته، إذ اثقلت كاهل الأطباء المباشرين لمهامهم وانهكت مجهوداتهم بالنظر الى ارتفاع عدد المرضى ، الذين ولّد لديهم ضغطا يوميا “.
مضيفا انه توجّه منذ فترة الى السلطات المعنية لمعالجة هذا الإشكال في أقرب الآجال والتي سعت وتسعى بدورها وفق تعبيره إلى تلافي مشكلة النقص الفادح في الإطار الطبي ، وقال المقصودي في نفس السياق أن المستشفى الجهوي بالقصرين يعمل بمعدّل طبيب انعاش واحد لما يقارب عن 60 مريضا منذ بداية الجائحة .
زهير مباركي شاب في عقده الثالث أصيل معتمدية ماجل بالعبّاس الحدودية التي تبعد عن مدينة القصرين قرابة 60 كلم والذي وجدناه ينتظر على أبواب المستشفى ، قال إنه تنقّل منذ يومين إلى مدينة القصرين لمرافقة شقيقه للعلاج ، ومازالت إلى حدود اليوم لم تكتمل رحلة الانتظار. بسبب غياب الطبيب المباشر لحالة شقيقه والذي علم لاحقا أنه في عطلة سنوية، دون أن يتم تعويضه بطبيب آخر لعدم توفّر طبيب مختصّ في الأمراض الصدرية.
“الوضع الصحي في الأيام العادية متردي جدا بل وحتى كارثي ، والمواطن يعاني الويلات من الخدمات الصحية المقدمة، فما بالك بما تعيشه الجهة اليوم في ظل جائحة كورونا ؟ وفي ظل افتقار المستشفى إلى أقسام الاختصاص والاطار الطبي والاكتظاظ الذي يشهده وغياب التجهيزات والمعدات” .
وخلال زيارة فريق “كشف ميديا” الى المستشفى الجهوي بالقصرين لاحظ الحالة الكارثية للبنية التحتية وتراكم الأوساخ في عدة أماكن، اضافة الى طوابير من المواطنين تنتظر دورها في العلاج يوميا، يتوزّع عدد منها في أنحاء مختلفة داخل وخارج المستشفى وعدد من الصفوف الاخرى ينتشر بشكل فوضوي أمام مكتب الطبيب بقسم الخدمات الصحية الاستعجالية وبعض الاقسام الاخرى التي تستقبل المرضى بإمكانيات ضعيفة جدا ، انهكتها جائحة كورونا وكشفت عيوبها وضعف جاهزيتها في مجابهة هذا الوباء .
من جهته أكّد الناشط بالمجتمع المدني ورئيس الهلال الأحمر التونسي بالقصرين الشمالية حاتم اللبّاوي، أنه وبحكم التردد الشبه يومي على زيارة المستشفى الجهوي بالقصرين قسم الاستعجالي وأقسام الكوفيد لمعاينة الوضع الصحي و معاضدة مجهود الإطار الطبي خلال جائحة كورونا .
النقص الكبير في الإطار الطبي والشبه طبي ، انجرّ عنه نقص مردودية الخدمات ، وأدّى في بعض الأحيان إلى تعكّر عدة حالات وارتفاع عدد الوفيات. لكن رغم الظروف المهنية القاسية والمجهودات المبذولة ، فإن ارتفاع عدد المرضى تغلّب على عدد الأطباء المباشرين للحالات التي يستقبلها المستشفى يوميا بالعشرات، والتي بلغت في أكثر من مرة لـ 100 مريض على طبيب واحد ، بل بلغ الأمر بالمستشفى الجهوي بالقصرين ان يعمل دون أي طبيب يوم عيد الأضحى ، بعد أن اضطرّ الطبيب الوحيد المباشر لعمله في تلك الفترة للغياب اثر وفاة والده .
ويقول حاتم اللبّاوي في هذا السياق إنَّ الوضع الصحّي في ولاية القصرين يزداد سوء يوم بعد يوم ، أمام تزايد عدد الإصابات وعدد الوفيات بفيروس كورونا وما يقابله من عجز على مجابهة هذا الوباء في ظل نقص الأطباء. ويضيف:
“يضطرّ طبيب واحد للإشراف لعدّة ايام على نفس القسم ، بالإضافة الى مشكل الإطار الشبه طبي من المتعاقدين والذين لم يحصلوا على مستحقاتهم مما دفع بعدد منهم إلى الانقطاع عن العمل”.
ودعا في ختام تصريحه ” لكشف ميديا ” وزارة الصحة إلى تدعيم المستشفى الجهوي بالقصرين والمؤسسات الصحية بالجهة عموما بإطارات طبية لتخفيف الحمل على العاملين بالقطاع الصحي وتحسين مردودية الأداء في مجابهة هذه الجائحة .
على الرغم من استكمال خمسة أقسام جديدة تم إحداثها بالمستشفى الجهوي بالقصرين (مازالت مغلقة لعدم توفّر الأطباء والتجهيزات ) قدّرت تكلفتها الجملية بـ 14 مليون دينارا دون اعتبار التجهيزات ، والتركيز النهائي للمخبر البيولوجي وآلة التصوير بالرنين المغناطيسي، و بعض المساعدات التي تلقاها المستشفى الجهوي من عدة جمعيات ومن رجال أعمال من أبناء الجهة المقيمين خارج أرض الوطن وحملات التبرّع التي نظمها اهالي القصرين ، يبقى النقص الحاد في الاطار الطبي والشبه طبي العائق الأكبر لجودة الخدمات الصحية في الجهة .
بدعم من منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا