21/08/10
جاء في الوثيقة التوجيهية التي أصدرتها الجمعية التونسية للصحة الإنجابية في 2017 تحت عنوان “آلية عملية المتابعة والتوثيق والإعلام الخاص بالحقوق الجنسية و الانجابية في تونس” أن الحق في الرعاية الصحية الانجابية الجنسية و الحق في النفاذ الى وسائل منع الحمل و الاجهاض هي حقوق مضمونة غير أن النفاذ الى هذه الخدمات مرتبط بالمحيط، حيث يوجد المستفيدون وحالتهم الاجتماعية و الاقتصادية من الأوساط الحضرية وشبه الحضرية والريفية
وفي هذا السياق تشير المعطيات إلى تمايز كبير في الولوج إلى الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية خاصة في المناطق المعزولة وفي الأرياف التي قد لا تتوفر فيها مراكز للصحة الاساسية
في هذا التقرير ترصد “كشف ميديا” ملامح التمييز في هذا الشأن و مدى تأثير انتشار جائحة كوفيد19 على الخدمات الصحية المرتبطة بالصحة الانجابية لديهن.
في أحد الأرياف المعزولة في ولاية سيدي بوزيد ، تحاول ” و .ب” أن تتجنب الحديث عن تجربتها مع الاجهاض . تزوجت هذه الشابة منذ عامين عن عمر يناهز الثلاثين عاما . ظلت تنتظر مولودها الأول .
لم يكن الحمل الأول سهلاً بالنسبة لي، هي التجربة الأولى ولا أعرف شيئا عن التغيرات التي ستحصل لجسمي . أنا لا أعرف كيف سأتصرف على الرغم من أن والدتي أنجبت سبعة أطفال إلا أنها لم تفدني بشيء .
في افريل 2020 ومع فترة الحجر الصحي الشامل بسبب انتشار الكوفيد، ظلت ” و.ب” شهرا كاملا في بيتها دون القيام باستشارة ” القابلة” .إذ أن مركز الصحة الأساسية لم يعد يؤمن العيادة الأسبوعية ولا يمكن لها أن تزور طبيبا مختصا في أمراض النساء و التوليد بسبب بعد المسافة وكذلك الخوف من هاجس ” الكوفيد “.
تقول “و .ب” :
مات طفلي الأول في بطني دون أن اعرف ذلك .أحسست فقط بارتفاع في ضغط الدم ومغص قاتل. أخذني زوجي إلى المستشفى البعيد عن منزلنا أكثر من عشرين كيلومترا فوق دراجة نارية ” فورزا”. هناك بين الخوف و عدم فهم ما يحدث لي، فقدت طفلي الأول .ومازلت إلى الآن لم أتجاوز تلك الصدمة .
” و .ب” مثال لعديد من النساء اللواتي فقدن جنينا أو تعكرت صحتهن أو أصبن بأمراض لغياب ثقافة عن الصحة الإنجابية والجنسية لديهن والأسباب متعددة أولها البعد عن مركز المدينة و عن المستشفيات بأطبائها ومختصيها، سبب ثان عمق المشكلة في زمن الكوفيد وهو غلق مراكز الصحة الأساسية في الأرياف مع غياب المعرفة المسبقة لدى كثير من النساء اللاتي ليس لهن تحصيل علمي.
تقول ” سمر” ( اسم مستعار)23 عاما، :
كان عمري 12عاما في ذلك اليوم .كنت أعمل مع أمي في ضيعة نجمع البازلاء “الجلبانة”. كانت تجربتي الأولى مع العادة الشهرية وحين سألت أمي عن هذا الشيء الغريب الذي يحدث لي لأول مرة ، سألتها فلم تجبني ، اكتفت بجمع أكياس “الجلبانة”بتوتر و نهرتني بألاَّ أتحدث عن هذا “العيب” مجددا .
ظلت هذه الفكرة تلاحق ” سمر ” و اكتشفت فيما بعد أن الهياكل الرسمية و البرامج التعليمية والإعلامية وغيرها لم تؤسس لثقافة الصحة الإنجابية والجنسية لدى الكثير من النساء.
التحقت سمر بكلية الطب في 2020 وهي تعتقد أن مهمتها ستعنى بالنساء العاملات في الأرياف والفتيات اللاتي لم يحظين بثقافة كافية حول الصحة الإنجابية والجنسية .
تقول ” سمر” :
الإجهاض الجنس غير الآمن و الحمل غير المتوقع والأمراض التي تنجر عن كل ذلك هي كلها نتاج لإهمال تتحمله نساء الأرياف والمناطق النائية، خاصة الأميات منهن و صاحبات التحصيل العلمي المتوسط” .
و قد أكدت حياة لطيفي رئيسة جمعية النساء أولا بسيدي بوزيد لـ “كشف ميديا” أن الصحة الإنجابية زمن الكوفيد، أصبحت حاجة ملحة زمن الكوفيد. وقد تدخلت هذه الجمعية في منطقتي السبالة و سيدي علي بن عون من ولاية سيدي بوزيد، لتقديم خدمات الرعاية والإرشاد لأكثر من 600 امرأة في إطار مشروع تتبناه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حيث تم التدخل في قسم الولادات بالمستشفى المحلي بالسبالة و القيام بكشف عن سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم للعديد من النساء.
و تواصل مثل هذه الجمعيات العمل على الاقتراب أكثر من النساء في المناطق النائية في فترة الكوفيد مع الحرص على تقديم المساعدة لمن يحتاجها منهن.
عدة منظمات وجمعيات تونسية نؤكد أن الصحة الإنجابية للنساء بتونس تشهد تدهورًا خطيرًا فقد أظهرت نتائج المسح الذي المعهد الوطني للإحصاء الصادر في 25 جوان 2019 أن معدل التغطية بوسائل منع الحمل انخفض من 62,5 إلى 50,7 في المائة في ظرف 6 سنوات. كما انخفض معدل تلبية الاحتياجات المتعلقة بمنع الحمل من 90 إلى 71,9 في المائة في نفس الفترة.
هذه المعطيات تتأكد بملاحظة تراجع نسق عيادات الصحة الإنجابية خاصة في فترة الكوفيد حيث أن العمل في مراكز الصحة الأساسية في الأرياف خاصة توقف في فترة الحجر الصحي في 2020 وعاد ليؤمن زيارة واحدة في الأسبوع .وحسب وزارة الصحة التونسية فإن هذه المراكز تقوم بعدة أدوار منها، معالجة الأمراض العادية ورعاية صحة الأم والطفل بما في ذلك خدمات التنظيم العائلي و مراقبة الأمراض المنقولة والمعدية والوقاية منها وخاصة عن طريق التلقيح وجمع واستغلال المعطيات الصحية والوبائية.
وتقوم المندوبية الجهوية للأسرة والعمران البشري بسيدي بوزيد بأنشطة تثقيفية حول الصحة الإنجابية والجنسية و أمراض النساء مثل سرطان الثدي في عدة مناطق من الولاية إلا أن ذلك غير كاف حيث أن النساء في بعض الأرياف لا تصلهن هذه الحلقات التوعوية والأنشطة المتعلقة بالصحة الإنجابية . في زمن الكوفيد تعمقت مشكلة الصحة الإنجابية للأمهات اللاتي يعشن في الأرياف، لتجد الكثير من النساء و الفتيات أنفسهن على هامش الاهتمام ودون معرفة بكل بما يتعلق بحياتهن الجنسية وتفاصيل الصحة الإنجابية ، ليبقى الخطر قائما في فترة الكوفيد وما بعدها على حياتهن وعلى حياة جنين كتب له القدر أن يرى النور في زمن الفيروسات وفي أمكنة لم تنصفها جغرافيا الوطن، مثلما أهملت من سكن هناك منذ زمن بعيد .
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا