كشف حكومي


عاملات المغازات الكبرى بين حصار التحرش والاستغلال الاقتصادي

21/08/12

هنا “كارفور” إحدى عمالقة ماركات المساحات التجارية الكبرى و من المتوزعين على كامل الجمهورية التونسية، أين تعمل سرب من العاملات لساعات طوال مثل خلية النحل التي لا تهدأ، سواء في ترصيف السلع أو عرضها، إرشاد الحرفاء، وحتى التنظيف. منهن من تقف على أبواب المغازات لتفقد حقائب الحريفات لدواع خاصة بالسلامة. أمَّا أمينات الصناديق اللواتي يجلسنَ الساعات الطوال وهنَّ يمرّرن سلعَ الحرفاء دون كلل، وتركيزهن منصب على عد الأموال يتعرضن اثناء عملهن لشتى انواع التحرش المادي و اللفظي، مثلما حدث مع أمينة صندوق فرع مغازة كارفور بلافاييت بالعاصمة تونس حيث عمدَ حريفان الى التحرش لفظيا بها و تهديدها بانتظارها خارج المغازة.

 و بينما كانت الناجية من الحادثة،  تحت وقع الصدمة النفسية مما حصل، عمد المعتديان الى تكرار الفعل مرات عديدة وعندما كانت أمينة الصندوق في حالة من الصدمة و الذعر الباديان على وجهها كما أفادت إحدى الناشطات الحقوقيات،  اللواتي تدخلن حسب تصريحهن لـ “كشف ميديا”  لردع المعتدي و طلبن تدخل أعوان الحماية الذين لم يبادروا بحماية أالناجية، بل قاموا بمحاولة ثناء الحاضرات عن نصرتها و قال أحدهم : 

” هؤلاء حرفاء منذ 50 سنة، بإمكانهم فعل ما يحلو لهم و لن نقوم بطردهم “.

ًنزل أحد المسؤولين عن المغازة و توجه للضحية دون سماعها ليلقي باللوم مباشرة عليها قائلا :

 “من الأكيد أنك بادرت بملاطفته” في تبرئة تامة للمعتدي و تحميل كامل المسؤولية لضحية التحرش التي ما تزال تحت وقع الصدمة في تلك اللحظات”.

الحادثة تجاوز صداها جدران المغازة المذكورة سلفا، و أخذت زخما كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الشاهدتين اللتين حضرتا يومها. مغازة كارفور مدعوة الى صندوق الحسابات، بهذا عنونت وئام الڨاسمي و بثينة بوعلاڨ و ضحى الڨاسمي عريضتهن على شبكة فايسبوك، حيث قمنَ بدعوة الشركة العبر قطرية “كارفور” للمحاسبة شعبيا لعدم توفيرها بيئة آمنة للنساء أثناء عملهن  تنتصر للضحايا و تحميهن لا تعاقبهن.

و لولا ذلك الضغط لما فتحت فيما بعد إدارة المغازة  تحقيقا.  وفق ما أفادت  وئام الڨاسمي و تم استجواب مدير الفضاء و عون الحراسة المتسترين على الحادثة و بخصوص أمينة الصندوق أكدت الادارة العامة للمغازة على مساندتها وحمايتها.

و تعمل هذه الفئة من العاملات وسط حصار التحرش الجنسي، وانعدام الحماية، والاستغلال الاقتصادي على غرار ما حدث مع أمينة الصندوق في “كارفور”،  بعد أن قام مسؤول بالمغازة بتحميلها،  مسؤولية ما حدث لها من تحرش جنسي من أحد الحرفاء.

 “هذه الشركات لا تستجيب لشكاوى النساء إلا تحت ضغط شعبي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لأنهم يخافون ردة فعل الشركة الأم.” 

هكذا صرحت لـ “كشف ميديا” وئام الڨاسمي وهي شاهدة عيان وصاحبة العريضة المذكورة وناشطة نسوية.   

الباحث في الفلسفة و الدراسات الجندرية حازم الشيخاوي يقول في تصريحه لـ “كشف” في هذا الخصوص:

طبعًا تضامنت مباشرةً مع الضحية، لأن الأمر لا يتطلب تدقيقًا، لأنني أعتبر أنَّ تونس بلد غير آمن للنساء. وحجتنا في ذلك النسب المُسجلة حول أشكال العنف المسلطة على النساء مرتفعة جدًا، سواء من خلال إحصائيات رسمية لمؤسسات الدولة أو التقارير التي تقدمها جمعيات نسوية.

ويرى الشيخاوي أن الأمر الثاني الذي يجب الانتباه إليه، وهو أن المجتمع التونسي يُغذي الفاعلين/ت الاجتماعيين/ت بترسيمات ذكورية تسلُطية، تجعلنا دائمًا نقول بأن هناك غلبة لصفة الذكورة على الأنوثة. طبعًا المغازة هو مكان تسويقي لصورة نمطية للنساء يُجدد هذه التراتبية ، كما يجعل منهن واجهة يمكن التلذذ بمشاهدتها أو التهكم عليها أو مخصصة للتنمر، وهذا يعود لغياب أي مراقبة أو متابعة قانونية لمرتكبي هذه الجرائم. 

إن النساء في تونس لا يجدن في فضاءات العمل و الوظائف اليومية الأمان المنشود واحترام صفة المواطنة التي يجب أن تكون المشترك العام، وخاصة العاملات اللواتي الأكثر اضطهادا من الشركات الكبرى.  وينتشر هذا العنف بصفة متسارعة نظرًا لأن هنالك زحف رجعي مُنظم بحكمة ضد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء و يقوم بتغذية المخيل العام الذكوري و يستند إلى سرديات القوى الرجعية اليمينية أساسًا، وفق ما يرى الباحث حازم الشيخاوي.

كما أن  المؤسسات السياسية الرسمية تظل متواطئة جوهريا و عمليًا مع كافة أشكال العنف ضد النساء، وفي هذا الصدد يذكر الشيخاوي:

حادثة رفقة الشارني التي قتلها زوجها بالرصاص في ولاية الكاف. على الرغم من أن هذه الحادثة تكاد تكون الأفظع هذه السنة، لكننا لاحظنا أن التعاطف كان من جهة الناشطات والناشطين النسويين والنسويات دون أن نجد ما قد يردع هذه السلوكيات العنيفة جدًا من الجهات المعنية.

 ويرى الشيخاوي أنه من المهم أن يكون هناك تضامن كثيف مع كافة النساء ضحايا العنف والتشهير بالأمر (وقد لا يكون الحل الأبدي والأمثل لكنه حاليًا يفي بالغرض)، وهذا ما حصل فعلا في كارفور لافايات، وأعتقد أنه جيد جدًا لإحراج الشركات الكبرى وسياساتها الذكورية و المتغطرسة.   

وعلى الرغم من أن القانون عدد 58 لسنة 2017 الذي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة و »يهدف  إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة اﻹنسانية ، وذلك بإتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم، إلا أن عديد الحقوقيين يرون أن هذا القانون باق حبر على ورق. رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على دخوله حيز التنفيذ.

حيث أن لوم الضحايا و تحميلهن مسؤولية ما وقع عليهن هو الرابط المشترك بين كل حوادث التحرش و الاعتداء على النساء مما يدفع الضحايا للصمت و في معظم حالات الإعتداء على النساء داخل مقرات العمل يكون التهديد الضمني أو الصريح بالطرد من العمل الوسيلة التي يلجأ لها المعتدون و المتسترون للتغطية على انتهاك حرمة النساء.

إذ يعي المعتدون والمتسترون جملة الامتيازات الاجتماعية و الطبقية  و الجندرية التي تجعل منهم من المنطلقين مبكرا في سباق الحقوق الاجتماعية مقارنة بالنساء وهو ما يضع النسبة الأكبر من قضايا الاعتداء على النساء في رفوف الحفظ لاختلال ميزان العدالة بين من يتمتع بالسطوة المجتمعية ومن يفتقدن لأبسط حقوقهن على أجسادهن.

حاولنا الحصول على احصائيات دقيقة من جهات حقوقية مختلفة لعدد المتحرش بهن أثناء العمل لكن تعذر ذلك، لغياب التبليغات الرسمية والشكاوى الفعلية في هذا الخصوص من قبل الضحايا. وارتباطهن بنظرة المجتمع وما سينجر عن فضح المتحرش والقصة برمتها.

و يجدر التذكير بان لحدود كتابة هذا المقال لم تصادق تونس على “الاتفاقية عدد 190 بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل” لمنظمة العمل الدولية و التي تعد المصادقة عليها مطلبا للنقابات والجمعيات النسوية.

وأمام آلاف من المنشورات الالكترونية و التصريحات اليومية التي تروي مئات او آلاف حالات التحرش بالنساء يوميا لا يصل صوت ضحاياها في أغلب الحالات للرأي العام أو تحفظ التتبعات العدلية في مراكز الشرطة تحت تأثير العرف و العادة و سطوة المجتمع أو اهمال معاناة الضحايا.

ويبقى السؤال،  هل يجب توفير جيش من المدافعات عن حقوق النساء يتوزعن داخل كل فضاء عمل لرصد حالات التحرش بالنساء و ردع المعتدين و شجب ذلك بعرائض الكترونية ؟ أ لم يحن الوقت لتقوم أجهزة الدولة و المجتمع بجعل فضاءات العمل و الفضاء العام برمته آمنا للنساء ؟


إشراف عام خولة بوكريم

بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا