21/08/14
مقال تفسيري
سجلت تونس خلال الأسبوع الثاني من شهر أوت أرقاما قياسية غير مسبوقة في معدل درجات الحرارة فاقت الـ50 درجة في الظل، جعلتها تصنف ضمن البلدان الأشد حرارة في إفريقيا والعالم. وبدا أن موجات الحر على تفاوت درجاتها لا تزال مستمرة منذ أسابيع في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية.
فقد احتلت القيروان المركز الثاني عالميا والأول إفريقيا في ترتيب المناطق الأشدّ حرا بدرجات حرارة بلغت 3ر50 يوم الخميس 12 أوت.
إيطاليا بدورها حطمت الرقم القياسي الأوروبي بدرجة حرارة وصلت إلى 8ر48 درجة في صقلية يوم الأربعاء 11 أوت بعد أن كان الرقم القياسي من نصيب اليونان سنة 1977 بدرجة حرارة بلغت 48 درجة في ذلك الوقت.
من الواضح أنَّ الأمر يزداد سوءا عام بعد عام، فما هي أسباب تسجيل كل هذه الأرقام القياسية في درجات الحرارة؟ وما هي انعكاسات تزايد موجات الحرّ على البيئة والإنسان؟ ثم هل هناك حلول على المدى القصير والبعيد لتخفيف مخاطر الاحتباس الحراري؟
النشاط البشري سبب تسارع التغير المناخي
يرجع الكثير من خبراء المناخ التغير المناخي المتسارع وارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى الأنشطة البشرية مثل حرق الفحم والنفط والغاز التي ترفع من كمية ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وبعض الغازات الملوثة الأخرى في الجو.
وهو ما أكده تقرير التقييم السادس الصادر مؤخرا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من مقرها في جنيف:
من الواضح أن التأثير البشري أدى إلى زيادة درجات حرارة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض.
والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هي منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، أنشئت سنة 1988 وتتألف من ثلاثة آلاف من علماء المناخ وماسحي المحيطات وخبراء الاقتصاد وغيرهم. وهي الجهة العلمية النافذة في مجال دراسة الاحتباس الحراري وتأثيراته.
وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش تقرير الهيئة بأنه “إنذار أحمر للبشرية”، مضيفا في تعليقه
إذا حشدنا القوى الآن، سنتمكن من تفادي وقوع كارثة مناخية. ولكن، كما يوضح التقرير، لا يوجد وقت للتأخير ولا مجال للأعذار. أعول على قادة الحكومات وجميع أصحاب المصلحة لضمان نجاح مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، المقرر خلال أشهر.
ارتفاع الحرارة يفاقم حجم الفيضانات
تتسبب المعدلات العالية لدرجة الحرارة في ذوبان سريع للجليد القطبي والأنهار الجليدية مما يساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر.
ومع ذوبان التربة الصقيعية – الأرض المتجمدة – في سيبيريا ومناطق أخرى، سيتم إطلاق غاز الميثان في الغلاف الجوي، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم التغير المناخي.
وكان تقرير لموقع pbs الأمريكي قد أشار إلى أن دولا ثرية مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبلجيكا قد انضمت هذا العام إلى الدول الأفقر والأكثر عرضة للظواهر الجوية الحادة، مثل الفيضانات، التي يقول العلماء إن لها صلة ما بالتغير المناخي الذي يسببه الإنسان.
قالت ديبي غوها سابير، مؤسسة قاعدة البيانات الدولية للكوارث في مركز أبحاث وبائيات الكوارث في الجامعة الكاثوليكية في لوفان في بلجيكا:
إنها ليست مشكلة بلد فقير فحسب، إنها الآن مشكلة بلد غني بشكل واضح للغاية.
أظهرت دراسة جديدة، نشرتها مجلة Nature، باستخدام صور الأقمار الصناعية للفيضانات العالمية منذ عام 2000 أن الفيضانات في جميع أنحاء العالم تضرب 10 أضعاف عدد الناس كما كان يعتقد سابقا.
ووجدت الدراسة أنه من عام 2000 إلى عام 2018، تأثر ما بين 255 و290 مليون شخص بشكل مباشر بالفيضانات.
ماذا عسانا نفعل لإبطاء وتيرة الاحتباس الحراري؟
وضع العلماء زيادة في درجة الحرارة بمقدار 5ر1 درجة مئوية كحد “آمن” للاحترار العالمي ويتوقعون ارتفاعًا في درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية أو أكثر بحلول نهاية القرن.
بينما يقدم تقرير الهيئة الحكومية الدولية للتغير المناخي تقديرات جديدة لاحتمالات تجاوز مستوى الاحترار العالمي البالغ 5ر1 درجة مئوية في العقود المقبلة، ويخلص إلى أنه لا سبيل إلى حد الاحترار العالمي عند ذلك المستوى أو حتى درجتين مئويتين بدون تحقيق تخفيضات فورية وواسعة النطاق في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ولإبطاء النسق المتسارع للاحتباس الحراري العالمي يعرض العلماء جملة من التدابير التي ينبغي الشروع فيها فورا لحماية الأرض من الكوارث الطبيعية الحادة.
ومن بين هذه التدابير:
-إعادة تدوير النفايات أو الأدوات المستعملة بشكل أكبر، ما قد يقلل عملية التصنيع وبالتالي يساعد في خفض كمية أكسيد الكربون المنبعثة في البيئة.
-ركوب الدراجات بدل قيادة السيارات. وكلما قللنا من ساعات قيادة السيارة واستفدنا أكثر من النقل العام وركوب الدراجات نخفض بذلك كمية الغازات المنبعثة.
-زراعة الأشجار مفيدة لأنها تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتنظم المناخ. وبالتالي، هناك حاجة ماسة لزراعة المزيد من الأشجار لأن شجرة واحدة يمكنها امتصاص طن واحد من ثاني أكسيد الكربون في حياتها.
-التأكد من إيقاف تشغيل الأجهزة الإلكترونية مثل التلفزيون والكمبيوتر ومشغل الموسيقى عندما لا تكون قيد الاستخدام. يمكن أن يساعد ذلك في توفير الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء والذي بدوره يمكن أن يقلل آلاف الاطنان من ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي.
بالإضافة الى كل ذلك فإن الخطوة الأهم والأكثر فعالية لمقاومة تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري على المدى المتوسط والبعيد هو التحول إلى الطاقة المتجددة.
لم يعد هناك من خيار أمام الانسانية للحفاظ على الكوكب وحماية الأجيال الجديدة، سوى البدء الفوري في استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية والتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري.
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا