كشف


متطوِّعات من أجل الوطن.. فتيات ڨرمبالية نموذجاً

21/08/14

أن تتطوع لمساعدة الناس  في وطن أعياه الفقر و التهميش و أنهكه فيروس كوفيد19 طيلة أكثر من سنة ونصف، وأن تجتهد لقضاء شؤون غيرك فهنا تتجلى الإنسانية في أبهى حلتها، و لعلَّ يوم 8 أوت 2021 الموافق ليوم “التلقيح المكثف” كان أكبر إمتحان للجميع من أطباء وممرضين/ات وإداريين/ات من وزارة الصحة وحتى المتطوعين/ات، فلولا هؤلاء المتطوعون/ات لما كانت تونس اليوم حديث العالم بتلقيح ما يزيد عن 500000 شخص في يوم واحد. هذا الرقم الذي يعادل تلقيح 4.5% من الشعب التونسي.

في يوم “التلقيح المكثف” الذي اعتبره الكثيرين يوما مميزا، كانت هناك نساء يعملن في صمت وبابتسامة عريضة، هنَّ المتطوعات  المرابطات بمراكز التلقيح على كامل تراب الجمهورية، قاومن الشمس الحارقة و الظروف الصعبة ولم يردعهن التعب على تلبية نداء الواجب خدمة لشراكئهن في المواطنة.

ولعلَّ هادية و سحر كانتا  شابتان تونسيتان من بين عشرات النساء المتطوعات و الناشطات بالمجتمع المدني، ومن بين كثيرات اخترن العمل التطوعي و العمل الجمعياتي منذ مدة لأهداف مختلفة و يلتقيان في نقطة أساسية هي العمل  الإنساني ومساعدة الناس.

هادية الرميلي، 20 عاما،  مدرّبة في منظمة الوطنية للطفولة للمصائف و الجولات و رئيسة الغرفة الفتية الاقتصادية بقرمبالية. 

هادية الرميلي، 20 عاما/ صورة لـكشف ميديا/ أوت 2021

رغم صغر سنها إلاَّ أنها اختارت النشاط الجمعياتي والانخراط صلب المجتمع المدني و أخذت من التطوع روتينا يوميا لها دون أن يمنعها ذلك من التفوق في دراستها الجامعية . 

تجربتها مع العمل الجمعياتي انطلقت منذ سنوات صلب المنظمة الوطنية للطفولة المصائف و الجولات، منذ نعومة أظافرها إضافة إلى أنها كانت تعمل دوما كطفلة صغيرة أنذاك.

تقول إنها لم تواجه أي صعوبات في التأقلم أو مشاكل في التمييز حسب الجنس خاصة و ان مكتب المنظمة كان ثريا بالعنصر النسائي إضافة إلى أن القيادة كانت من نصيب إمرأة. هذا الأمر الذي أثر في شخصيتها مع مرور الزمن.

مشهد المساواة الورديّ،  لم يستمر طويلا، فكلما كبرت سنة، بدأت بعض المصاعب تظهر وصرتٌ أتعرض لمشاكل فقط لأنني امراة ، فالأمر اختلف بين فترة الطفولة و الشباب ، خصوصاً بعد تنصيبي كرئيسة لجمعية.

تؤكد هادية أن هذا الأمر الذي لم يعجب الكثيرين حسب قولها، إذ أنها كانت دوما ما تلاحظ بعض ردود الأفعال السلبية و النظارات الغريبة من بعض الأفراد عند حضورها في اجتماعات للتشاور في شؤون المنطقة . 

أن تتحدث إمرأة في الاجتماعات فهذا لا يعتبر أمرا عاديا، عكس ما يحدث مع الرجال ، فكل العيون تنصب عليها زد على هذا ردة فعلهم إن بقيت لساعات متأخرة من الليل أثناء العمل الميداني  .

و منذ بداية الجائحة في تونس نزلت الشابة إلى الميدان صحبة بقية رفيقاتها ورفاقها لمعاضدة مجهودات الدولة أثناء فترة الحجر الصحي الموجه، لتكون آخر المحطات التطوع يوم 8 أوت في اليوم الوطني للتلقيح المكثف الذي لم يخلو من النقاط الإيجابية و السلبية بالنسبة لها و امتزج بأحاسيس من الفرح و الاستياء. 

مركز التلقيح في قرمبالية/نابل/صورة لـكشف ميديا/ أوت 2021

تروي لنا هادية بعض المواقف التي حصلت في ذلك اليوم و التي اعتبرت أنها تعرضت فيها للتمييز عبر الجنس. إذ أن أحد المواطنين/ات الذين قدموا لمركز التلقيح في قرمبالية  كان في خلاف مع أحد الشبان المتطوعين لتتدخل هادية بهدف فض الاشكال وتقابل برد هذا المواطن و التهجم عليها  ” لا دخل لك في ما يحصل فأنت إمرأة، و أنا أتحدث الى رجل مثلي ” هذا الموقف لم يكن الوحيد الذي تعرضت له وتضيف:

كنت جالسةً أسجل أرقام المواطنين/ات لتسهيل عملية الدخول، وفاجئني أحد الأفراد برفضه التعامل معي و طالب بصف للنساء و ٱخر للرجال لأنه لا يرغب في ان يحتك بهنَّ، مطالبا إيايَّ بأن أكتفي بخدمة العنصر النسائي و أن يقوم بقية المتطوعين من الذكور بالتعامل مع الرجال. . 

تقول محدثتنا أن هذا الأمر أصبح اعتياديا بالنسبة إليها وهي لا توليه أهمية كبيرة و تعتبر أن هذا الاستنقاص من مكانتها كامرأة لا يغير شيئا و لا يثنيها عن عملها وأن اجتهادها و مثابرتها هما العاملان الأساسيان لتقييمها.

كما انها مستعدة لخوض بقية الجولات خصوصاً يوم غد 15 أوت 2021، وهو اليوم الوطني الثاني للتلقيح المكثف، كما دعت الشباب إلى الإقبال على مراكز التلقيح بكثافة وأكدت أنها متحمسة لهذا اليوم و ستعيشه بمزيد من الإصرار و التحدي على كسب الرهان صحبة جنود التطوع حسب وصفها.

تحية الى كل نساء تونس بمناسبة عيد المرأة ، اللواتي عليهن افتكاك حقوقهن بالعمل و المثابرة و إثبات مكانتهن في المجتمع و عدم الاكتفاء بالسكوت و الانعزال أو الخوف من المجتمع والتقاليد. 

الأمر لم يختلف مع سحر بن صالح، 20 عاما، وهي ناشطة صلب الكشافة التونسية منذ سنتين، و اختارت دخول هذه التجربة انطلاقا عن قناعة شخصية. التحاق سحر بالكشافة تزامن مع ظهور فيروس كورونا بالعالم و بتونس خصوصاً، هذا الأمر الذي غير بعض الشيء في نسق عمل الكشافة التونسية و غير مجرى الحياة في تونس عموما لتجد نفسها متطوعة زمن الوباء و جندية في الصفوف الأولى في وقت كان الفيروس يفتك بأرواح التونسيين/ت، و لكن نداء الواجب حتَّم عليها ارتداء الزي الرسمي للكشافة التونسية و الاصطفاف مع بقية المتطوعات و المتطوعين و التمركز بالمرافق الحيوية للاشراف على تنظيم الصفوف و التوعية و أيصال المساعدات لمستحقيها. 

الوباء ، و الصعوبات اليومية التي قد تعترض شابة أثناء القيام بمهامها من تضييقات و استفزازات و عبارات قد تمس من شخصها ، كلها تفاصيل لا تثنيها عن المثابرة ، بل انها تزيد في حماسها و في تعلقها بشغفها، فهي ايضا سجلت حضورها بإمتياز يوم 8 أوت الماضي بمركز تلقيح المدرسة الإعدادية الحبيب بوڤطفة بڤرمبالية مع بقية أعضاء الكشافة التونسية التي رابط أبنائها و بناتها ما يزيد عن 12 ساعة منذ ساعات الصباح الاولى بمراكز التلقيح لتقديم يد العون لكل من أحتاجهم للتسجيل و لتسهيل عملية التلقيح 

هذه التجربة لم تخلو من المصاعب، حيث كنت عرضة في عديد المرات الى خطاب الاحتقار و الحط من المعنويات و ذنبي الوحيد انني امرأة.

سحر بن صالح، 20 عاما/ صورة لـكشف ميديا /أوت 2021

و تضيف،  بأن كثيرين/ات لا يحترمون الدور والعمل الذي تقوم به خصوصاً من العنصر الرجالي، لكنها تقول بأن هذه الممارسات كانت نسبية و محدودة و أنها كانت تعامل بإحترام في أغلب المناسبات.

وفي إجابتها عن استعدادها ليوم 15 أوت، تاريخ اليوم الوطني الثاني للتلقيح المكثف،  القادم، تقول سحر بأنها على اهبة الاستعداد كعادتها، راجية ان تنجح عملية تلقيح أكبر عدد ممكن من المواطنين لمزيد كسب الحماية من الفيروس. 

كما أنهاتعول على وعي الشباب في الإقبال على التلقيح و احترام البروتوكول الصحي و قواعد التنظيم و مساعدة المشرفين/ات على التسيير لتتم العملية في أحسن الظروف.

أنهت سحر حديثها والابتسامة تملأ وجهها موجهة بعض التوجيهات للمقبلين على مراكز التلقيح ، وأهدت آخر كلماتها للمرأة التونسية في عيدها قائلة 

 ما احلانا نساء تونس، نحن أقوى من كل الظروف !

على الرغم من كل المكاسب التي حققتها المرأة التونسية في عدد المجالات، خاصة منها التشريعية من أجل مزيد ضمان حقوقها بالتساوي مع الرجل، إلا أنه لا تزال هناك مظاهر سلبية عديدة ممارسات جائرة أكبر تمارس على المرأة التونسية، من بينها عدم الوصول إلى عدة مواقع للقيادة وصنع القرار السياسي والاقتصادي، علاوة على عدم حصولها على حقوقها في مسألة الميراث، وعدم تكريس القانون عدد 58 لمناهضة العنف ضد النساء على أرض الواقع.


كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر

إشراف عام خولة بوكريم

بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا