21/08/18
بعد انتهاء اليوم المفتوح الثاني من حملة التطعيم المكثفة ضد مرض الكوفيد19 في تونس، وصل عدد الأشخاص الذين تلقوا الجرعة الأولى من لقاح الكوفيد إلى أكثر 5ر3 مليون ملقحا، وفق وزارة الصحة.
وستستمر أيام التلقيح المفتوحة حتى تتمكن البلاد من تحقيق هدفها بتلقيح نصف عدد السكان قبل نهاية شهر أكتوبر القادم.
تطعيم أكبر عدد ممكن من المواطنين من شأنه أن يوفر مناعة جماعية إذا احتسبنا عدد الذين أصيبوا بالمرض. لكن مع ذلك فإنه لا يزال من المبكر الحديث عن استئناف الحياة كما كانت في السابق وسط احتمال لظهور موجة خامسة بين الأشخاص غير الملقحين وحتى ظهور سلالات جديدة من الفيروس.
بعض الدول الغربية تبنت استراتيجية الجواز الصحي في مسعى لتعزيز الإجراءات الوقائية بالتوازي مع استعادة نسق الحياة بشكل طبيعي، فهل يمكن أن تنجح التجربة في تونس؟
الجواز الصحي في أوروبا
الجواز الصحي هو تصريح رقمي يكون في شكل رموز(QR code) يمكن قراءتها بسرعة عبر الهاتف المحمول أو الهاتف الذكي. تخزن الرموز عددا من المعلومات والبيانات عن هوية الشخص وعملية تطعيمه.
ولا يعتبر الجواز الصحي ساري المفعول إلا بتوفر مجموعة من الشروط وهي أن يكون لدى الأشخاص جدول تطعيم كامل والوقت اللازم بعد الحقن النهائي:
سبعة أيام بعد الحقنة الثانية للقاحات ذات الحقن المزدوج (فايزر، موديرنا، أسترازينيكا) أو 28 يومًا بعد الحقن للقاحات بحقنة واحدة (جونسون آند جونسون)، أو بعد 7 أيام من حقن اللقاحات للأشخاص الذين لديهم تاريخ للإصابة بكوفيد (حقنة واحدة).
وتعد فرنسا من أول الدول التي اعتمدت إجراء الجواز الصحي ضمن تطبيقة .TousAntiCovid
يتم تطبيق الجواز الصحي في الأراضي الفرنسية منذ 9 جوان 2021 على الرغم من الاحتجاجات الواسعة. ولا يمكن السماح بالدخول إلى المطاعم أو الأماكن المغلقة إلا بعد الاستظهار بنتيجة اختبار سلبي للمرض أو إثبات الشفاء أو شهادة التطعيم.
ومنذ 21 جويلية، أصبح الجواز الصحي إلزاميا للوصول إلى الأماكن الترفيهية والثقافية التي تستوعب أكثر من 50 شخصًا.
كما سيكون الجواز الصحي إلزاميًا للقصر الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا اعتبارًا من 30 سبتمبر، وفق بلاغ للحكومة الفرنسية.
تستعد ألمانيا بدورها لفرض الجواز الصحي في البلاد، حيث أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن تعميمه بداية من 23 أوت وإلزامية الاستظهار به في المطاعم وقاعات السينما أو الصالات الرياضية.
وللحث أكثر على التطعيم، ستنهي ألمانيا الاختبارات المجانية للكوفيد بداية من أكتوبر القادم.
يذكر أن حوالي 20 مليون شخص في ألمانيا قد تلقوا التلقيح بشكل كامل ولديهم جميعا ملصقات وطوابع لقاح صغيرة في كتيبات التطعيم الصفراء الخاصة بهم. ويرى الكثير من الألمان أن الحصول على شهادة التطعيم على تطبيق الهاتف الذكي أسهل بكثير لزيارات المطاعم أو السفر.
هل تونس مستعدة فعلا لتطبيق الجواز الصحي؟
بدأت إشارات رسمية لتعميم هذه التجربة في تونس جاءت أبرزها من رئاسة الجمهورية، التي منحت في بيان لها اليوم 18 أوت، الضوء الأخضر من أجل “السماح للأشخاص الذين استكملوا عملية التلقيح ضد كوفيد-19 بحضور التظاهرات والتجمعات العائلية والخاصة والعامة بالفضاءات المفتوحة مع ضرورة تطبيق البروتوكولات الصحية القطاعية المصادق عليها”.
كما علت أصوات داخل المجامع الطبية لتأييد هذه الخطوة، حيث طالب رئيس قسم الاستعجالي في مستشفى عبد الرحمان مامي بأريانة توفيق بوجدارية بتوسيع العمل بشهادة التطعيم لدخول فضاءات الترفيه والخدمات العامة مع احترام البروتوكول الصحي.
وتتفق هذه الدعوات مع مطالب قطاعية في الثقافة والفن والرياضة من أجل عودة الجماهير إلى المسارح والملاعب ودور الفن بعد نحو 18 شهرا من الغياب عن التظاهرات.
وفي محاولة لاستطلاع رأي الشارع، يقول محمد الدنقزلي مدير إنتاج سينمائي وتلفزيوني لــكشف ميديا:
اضطررنا للتوقف عن تصوير بعض انتاجاتنا مع بداية انتشار المتحور دلتا في تونس خوفا من تفاقم العدوى بين فريق العاملين.
ويرى محمد أن اعتماد الجواز الصحي في تونس يمكن أن يكون حلا لعودة الحياة الثقافية ويفسح المجال إلى فتح قاعات السينما واستئناف السهرات الفنية والمهرجانات الدولية.
بدوره يرغب أكرم الشاهدي الموظف في القطاع البنكي في استنساخ تجربة الجواز الصحي في تونس لكنه لا يتوقع نجاحها في لأن الدولة في تقديره:
نعاني منذ سنوات من فشل في تطبيق برنامج رقمنة الإدارة.
وعبّر الشاهدي لـ”كشف ميديا” عن استغرابه من تشبث أعوان الإدارة إلى اليوم بالوثائق بدل التكنولوجيا الرقمية قائلا :
رغم احتواء الزجاج الأمامي للسيارة على ملصقات أداءات الجولان يظل السائق مطالبا دائما بالاستظهار بالوثائق لأعوان الشرطة لإثبات خلاصها.
وتشاطره رحمة الحباسي المهندسة في تكنولوجيات الاتصال، نفس الرأي وترى أن الإشكال يتلخص في تعميم الرقمنة في تونس وتدعو إلى النسج على منوال منصة evax المخصصة لتسجيل الراغبين في التطعيم.
وتعتبر الحباسي في حديثها مع “كشف ميديا” الجواز الصحي تحديا كبيرا لا بد من “التحضير له بشكل مكثف ومعمق عبر حملات توعوية وتفسيرية لأكبر عدد ممكن من السكان. مع إمكانية تبسيط العملية بتوفير جواز صحي في شكل وثيقة لكبار السن ولكل من يجهل التعامل مع التكنولوجيا الرقمية”.
ولفتت رحمة إلى أن الجواز الصحي ينبغي أن يقطع الطريق أمام أي عملية تزوير للبيانات أو المعلومات.
وعمليا فحتى يصبح الجواز الصحي جاهزا للتطبيق ينبغي إعداد تطبيقة تجمع البيانات والمعلومات الخاصة بكامل جرعات التلقيح لكل مستخدم وتجهيز أعوان المراقبة بالأجهزة أو البرامج الخاصة بالتثبت من الرمز المخصص لكل فرد استكمل تطعيمه. فهل تقدر تونس على توفير كل الظروف الملائمة لذلك؟
يستبعد الدكتور سمير عبد المؤمن أن تتمكن تونس من تحقيق ذلك قائلا لكشف ميديا:
لا أعتقد أن لدينا الوسائل اللازمة لاستخدام الجواز الصحي ومراقبة مدى الالتزام به، ولكن من المحتمل أن تكون هناك قيود (على غير الملقحين).
كما اعترف الدكتور بوجدارية بوجود بعض الصعوبات لتعميم الجواز الصحي وتطبيقه في هذا المرحلة من ذلك أن عدد من تلقوا التلقيح الكامل لا يزال محدودا كما أن عراقيل أخرى قد تظهر على السطح فيما يتعلق بالإجراءات القانونية والتشريعية.
في الأثناء ليس هناك من خيار أمام تونس سوى المضي قدما في تلقيح أكبر عدد ممكن من المواطنين الراغبين في عودة الحياة مجددا بعد سلسلة من الموجات الوبائية التي تسببت في الغلق والحجر الصحي لأكثر من مرة منذ بداية الجائحة، بجانب التداعيات الاقتصادية الكارثية وغير المسبوقة في تاريخ البلاد.
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا