كشف حكومي


النساء المعنَّفات زمن الكوفيد: بين الخضوع والمقاومة

21/08/27

تزوجت سعاد ( اسم مستعار) 25 عاما في ربيع 2019 من أحد أبناء ريفها في إحدى المناطق من ولاية سيدي بوزيد، عمرها آنذاك كان 23 عاما و بمستوى تعليمي لم يتجاوز السابعة أساسي . كانت حياتها عادية جدا حتى إنجابها مولودها الأول  في 2021 وبدأت حينها مشاكلها مع زوجها الذي أصبح عنيفا معها إلى درجة الاعتداء عليها بالضرب بعد ولادتها لابنها بشهرين فقط .

في هذا التقرير ترصد كشف ملمحا لسيدتين تعرضتا الى التعنيف الزوجي قبل الكوفيد و بعده لتتبع معالم الخلل الحاصل الذي حوَّل هاتين السيدتين الى ضحايا لزوجيهما .

تقول سعاد:  

 منذ أن حلت الكورونا و أجبرت على البقاء في البيت أصبح زوجي يسبني ويعايرني بقلة مالي وينعتني بأبشع النعوت من بينها يا جاهلة! على الرغم  من أنه لم يطأ المدرسة يوما. نسي أنني  كنت أساعده في مصاريف البيت عبر العمل في الضيعات الفلاحية قبل ولادة ابني،  بأجر يومي لا يتجاوز 12 دينار.

لم تتقدم سعاد بأي شكوى ضد زوجها رغم الاهانة والضرب التي تعرضت لها. إذ تعودت في كل مرة على العودة إليه بموافقة والديها و بإلحاح منهما :

 هني على روحك” ..و الرجل يبقى رجلا مهما فعل، و ما المشكل إذا ضربك؟

كلمات قاسية، وموغلة في دعم الإفلات من العقاب تسمعها النساء المعنفات زمن الكوفيد وقبله، تزيد من معاناتهن وتعيقهم أمام الولوج لحقوقهن.

وقد عمَّق الكوفيد من مشاكل هذه السيدة مع زوجها بعد أن أصبح عاطلاً عن العمل و تواصل تعنيفه لها لتلجأ في كل مرة الى والديها دون أن تفكر في الانفصال او حتى تقديم شكاية ضده.

تبين إحصائيات وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن في تقاريرها لستتي 2019 و2020 أن  الخط الأخضر 1899 المخصص للتبليغ عن حالات العنف ضد المرأة قد تلقى 14 ألف مكالمة خلال سنة 2020، مقارنة بـ 3500 مكالمة  تبليغ سنة 2019.

المصدر وزارة المرأة و الأسرة و الطفولة وكبار السن

تكررت اعتداءات الزوج على سعاد على مدى عامين كاملين و لم تتمكن من ان تغير هذه الوضعية بسبب جهلها بالقوانين و هو ما سمح لزوجها بان يتمادى في عنفه . تقول سعاد إنها فكرت في الهرب اكثر من مرة من هذا الجحيم الذي يحاصرها ولكنها تتراجع بسبب صغيرها من جهة وايضا لانه لا مكان تلجأ اليه .

هي تخشى غضب عائلتها منها أكثر من خوفها من “بطش” زوجها. اجبرت سعاد على العودة الى العمل في الضيعات الفلاحية رغم الخوف من الكورونا و رغم حرارة الطقس ولكنها تعتقد ان ذلك افضل لانها الفرصة الوحيدة لكي لا ترى زوجها ثماني ساعات كاملة.كانها بذلك تهرب من العنف الزوجي الى التعب في الحقول و هواجس العدوى من الكوفيد

أما حياة ( اسم مستعار)، 30 عاما، بعد زواج دام عشر سنوات يرافقه عنف زوجي مستمر وجدت نفسها مجبرة على طلب الطلاق و مغادرة مدينة صفاقس بحثا عن عمل و رفضا للعنف المعنوي والمادي الذي تعرضت له من زوجها .هي باحثة دكتوراه و تعتقد أن العنف الزوجي كان سببه نجاحها العلمي و إصرارها على مواصلة مسارها التعليمي.

تقول  حياة :

 تعرضت إلى أغلب أنواع العنف من زوجي، اقتصادي و معنوي ومادي بالسب والشتم والضرب و رغم مستواه العلمي، إلا أنه لم يحترمني وارتكب أبشع الانتهاكات في حقي.

تقول حياة إن صورة المرأة عند زوجها لا تتجاوز حدود أعمال البيت والإنجاب و الجنس بعيدا عن حقها في أن تكون متميزة في مسار البحث العلمي كما هو الحال .

لم أجد حلا آخر سوى طلب الطلاق و انتظار حكم يعيد لي حريتي وابني الذي أجبرتني ظروف الكوفيد إصابته بعدوى الكورونا على إبقائه عند والده. كل النساء مستباحات لديه و لا قيمة للمرأة إلا في الإنجاب والجنس فقط.

تقول حياة ” حسب نظرته للمرأة القائمة أساسا على وجهة نظر دينية بحتة، هي كائن نجس وناقصة عقل ودين ..ولدي ما يلزمش تربيه مرا”.وباللي تعمل ماك الا مرا”

أمضت حياة لياليها تبكي بسبب هذا العنف المتواصل اذ لابد لها من ان تؤمن حياة مستقرة ماديا لابنها ولها اذا فكرت في الطلاق و لابد لها ايضا من تضع حدا لهذه المعاناة التي اثرت على وضعها النفسي و العائلي.

شهدت عدد حالات العنف ضد المرأة ، بجميع أنواعه، زيادة مقلقة منذ صدور المرسوم الحكومي رقم 2020-156 بتاريخ 22 مارس 2020 المتعلق بإجراءات الحد من تأثير جائحة كورونا. وحتى 3 ماي 2020، تم الإبلاغ عن أكثر من 7000 حالة  من حالات العنف وذلك من خلال الرقم المجاني الذي أنشأته وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن .

المصدر وزارة المرأة و الأسرة و الطفولة وكبار السن

” سعاد”و” حياة” هما عينة صغيرة عن النساء المعنفات في زمن الكوفيد و ما قبله ، وإن اختلفت البيئة الاجتماعية والثقافية لكليهما إلا أنهما يعيدان إلى الواجهة مفهوم العنف المسلط على النساء في بلد يضم ترسانة من القوانين  التي تجرم هذا العنف  و زخما رهيبا من الإحصائيات التي ترسم لنا واقعا مختلفا لا يشبه ما يصور او يتم تسويقه  عن المساواة و تجريم كل أشكال العنف على المرأة.

حيث جاء في الفصل الأول من القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017  المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة ” يهدف هذا القانون إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من اجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية وذلك بإتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم 

تقول نعمة نصيري رئيسة الفرع الجهوي للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بصفاقس لـ كشف ميديا، إن العنف المسلط على المرأة يعود إلى عدة اعتبارات أولها المعطى الاقتصادي و الاجتماعي و الرؤية الدونية في الثقافة السائدة للمرأة، مع تخاذل الهياكل الرسمية في تطبيق صارم للقانون وإعادة بناء استراتيجية تعيد رسم صورة المرأة و تقدمها على اعتبارها إنسانا ومواطنا..

المختص في علم الاجتماع  وأستاذ الجامعة التونسية زهير بن جنات يقدم مسألة العنف  المسلط المرأة على   أساس أن “المرأة ضحية عنف المجتمع الذكوري القائم على التمييز والحيف. 

تموت النساء كل يوم على يد رجال يظنون أن استباحة المرأة في الشارع والعمل وفي المنزل أمر عادي عادية  وأنها مُبرّرة اجتماعيا تحت مظلة الأعراف والتقاليد، وأي امرأة تنتفض تُواجه بالعنف وحتى بالقتل. 

ويعتبر بن جنات أن الفكر الذكوري متغلغل في عقول الرجال والنساء على حد السواء وهو دائما مصدر العنف المسلط على النساء.

في زمن الكوفيد لم يحجب الخوف من ضوضاء الفيروسات مظاهر خالها البعض قد انتهت بالقوانين والتشريعات و الشعارات . ولعل العنف المسلط على النساء داخل أسوار المؤسسة الزوجية ليس سوى عينة صغيرة من عنف أكبر يمارس على المرأة، في العمل وفي الشارع وفي الفضاء العام. وبين الريف والمدينة تتعمق ماسي الكثير من النساء اللاتي يفضلن الصمت على المواجهة. لتتكرر المشاهد نفسها وتلقي بكل العقد و التشوهات في جيل يتربى تحت جناحي ” الأم المعنفة”.


كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر

تم توثيق شهادات النساء المعنفات وإخفاء هوياتهن لحمايتهن واستجابة لطلباتهن

إشراف عام خولة بوكريم

بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا