كشف صحي


العزوف عن تلقيح كوفيد19 يساوي العودة إلى مرحلة الخطر الوبائي

21/09/12

بعد إقبال التونسيين/ات على التطعيم ضد الكوفيد، خلال الفترة الأولى للأيام المفتوحة للتلقيح، لوحظ تراجع ملفت في أعداد المدعوين وتخلف جزء هام منهم عن تلقي الجرعة الثانية من اللقاح.

وكانت البلاد قد سجلت تطعيم أكثر من نصف مليون تونسي ممن هم فوق سن الأربعين يوم 8 أوت 2021. وبعد دعوة ما يفوق الـ450 ألف شخص لم يتلق منهم سوى 308 ألف شخص الجرعة الثانية للقاح أسترازينيكا.

كما بينت أرقام وزارة الصحة أن العزوف عن التلقيح لا يشمل فقط المطالبين بتلقي الجرعة الثانية. فقد أعلنت الوزارة عن تغيب ثلثي المدعوين للتلقيح ضد كورونا يوم الجمعة 10 سبتمبر عن موعد تطعيمهم. ولم يحضر إلى مراكز التلقيح في ذلك اليوم سوى 34 ألف شخص من مجموع 97 ألف من المدعوين.

تبين هذه الأرقام ضعف عدد الملقحين مقارنة بعدد المدعويين

استنكرت اللجنة العلمية لمجابهة كورونا هذا التراجع الملفت الذي من شأنه أن يبطئ أو يعرقل الوصول إلى الهدف الذي وضعته السلطات بتطعيم 50 بالمئة من سكان البلاد، بحلول منتصف أكتوبر المقبل.

ما هي أسباب العزوف؟

تختلف أسباب العزوف عن تلقي الجرعة الثانية للقاح المضاد للكوفيد أو عن عملية التلقيح برمتها من شخص لآخر. وتتكيف هذه الأسباب مع عدة اعتبارات منها المستوى الفكري والشخصية والوضع الاقتصادي والاجتماعي للفرد. ويصعب حصر فئة بعينها وفق خصوصيات محددة ومتسببة في هذا العزوف، وهذا يعني أن التشكيك في نجاعة اللقاح، مثلا، لا يقتصر على الأميين أو المشككين في العلم وإنما قد نجد عددا لا بأس به من الأطباء حول العالم متمسكين بعدم تلقي اللقاح لعدم قناعتهم بسلامته.

الخوف من الإصابة بالأعراض الجانبية للقاح قد يكون سببا آخر للامتناع عن تلقي الجرعة الثانية، لا سيما وأن عددا كبيرا ممن تعرضوا لارتفاع شديد في الحرارة وأوجاع عامة في كامل الجسم كانوا قد أغرقوا مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات أطنبوا فيها الشكوى والتذمر من تدهور حالتهم. وهو ما تسبب في حالة خوف شديد لمن لم يواجه مثل هذه الأعراض بعد الجرعة الأولى. 

وقد سعت السلطات في تونس إلى تلافي هذه المعضلة بأن وفرت وسائل نقل عمومية لنقل المواطنين لمراكز التلقيح بشكل مجاني. 

كما نظمت وزارة الصحة حملات تلقيح أخرى تستهدف فئات بعينها في أماكن الشغل أو قرب مساكنها، مثل حملة تلقيح بسوق الجملة ببئر القصعة بن عروس وأخرى بالمناطق الريفية والفلاحية بالتعاون مع منظمة “أطباء بلا حدود” عبر سيارات الإسعاف لتطعيم عمال وعاملات الفلاحة. كما نظم الجيش حملات تلقيح في المناطق النائية.

تواصلت كشف ميديا مع عدة حالات رافضة لتلقي الجرعة الثانية وحتى الأولى لكنهم امتنعوا عن التصريح خوفا من الوصم، وأكد بعضهم أنهم إن اقبلوا على التلقيح فسيكون من أجل إتمام إجراءات السفر. ظاهرة تستحق أكثر اهتماما بالدرس والمتابعة من قبل وزارة الصحة.

جاء في  تقرير حديث صادر عن معهد الابتكار الصحي العالمي (IGHI) في جامعة لندن أن العقبات الرئيسية للعزوف عن التطعيم تظل خشية المرضى من حدوث الآثار الجانبية والمخاوف من عدم اختبار اللقاحات بشكل كاف.

 شهادة لفرنسي غير مقتنع بالجرعة الثانية للقاح

ومن ناحية أخرى يرى الباحث محمد رزائي من معهد أبحاث صحة السكان في جامعة سانت جورج بلندن، أننا بحاجة إلى أن نأخذ في الاعتبار “الأشخاص الذين يعيشون في المجتمعات الفقيرة والذين قد يجدون صعوبة في العثور على المال والوقت للذهاب إلى مركز التطعيم”.

ويقول رزائي لمحطة بي بي سي: ” قد يكون الوصول إلى مركز التطعيم مشكلة كبيرة لمعظم الأشخاص الذين يحصلون على الحد الأدنى للأجور”.

مخاطر الامتناع عن تلقي الجرعة الثانية أو تأخيرها

قالت الناطقة الرسمية باسم اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا الدكتورة جليلة بن خليل لـ”كشف ميديا”:

حتى مع تلقى جرعة واحدة تكون نسبة الحماية من الحالات الحادة لعدوى الكوفيد في حدود الـ50 بالمئة وفي حال عدم تلقي الجرعة الثانية تتراجع هذه النسبة بالضرورة ويتفاقم الخطر بشكل أكبر”.

وأضافت الدكتورة

هذا يعني أنه حتى بعد تلقي الجرعة الثانية قد تصل الحماية من الحالات الشديدة للمرض إلى الـ 90 بالمئة فما بالك بالعزوف عنها.

مع ذلك تشير الدكتورة إلى إمكانية التدارك بالتطعيم بالجرعة الثانية حتى وإن طالت الفترة الفاصلة بين الجرعتين وهي تظل أفضل بكثير من الاكتفاء بجرعة واحدة.

من جهتها أفادت عضو اللجنة العلمية حنان التيويري في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، أن فعالية الجرعة الأولى من اللقاح لا تتجاوز 30 بالمئة وتصبح دون جدوى في صورة عدم تلقي الجرعة الثانية منه.

 وبينت أن اكتفاء الأشخاص الذين لم يصابوا سابقا بكورونا، بجرعة واحدة من اللقاح لا يحميهم من خطر العدوى بالفيروس.

وجددت التيويري التأكيد على خطورة فيروس كورونا، محذرة من “أشكاله المتحورة الجديدة والخطيرة جدا حيث لا يمكن الحد من ظهورها ومن خطر الاصابة بها إلا عبر سلاح التلقيح واحترام البروتكولات الصحية”.

ويفسر باحثو الأكاديمية الفرنسية للطب أن هناك مخاطر محتملة لتأخير الحقن مثل استمرار انخفاض مستوى المناعة أو عدم كفايته والذي قد يزداد نتيجة للزيادة في الأسابيع الإضافية التي تسبق الحقنة الثانية.

لذلك تنصح أكاديمية الطب باحترام فترة 21 و 28 يوما بين حقنتين، خاصة للأشخاص المعرضين للخطر. كما توصي بتقوية تدابير التباعد الاجتماعي حتى لا يصاب أي شخص تم تطعيمه بالعدوى قبل إعطاء الجرعة الثانية.

جرعة واحدة غير كافية لمريض الكوفيد 

في تصريح لراديو ايسي كندا، قال المتخصص في علم الفيروسات، بينوا باربو: “أعتقد أنه سيكون من الأفضل استخدام جرعتين، الحماية ستكون مضمونة”.

ومن المعروف أن أولئك الذين أصيبوا بالفيروس بعد تلقيهم لجرعة أولى كانت لديهم استجابة مناعية ممتازة، مماثلة لتلك التي حصلوا عليها بعد جرعتين.

لكن باربو يرى أن لا ضامن لاستمرار هذه المناعة الطبيعية في الحماية إلى الأبد، خاصةً ضد بعض المتحورات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المناعة الطبيعية المكتسبة بعد الإصابة ليست بالضرورة هي نفسها من شخص لآخر.

ويوضح باربو أن الشخص الذي كانت نتيجة اختباره إيجابية ولم تظهر عليه أعراض قد لا يكون قد طور ما يكفي من الأجسام المضادة وقد يحتاج إلى جرعة ثانية.

وحذر “إذا كنت تعتقد أنك مصاب ولكنك غير متأكد، فلا تعتمد كثيرا على المناعة الطبيعية المكتسبة عن طريق العدوى”.

لذلك يؤكد المتخصص في علم الفيروسات أن من الحكمة إعطاء كلتا الجرعتين للأشخاص المصابين.

وفي ظل التسجيل المتنامي لهذا العزوف عن التلقيح يبقى السؤال قائما، ماهي استراتيجية وزارة الصحة التونسية للحد من هذه الظاهرة، طالما لم تحقق الحملات التوعية النتائج المأمولة؟


بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا

إشراف عام خولة بوكريم