كشف حكومي


المدارس الريفية في سيدي بوزيد: لا معنى للبروتوكول صحي في غياب الماء!

21/09/19

 في العودة المدرسية تستقبل المدارس الريفية التلاميذ بشيء من الخوف مع موجة الكوفيد الذي لا ينتهي . ويكثر الحديث عن الاستعداد لهذه العودة وتأمين التلاميذ والمعلمين على حد السواء من عدوى الفيروس وفق بروتوكول صحي لا يمكن تطبيقه في مثل هذه المدارس التي يغيب عنها الماء الصالح للشرب و مراحيض أدمية وتعيش الإهمال قبل الكوفيد وبعده.

 زارت “كشف ” مدرستين ريفييتن في ولاية  سيدي بوزيد لترصد ملامح العودة المدرسية في زمن الكوفيد.

غير بعيد من جبل “ڨبرار ” تظهر المدرسة الابتدائية بالسرايرية الموجودة في معتمدية الرقاب من ولاية سيدي بوزيد  . ثلاثة أقسام جميلة يحتضنها الفراغ في سكون لا يقطعه سوى صوت الريح بين الفينة والاخرى . هنا “مدرسة بلا مدرسة ” كما يقول العايش عمري مدير هذه المؤسسة التي استقبلت في العودة المدرسية زهاء تسعين تلميذا . ” يقول ” العايش “: 

هي مدرسة بلا مدرسة . إذ لا وجود لسور يحمي الإطار التربوي والتلاميذ من خنازير قادمة من الجبل .و أما المعضلة الكبرى فهي البروتوكول الصحي الذي لا يمكن تطبيقه في مدرسة لا ماء فيها ولا مواد معقمة ولا قدرة على توفير الكمامات بشكل يومي للتلاميذ والمدرسين.

المدرسة الابتدائية بالسرايرية، معتمدية الرقاب من ولاية سيدي بوزيد

قطع الماء عن هذه المدرسة وكثير من المدارس الريفية بسبب ارتباطها بالجمعيات المائية التي تعترضها مشاكل مادية عدة تدفعها لقطع الماء او الانسحاب  ويضطر القائمون على هذه المدارس لجلب صهاريج لتفادي النقص الحاصل في التزود بالماء الصالح للشرب.

 يتساءل عادل عبيدي وهو أستاذ تعليم ابتدائي في مدرسة السرايرية عن جدوى البروتوكول الصحي في مثل هذه المدارس في غياب الماء الصالح للشرب وغياب أدنى مقومات السلامة للتلاميذ والعاملين في المدارس الريفية قائلا : 

وزارة التربية توفر لهذه المدارس تسعين دينارا لمواد التنظيف والحال ان الوضع الاستثنائي بسبب الكوفيد يجعل هذا المبلغ غير كاف لتطبيق البروتوكول الصحي .اعتقد ان شروط هذا البروتوكول لا تستجيب في مثل هذه الظروف و أظن أن حالة المدارس وبنيتها التحتية لا تساعد على تأمين أطفالنا من الفيروس.

ويعتبر عادل أن  البروتوكول الصحي كذبة كبرى وخاصة في هذه المناطق البعيدة حيث لا وجود للماء و لا وسائل الحماية من الفيروس و الأطفال كما الاساتذة في خطر دائم ، خطر عدوى الكوفيد و نقص الكمامات و السائل المعقم .

على بعد أكثر من خمسين كيلومترا من مدرسة السرايرية  تقبع مدرسة اولاد عمر الابتدائية بمنطقة هنشير بريك من معتمدية منزل بوزيان بولاية سيدي بوزيد، بلا ماء بعد أن أصبحت الجمعية المائية تعاني من عجز مالي و أٌجبر العاملون في هذه المدرسة على جلب صهريج من الماء ووضعه في فسقية لتأمين هذا النقص في ظل شبح الكوفيد الذي يتربص بالجميع يقول “محمد ” وهو ولي لتلميذ في السنة الاولى ابتدائي :

 نقص الماء في المدرسة يجعلني أضع قارورة ماء لابني و أحاول أن أوفر له قطعة صابون صغيرة و لكني لا اعرف شيئا عن مدى نظافة دورة المياه في المدرسة، وطبعا هذا مكلف بالاضافة إلى اللمجة والمصاريف الأخرى.

المدرسة الابتدائية بالسرايرية، معتمدية الرقاب من ولاية سيدي بوزيد

تأسست مدرسة اولاد عمر الابتدائية في سيدي بوزيد سنة 1948، أي قبيل تاريخ استقلال تونس في 20 مارس 1956 و رغم مرور هذا الزمن الطويل الا انها مازالت بنفس الحالة من الإهمال وغياب أدنى الشروط التي تضمن تعليما جيدا لأبناء تلك الأرياف، وظروف صحية ملائمة. و هي عينة من مدارس ريفية منتشرة في عدة ولايات من تونس تفتقر الى الماء الصالح للشرب وإلى دورة مياه تحترم شروط النظافة و تحترم طفولة أطفال لا سبيل أمامهم إلا التعلم ولو في مثل هذه الظروف القاسية .

وزير التربية فتحي السلاوتي زار ولايتي سيدي بوزيد والقصرين في أول أيام العودة المدرسية و قد صرح في أخبار التلفزة الوطنية ليوم السادس عشر من سبتمبر أن 211 مؤسسة تربوية مازلت تعاني من مشكلة الاضطرابات في التزود بالماء بعد أن كانت 471 مؤسسة السنة الماضية ..هذه المؤسسات التربوية ستتجاوز هذا الاشكال في جانفي 2022 على اقصى تقدير وفق تصريح الوزير نفسه.

في الوقت نفسه صرح علاء المرزوقي منسق المرصد التونسي للمياه اليوم الجمعة 17 سبتمبر 2021 للاذاعة الوطنية أنّ أكثر من 1200 مدرسة تفتقر للماء الصالح للشرب . واعتبر أن تزويد كل المدارس بالماء مع موفى فيفري 2022 يعد أمرا مستحيلا”.

مازلت أغلب المدارس التي تعاني من مشكلة غياب الماء الصالح للشرب تؤرق الولي والتلميذ والمدرس خاصة في فترة الكوفيد ومازالت هذه المدارس تستقبل أبناء هذا الوطن  في كل عودة مدرسية بزخم من المشاكل والنقائص القديمة الجديدة .ليواصل أبناء الأرياف و المناطق الجبلية و القرى المعزولة رحلة التعلم بنفس التضحيات اليومية و بنفس النضال للطفل و والولي والمعلم في كل ركن من هذا الوطن..و قد تكون نتائج الاهمال كارثية حين يكون منسوب الفشل الدراسي والانقطاع المبكر عن التعليم مرتفعا في تلك المناطق . 


إشراف عام خولة بوكريم

بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا