كشف حكومي


القصرين: تنامي ظاهرة العنف ضد النساء زمن الكوفيد

21/09/20

الكورونا كان لها وقع  سلبي على حياة الناس في مختلف المجالات، و أحدثت تغييرات كبيرة على مستوى  الحالة الاجتماعية والاقتصادية وخلّفت انعكاسات خطيرة على وضعية الأسرة التونسية خاصة فيما يتعلق بارتفاع منسوب العنف ضد النساء.

كشف ميديا ” التقت عدد من الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة وعددا من النساء المعنفات في ولاية القصرين ، لرصد ظاهرة العنف المسلط على النساء والأطفال أثناء فترة الكوفيد .

السيدة “أنيسة” (اسم مستعار)، 55 عانا عنفها زوجها وتسبب لها في إصابات بليغة ثم قام بطردها من المنزل في ساعة متأخرة من الليل صحبة أبنائها. 

أنيسة عاطلة عن العمل لكنها ربة بيت، يراها زوجها اليوم عالة عليه ويجب التخلص منها بأي طريقة.

لم يكن أمام أنيسة سبيل سوى اللجوء إلى مركز إستماع للنساء المعنفات بالقصرين الذي ترأسه  لواحظ سمعلي  وهي شابة من الناشطات في المجتمع المدني في  ولاية القصرين، و عضوة في جمعية شباب في خدمة النساء.

 تقول لواحظ:

بحكم نشاط الجمعية وتخصصها في قضايا المرأة ، وأمام ما اعترضنا من مشاكل مختلفة ومتنوعة تعاني منها النساء في هذه الربوع التي ظلت فيها حقوق المرأة مجرّد قوانين وشعارات لا وجود لها على أرض الواقع ، تبقى قضايا العنف من اخطر واكبر المواضيع الحارقة والمسكوت عنها خاصة في بعض الأرياف الممتدة التي ترتفع فيها نسبة الامية والانقطاع المبكر عن الدراسة والبطالة وغيرها ، مما يساهم في تهميش المرأة وضياع حقوقها.

وتعتقد لواحظ أن  طول مدة إجراءات التقاضي  يجعل المرأة  تلهث  في أروقة المحاكم وبين مكاتب المحامين و مندوبي حماية الطفولة  ومراكز العنف ضد المرأة والطفل بحثا عن رد الاعتبار إلى نفسها، وذلك نتيجة المسالك والإجراءات القانونية المعقدة  ، و تضيف السمعلي:

أغلب الحالات التي اعترضتنا كانت لنساء من مختلف الأعمار ومختلف المستويات تعرضن للعنف، فوجدنا انفسنا امام تحدّ كبير وكان من المنطقي أن نقوم بشيء لمساعدتهن، فجاءت فكرة تأسيس مركز استماع للنساء المعنفات. 

يضم المركز إطارات طبية وأخصائيين/ات نفسيين وخبراء/ات في القانون وقام بتنفيذ بعديد الأيام التكوينية والندوات التحسيسية و التوعوية للتعريف بمشروع القانون الأساسي عدد 58 للقضاء على العنف ضد المرأة ، بالاشتراك مع مندوبية المرأة والاسرة وكبار السن بالقصرين وعدّة إدارات جهوية والمؤسسة الأمنية وبعض الهياكل الاخرى ذات العلاقة .

ذكرت لنا السمعلي في شهادتها عدة حالات لنساء كنّ ضحايا العنف ، تمثّل في تعرّضهن للاغتصاب الزوجي و اغتصاب القصّر وغيرها وكلها جرائم انتشرت  أثناء فترة الكوفيد ، وقد بلغ عدد الحالات التي تم الإبلاغ عنها تسع حالات في أبريل 2021 ، بالإضافة الى كثرة الإشعارات الواردة على المركز الذي ذاع صيته وأصبح قبلة لكل النساء المعنفات بعد الحملات الدعائية الكبيرة التي تم تخصيصها للتعريف به.

وصل عدد الاشعارات إلى 12 اشعارا في اليوم  لتبليغات لأنواع مختلفة من أشكال العنف، وقد تضاعفت النسبة العامة الى حدود 5 مرات خلال السنوات الأخيرة وبلغت ذروتها في فترة الكوفيد، حيث تفيد آخر الإحصائيات أن العدد الجملي الوارد على المصالح الفنية لمركز الاستماع بلغ في الثلاث سنوات الأخيرة 2640 حالة دون اعتبار الحالات التي لم يتم الإبلاغ عنها .

جمعية شباب في خدمة النساء بالقصرين

 سلاف الجدي رئيسة مصلحة المرأة بالمندوبية الجهوية للمرأة والاسرة وكبار السن  بالقصرين، و المكلفة بملف النساء المعنفات، تؤكد أن هناك عشرات القصص المؤلمة جدا حدثت مع النساء أثناء فترة الكوفيد 19، كان العنف الجسدي والاغتصاب الزوجي الطرد خارج بيت الزوجية من أبرز محاورها. 

وقالت إن القضايا مختلفة وعديدة و تكاد تكون يومية وتتمثل في التحرّش الجنسي والعنف اللفظي والمادي ، ولكن تبقى اغرب قضية حسب رأيها هي قضية رجل اعمال تزوج على غير الصيغ القانونية أثناء فترة الكوفيد بعد أن زوّر عدة وثائق رسمية ثم قام بتعنيف زوجته وغادر الى وجهة غير معلومة بعد أن تفطنت له ، وتضيف الجدي أن إحدى الحالات الأخرى التي باشرتها لم تكن اقلّ حدّة حيث كانت تبعاتها قاسية ، وقد تعرضت لها 

سلاف الجدي رئيسة مصلحة المرأة بالمندوبية الجهوية للمرأة والاسرة وكبار السن  بالقصرين

وفاء (اسم مستعار)، 38 عاما، مستواها جامعي، لكنها لم تتمكن من الحصول على عمل. نشب خلاف حاد بينها وبين زوجها زمن الكورونا أيام الحجر الصحي الأول أفريل 2020،  حيث  حاول الاعتداء عليها بآلة حادة ، إلا أنه أصاب ابنته فخلّف لها 12 “غرزة” ثم قام بطردها صحبة ابنتها من محل الزوجية.

رئيسة مصلحة المرأة بالمندوبية الجهوية للمرأة والاسرة وكبار السن  بالقصرين تؤكد أن مثل حالة وفاء يتم إيوائهما بدار الشباب بالقصرين بعد طردها من منزلها في حين لجأت بعض المعنفات الأخريات إلى الإقامة في منازل أقاربهم لتفادي جحيم البيوت زمن الكورونا .

ولم تخف الجدي قلقها إزاء تزايد عدد الاشعارات الواردة على مقر المندوبية من خلال الاتصال المباشر او بالهاتف او من خلال البريد ، و التي بلغت خلال 3 أشهر (أفريل ماي جوان 2020 ) أكثر من 50 اشعارا،  وقالت إنه منذ شهر فيفري 2021 الى حدود 31 اوت 2021 تم رصد 94 اشعارا دون اعتبار الحالات التي لم يتم الابلاغ عنها او الحالات التي قامت بالابلاغ مباشرة في مراكز الأمن الخاصة بالعنف ضد المرأة والطفل الراجعة لها بالنظر. 

الهادي العلوي اخصائي في علم الاجتماع يقول لـ”كشف ميديا” ان البيوت كانت مصدر خوف ورعب خلال فترة الحجر الصحي ولم تعد امنة ، ويضيف  أن العائلة التونسية لم تتعوّد على المكوث في المنزل لمدة طويلة، وكان من المفروض التعاطي مع مسألة الحجر الصحي الشامل والتباعد الجسدي باستنباط برامج توعوية تثقيفية تهدف الى منع العنف داخل الأسرة حتى نتجنّب تداعياته الخطيرة.

ويرجع تنامي ظاهرة العنف وتفشيها زمن الكوفيد خاصة  ، الى تردّي الوضعية الاقتصادية للعائلة وتراجع الدخل المادّي للعائل لأسرته وما يقابله من ارتفاع في عدد الطلبات مما ولّد كثرة الخلافات ، هذا بالإضافة الى ضغوط المنزل وغياب الترفيه والقلق الذي يواجه أغلب العائلات بخصوص انتشار هذا الوباء المستجد.

العنف الذي مورس خلال فترة فيروس كورونا المستجد سيخلّف اضطرابات في صفوف الأطفال وسيؤثر على تركيبة وتكوين العائلة مستقبلا ، ويرجع ذلك الى بقاء العائلات لفترة طويلة داخل المنزل بسبب فترة الحجر الصحي، ممّا ولّد عدة خلافات زوجية ، بالاضافة الى فترة الركود الاقتصادي والبطالة القصرية التي لحقت ببعض المهن مما اضعف الجانب المالي للاسرة واثّر نفسيا على عدد منها .

على الرغم من انتشار عدد هام من الجمعيات النسوية المدافعة عن حقوق النساء و المتكفلة بحمايتهن من العنف الأسري لكن يبقى هناك نقص الفادح في توجيه المرأة المعنفة  والتي تتجنّب الإبلاغ عن الضرر الذي لحقها خوفا من تفكك أسرتها، مما يجبرها على  التنازل عن حقها في تتبع الجاني  وترغم على مواصلة العلاقة الزوجية أحيانا تحت التهديد.سلاف الجدي رئيسة مصلحة المرأة بالمندوبية الجهوية للمرأة والاسرة وكبار السن  بالقصرين، طالبت عبر “كشف ميديا” بإحداث خط اخضر مجاي جهوي بكل مندوبية للمرأة  باعتبار أن الرقم الأخضر الموضوع على ذمة المعنفات للتبليغ هو خط مركزي في العاصمة مما يزيد من تعقيد عملية الانصات والارشاد والتوجيه.كما طالبت بتمكينها من الضابطة العدلية لتسهيل عملية تتبع المتسببين في العنف.


إشراف عام خولة بوكريم

بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا