21/09/22
“البرباشة”، لربما يتبادر إلى ذهنك أول ما تتناهى إلى مسامعك الكلمة مزيج من الوسخ والروائح الكريهة والعفن والذباب والحشرات والامراض وغيرها، إنها إكراهات البطالة والفقر والخصاصة التي دفعت بنساء الى التوجه الى مصب الفضلات كملاذ ليجمعن من بقايا أوساخ ما يقتاتون به و يسدون به رمقهن.
تنطلق رحلة وداد وسميرة مباركي صباح كل يوم على ظهر الحمار الذي يجوب شوارع مدينة السبالة من ولاية سيدي بوزيد، ويتوقف في مصب الفضلات لينتظر أحيانا لساعات قدوم شاحنات البلدية المخصصة لرفع الفضلات من أنهج وشوارع المدينة فتسرعان لأكداس الفضلات تفرزان ما يعتبرانه صالحا ويمكن أن يساعد على الفوز ببعض الملاليم ربما تنفع في شراء لوازم البيت.
“كشف ميديا ” رافقت الأختين وداد وسميرة في رحلتهما اليومية، و اللتان تواصلان العمل على هذه الشاكلة منذ حوالي 15 سنة لتتحدثا عن ظروفهما الاجتماعية خاصة زمن الكوفيد.
يتجمع قريبا من مصب الفضلات سميرة ووداد وأخوهما والحمار ويتجمع فوقهم جميعا سرب من الذباب وتنتشر في الهواء روائح كريهة للفضلات لا تطاق وروائح دخان حرق الفضلات الا أنهم ينتظرون دون كلل ولا ملل قدوم شاحنات رفع الأوساخ من المدينة.
سميرة مباركي (40 سنة) قالت أنها تمتهن النبش في المزابل لتحصيل قوتها منذ سنوات وتعمل ساعات الصباح وتقضي بقية يومها في البيت مع أبويها وتقتات من تجميع القوارير وتعيش ظروف صعبة تصل حد البقاء للجوع لمدة أسبوع لا تجد العائلة ما يطبخ في المنزل.
حياتي صعبة ولكن المسؤولية تجاه والدي هي التي تلزمني بالعمل لضمان قوتهما ولضمان مصاريف علاجهما ومتابعة مواعيدهما عند الأطباء.
سميرة تقول إنها تتحمل مجبرة الروائح الكريهة ودخان حرق الفضلات وتلزمها الظروف على امتهان هذا العمل.
فترة الكورونا انقطعت عن العمل خوفا على والدي و والدتي مدة شهرين فتضاعفت أزمة العائلة ولم أجد القوت، ما اضطرنا للعودة إلى العمل دون حماية.
لا تضع سميرة كمامة ولا تلبس قفازات ولا تستعمل سائلا معقما، رغم خطورة المكان الذي تتواجد فيه على صحتها. كما أنها لا تلبس حذاء يقي ساقيها. هي فقط تمسك منجلا تقرب به أكياس الفضلات وتقطعها لتطل على محتويات الكيس وتفرز منها ما هو بلاستيكي وأحيانا تجمع الثياب أو الخبز أو غيرها مما تراه صالحا.
سميرة مباركي لم تتلق أيضا التلقيح ضد فيروس كوفيد 19. ليس هناك أخطر من ظروف عملي أين تتكدس الأمراض والحشرات.
هي لا تأبه لصحتها ولا للموت كيف ما جاء، لأنها لا تعتبر نفسها على قيد الحياة والحياة والموت عندها متساويان. تضيف بنبرة حزن شديد
نهضوا مسرعين الخطى نحو شاحنة رفع الفضلات التي دخلت مصب “الرحبة” بمعتمدية السبالة أين يتوجهون يوميا أحيانا بمرافقة أخوهما، لكن بحضور يومي لحمار العائلة الذي يعتبر عنصرا أساسيا في هذه المهنة اذ يشارك برفع جزء من ثقل الحياة على العائلة .
فيديو
وداد مباركي 44 سنة، شقيقة سميرة وتتكون عائلتهما من الأبوين والأختين وأخوين وتعيش العائلة ظروفا اجتماعية قاهرة دفعت بالشقيقتين للخروج للعمل في نبش المصبات.
يوميا تقوم وداد مباركي بتجميع القوارير البلاستيكية من شوارع ومصبات الفضلات بمدينة السبالة، ذلك أن والدها لا يقدر على العمل وهو مريض وفي حاجة لاجراء عملية الا أن وضع العائلة المادي لا يسمح بذلك.
حدثتنا وداد مباركي أنه رغم المشقة والتضحية فان ما يحصلانه من مال لا يفي بحاجات العائلة ولا يوفر هذا العمل مورد رزق لعائلة تتكون من 6 أفراد ولا تغطي مداخيل هذا العمل مصاريف الأكل والأدوية والتزامات العائلة.
هما تسندان بعضهما في ظروفهما الصعبة وتعملان بيد واحدة وهدف واحد وهو مساعد عائلاتهما على مجابهة الظروف الاجتماعية القاهرة والتي تضاعفت زمن الكوفيد دون اهتمام ولا احاطة من السلط الموجودة في الجهة.
قاموا بفرز حمولة الفضلات التي كانوا ينتظرونها وتجميع أكياس من القوارير البلاستيكية والملابس وأفرغوا ما جمعوه في الحاوية التي يجرها الحمار وستنطلق رحلة العودة الى المنزل مثقلة بروائح وسخ ووجع صراع مستمر لتحصيل قليل لا يمكن أن يسمى حياة.
معتمد السبالة زياد دربالي في تصريح ل “كشف ميديا” بين أنه تم إدراج مختلف الفئات الهشة في قائمات للتمتع بالمساعدات الظرفية فترة الكوفيد بالتنسيق مع مصالح وزارة الشؤون الاجتماعية لضمان وصول المساعدات لمستحقيها وخاصة من أصحاب المهن الهشة وتلقوا المنح الاستثنائية والمقدرة ب 200 دينار .
المعتمدية بالتنسيق مع عدد من رجال الأعمال وميسوري الحال في معتمدية السبالة قامت بحملة تبرعات وقدموا مساعدات عينية فترة الكوفيد وخاصة فترة الحجر الصحي الشامل للعائلات المعوزة ومحدودة الدخل وأصحاب المهن الهشة و “البرباشة” من بينهم والذين تضرروا جميعهم من أزمة الكوفيد.
من جهته قال علي العامري رئيس جمعية حلول ذكية للتخطيط التنموي والتوازن الاجتماعي بمعتمدية السبالة إن تدخلات الجمعية فترة الكوفيد اقتصرت على توزيع كميات من الكمامات والجال المعقم لفائدة العائلات المعوزة والأشخاص المحتاجين والعاملين في المهن الهش.
كما تم تنظيم حملات تحسيسية شملت المدينة والأرياف والقرى والأسواق الأسبوعية للتوعية المواطنين بضرورة احترام إجراءات البروتوكول الصحي في مرحلة أولى ثم التحسيس بضرورة التوجه لمراكز التلقيح والإقبال على تلقي التلقيح لضمان الوقاية الجماعية من انتشار عدوى الفيروس.
ٍ
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا