كشف حكومي


لطفي، 40 عاما، عامل “المرمّة” مع مرتبة الأستاذية في علوم الحياة

21/09/29

ألقى الكوفيد بظلاله وتأثيراته على فئة المتخرجين من الجامعة التونسية بسبب الركود الاقتصادي الذي تشهده تونس منذ بداية الأزمة الصحية وأيضا بسبب غلق أبواب الانتداب في الوظيفة العمومية على مدى سنوات إضافة إلى غياب متابعة خريجي الجامعة التونسية القدامي وحديثي التخرج .و تتحول هذه المشكلة الى مأساة للكثيرين في الأرياف ممن لم يجدوا بديلا آخر سوى العمل العرضي في أنشطة اقتصادية لا تشبه اختصاصهم .

في هذا التقرير ترصد ” كشف ” ملمحا لزوجين من خريجي الجامعة التونسية طالت بطالتهما في ريف ” هنشير بريك ” من معتمدية منزل بوزيان و لم يجد سبيلا للعيش سوى العمل العرضي ..بعيدا عن تكوينهما العلمي  بعد أن فقدا الأمل في الوظيفة العمومية .

لطفي بكاري أربعون عاما متزوج وله طفلان  وشهادة الأستاذية في علوم الحياة والأرض لا تساوي شيئا أمام بطالة فاقت ست عشرة سنة من الانتظار و البحث في عروض الشغل و المناظرات.

يغادر لطفي منزله من الرابعة فجرا ليلتحق بعمله في حظيرة البناء .هو يعمل يوميا ثماني ساعات لقاء خمسة وعشرين دينارا يقضيها بين الاسمنت و الآجر و الحيطان التي تسرق أيامه كلما شيدها . لا يكترث كثيرا لحالة الطقس فالنتيجة واحدة وهي أنه لابد له من العمل لتأمين متطلبات عائلته.

لطفي 40 عاما، عامل بناء في حين متحصل على شهادة الأستاذية في علوم الحياة والأرض

تخرج لطفي من كلية العلوم بصفاقس في 2005 بشهادة الأستاذية في علوم الحياة والأرض و بسنوات بين مدرسة ومعهد و كلية لم يرسب فيها ولو مرة واحدة رغم انه من عائلة فقيرة جدا و كبيرة العدد .

يقول لطفي ل”كشف”: 

 شاركت في كل المناظرات تقريبا،  مناظرة انتداب المعلمين والقيمين و الكاباس وغيرها و كنت كلما دفعت معلوم التسجيل لمناظرة ما أتخيل أن الحظ سيحالفني فيها و لكن العكس هو ما يحدث لي في كل مرة لأجد نفسي بلا عمل و أكتشف أن العمر قد سرق مني كما سرقت معه أحلامي . 

في فترة الحجر الصحي أجبرت الظروف لطفي على العمل في أحد أرياف ولاية قفصة البعيدة عن مقر إقامته أكثر من خمسين كيلومترا  .كان يختار طريقا غير معبدة يسلكها فجرا ب ” فورزا” ليتجنب دوريات الأمن التي تنفذ الحجر الصحي الشامل ومنع التنقل بين الولايات .كان عليه أن يعمل ليوفر لعائلته الصغيرة متطلبات الحياة اليومية حتى وإن خالف إجراءات الحجر الصحي الشامل.

يقول لطفي :

خلال الموجة الأولى لانتشار الكوفيد تحصلتٌ على منحة 200 دينار التي أقرتها الحكومة مساعدة للعائلات المعوزة ولكن هذا المبلغ لا يفي بالحاجة بالنسبة إلى وعائلتي .مازالت الى حد هذه اللحظة لم أسدد فاتورة الكهرباء التي بلغت أكثر من 1000 دينار بسبب الكوفيد والحجر الصحي و ارتفاع الأسعار وعدم قدرتي على العمل بشكل يومي . حتى ” المرمة ” لم تكن متاحة في تلك الفترة”.

تزوج لطفي براضية في 2013 بعد أن عملا معا في موسم جني الزيتون قبل عام . راضية بدورها متحصلة على الإجازة في الفلسفة من كلية الآداب بصفاقس في 2012 و هي عاطلة عن العمل منذ تخرجها .

عملت راضية مع زوجها لطفي جنبا الى جنب في ضيعات الزيتون و المزارع الكبرى واعتقدت أن مرحلة البطالة ” شرّ لابد منه” غير أن هذا ” الشر ” طالت مدته ولم تجد راضية حلا آخر سوى البقاء في المنزل ورعاية صغيريها في غياب زوجها الذي ” يصرف من العمر ساعات طوال في المرمة” على حد قولها.ت

تضيف راضية: 

من الصعب أن تجد عملا في تونس وأنت متخرج من شعبة الفلسفة ولا سبيل لنا إلا اللجوء الى دورات تكوينية في بعث المشاريع للحساب الخاص وهذا أيضا غير ممكن لأن ذلك يحتاج مالا وصبرا وتفرغا .

وقد فقد قرابة 430 الف شخص وظائفهم منذ الحجر الصحي الشامل مارس 2020 حسب دراسة أعدها المعهد الوطني للقدرة التنافسية والدراسات الكمية أما توزيع  نسبة البطالة حسب المناطق، فيتبين من خلال نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الثاني من هذا العام تسجيل أعلى مستوياتها بالمناطق الغربية للبلاد والجنوب التونسي، بفارق يتراوح بين 4 و12 نقطة مقارنة بالمعدل الوطني .17.9℅

تعتقد راضية زوجة لطفي أن الحل بالنسبة لها هو الولوج الى الوظيفة العمومية، لكنها تراه أمرا مستحيلا في ظل الوضع الحالي في تونس على المستوى الاقتصادي وحتى السياسي .

الكوفيد عمق من أزمة التونسيين جميعا و خاصة الفئات الهشة، أما نحن اصحاب الشهادات العليا فقد أحالنا على الإحباط واليأس.

ويرى طارق أن هذا الارتفاع كان بسبب إجراءات اتخذتها الحكومات التونسية كإجراء التقشف و منع الانتداب في الوظيفة العمومية وترفيع سن التقاعد لإصلاح صناديق الضمان الاجتماعي .

اضافة الى ذلك لم يتم تفعيل القانون 38 لسنة 2020 المؤرخ في 13 أوت 2020 المتعلق بالأحكام الاستثنائية للانتداب لفائدة المعطلين عن العمل الى حد الان .

كما بلغت نسبة الفقر في سيدي بوزيد  وفق تقرير خاص بخريطة الفقر في تونس أصدره المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع البنك الدولي 23.1 ℅ في سبتمبر 2020 .

 مازالت ولاية سيدي بوزيد تعاني الفقر  ويعيش شبابها البطالة، بسبب غياب رؤية اقتصادية تبنى على الفاعل الاجتماعي و على المعطيات التنموية.


إشراف عام خولة بوكريم

بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا