21/10/06
يرفض عدد لا بأس به من الناس في تونس وحول العالم التطعيم ضد الكوفيد جراء الخوف الشديد من إبر الحقن. وقد تصل حدّة الخوف إلى نوبات من الهلع يزيد التنمر والسخرية من تفاقمها.
وطوال عملية التطعيم، أغرقت حملة السخرية مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من التعاليق المستهزئة من صور من يعانون من “رهاب الإبر” وفيديوهاتهم أثناء تلقيهم للقاح المضاد لكوفيد 19.
عدم الوعي بخطورة هذا النوع من الفوبيا دفع بمعظم المصابين برهاب الإبر إلى العزوف عن التلقيح والمجازفة بصحتهم.
رهاب الإبر وراء عزوف البعض عن التطعيم
يقول مراد، موظف في وزارة المالية ويبلغ من العمر ثلاثين سنة، لـ”كشف ميديا”:
لا أستطيع خوض هذه التجربة. فأنا لا أتحمل رؤية الإبر منذ الصغر ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن أسمح لأحد بأن يسخر من ردة فعلي أو مخاوفي.
تخلَّف مراد عن موعد الجرعة الأولى للقاح الكوفيد ولم يلتحق بمراكز التلقيح خلال الأيام المفتوحة لفئته العمرية.
ويضيف:
أعي جيدا مخاطر ترددي وأخشى أن التقط العدوى وأتسبب في نقلها إلى والدتي، لكني لا أملك الشجاعة لذلك رغم محاولتي أكثر من مرة.
تشير دراسة استقصائية، أجرتها جامعة أكسفورد مؤخرا على أكثر من 15 ألف شخص من البالغين في بريطانيا، إلى أن “رهاب الإبرة” يمثل حوالي 10 بالمئة من أسباب التردد في تلقي لقاح الكوفيد.
والخوف من الحقن ليس مرتبطا بلقاحات الكوفيد باعتبارها حديثة الصنع، وإنما هي مشكلة صحية عامة تهم كل اللقاحات التي تعتمد الإبر. فقد أثبت بحث سابق نشرته المجلة الطبية Journal of Advanced Nursing، أن 16 بالمئة من البالغين، من عدة بلدان حول العالم، يتجنبون لقاح الإنفلونزا الموسمية لخوفهم من الإبر.
التنمر يفاقم فوبيا الإبر لدى البالغين
ليندا التلميذة ذات السادسة عشر سنة تعاني بدورها من فوبيا الإبر لكنها، خلافا لمراد، تحدت خوفها وأتمت تطعيمها.
وقالت لكشف ميديا:
لا أريد أن أعامل كطفل لأنني أعاني من الرهاب. أنا لست طفلة.
تؤكد ليندا أنها أرادت مواجهة مخاوفها عندما شعرت باستهزاء الكثيرين من خوف البعض من الحقن.
وأردفت:
حاولت ثني أصدقائي عن التنمر على رفاقنا ولم أنجح في صد عبارات السخرية، إنهم لا يدركون أن الأمر أكثر تعقيدا مما يبدو. لكن ذلك زاد من إصراري وعزيمتي لتلقي التطعيم.
ويقول الدكتور جمال الدين الهاني، أخصائي نفسي في باريس، لكشف ميديا:
من زاوية عرفانية cognitive، يخضع تأثير التنمر والسخرية إلى طريقة التأويل الفردية، فنفس المحتوى يمكن أن يؤول بطريقة جدية ودراماتيكية، كما يمكن أن يفسره الشخص بطريقة أقل جدية أو حتى ساخرة.
ويؤكد أن المسألة مرتبطة بما يسمى النماذج العقلية والمعتقدات الفردية، حيث إذا كان الشخص يحمل معتقدا يقوم على ضرورة إعجاب الآخرين من أجل السعادة فهو سيتجنب الحقن إن كان محل سخرية جماعية أو لعدد هام.
ويشير إلى أنه كلما كان ذلك المعتقد متصلبا كلما كان أثر السخرية سلبيا على عملية الحقن.
الخوف من الحقن مرض حقيقي يتطلب العلاج
فوبيا الإبر تسمى علميا “تريبانو فوبيا” وهي تعبر عن حالة الخوف الشديد من الحقن التي قد تصل إلى الخوف من النظر إليها أو لمسها.
هذا النوع من الفوبيا خطير لأنه يتسبب في أحيان كثير في مجموعة من الاضطرابات الخطرة مثل اضطراب ضغط الدم والإغماء وتسارع نبضات القلب والقلق والتعرق والغثيان والدوار.
يذكر الدليل التشخيصي والإحصائي الأمريكي للاضطرابات العقلية أن فوبيا الإبر يرجع إلى العوامل الجينية بنسبة 80 بالمئة، فمعظم المصابين بتلك الفوبيا لديهم أقارب يعانون منها كذلك، وهناك أيضا عوامل نفسية ناتجة عن حادثة سابقة تفسر سلوك الشخص تجاه الإبر.
ويفسر الدكتور جمال الدين أن مسالة العواطف السلبية مرتبطة بالدرجة والمدة التي تستغرقها وترددها (fréquence).
وتابع:
إذا كانت عاطفة الخوف من الحقن في درجات معتدلة ولا تتجاوز سياق الحقن ولا تتردد كثيرا، فهي عادية ولا تستدعي تدخل أخصائي نفسي، أما إذا كانت على درجات مرتفعة أو حادة، مسترسلة وتتجاوز سياق الحقن، ثم كثيرة التردد فذلك يستدعي التدخل العلاجي.
ويرى الأخصائي النفسي أن العلاجات الممكنة السريعة لهذه الفوبيا هي “العرفانية السلوكية وخصوصا: الاستعراض النسقي exposition systématique الأكثر نجاعة وهي تعتمد تقنية استعراض حالة الخوف بتدرج وبشكل متكرر حتى تتقلص الأعراض الحادة والعميقة”.
تناول تقرير للتايم الأمريكية البحث في السبل المساعدة على تخفيف نوبات الخوف التي تنتاب المصابين عند اقتراب لحظة الحقن.
ويوصي التقرير بأن يكون مركز التلقيح هادئا ومنظما وأن لا يتم إجبار الأشخاص على الانتظار في طوابير طويلة، مما قد يثير قلقهم.
وفي التقرير تقترح الأستاذة الكندية ميغان ماكمورتري، أخصائية علم النفس الإكلينيكي في جامعة غيلف بكندا، التركيز على كيفية تشتيت الانتباه عند تلقي الحقنة.
وأشارت ماكمورتري إلى أن الأصدقاء والعائلة يمكنهم أيضا مساعدة أحبائهم في التغلب على رهاب الإبر. وأكدت على تجنب جعل أي شخص يشعر بالذنب بشأن مخاوفه، وبدلا من ذلك، “ينبغي الاعتراف بأن “خوف الشخص حقيقي”.
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا