21/10/08
مما لا شك فيه أن جائحة كوفيد19 قد خلفت أثرا سلبيا على المجتمع بشكل عام وخاصة على الصحة النفسية، وقد تطور عدد الحالات من “رهاب كورونا” والقلق والوسواس القهري وزيادة الإدمان، خاصة بين المصابين به أثناء الإصابة وبعد الإصابة، “كشف ميديا” تسلط الضوء على موضوع الصحة النفسية زمن الكورونا في ولاية سيدي بوزيد. الولاية التي شهدت نقصا فادحا في الإطارات الطبية زمن الجائحة وضعف الخدمات الصحية المقدمة ارتفاعا هاما في عدد الإصابات.
تعاني بسمة خشناوي، 36 عاما الى حد اليوم من خوف شديد كلما رنَّ هاتفها و تراودها أحلام مزعجة وتسترجع عويل النساء وبكاء الاطفال على من تم فقدانهم جراء فيروس كورونا بالمستشفى الجهوي بسيدي بوزيد.
يسيطرٌ علي إحساس الخوف من صور الماضي ومن تكرار إصابة أحد أفراد عائلتي بالفيروس اللعين. كما يجتاحني الرعب من رائحة الأدوية والموت معا، ويزداد هلعي يوميا من فقدان والدتي عند أي لحظة مفاجئة.
روت بسمة خشناوي قصة عائلتها مع الكورونا حيث أصيبت والدتها خلال شهر جويلية الفارط وبقيت ما يقارب الشهرين بين الحياة والموت في قسم الكوفيد بسيدي بوزيد، تقول:
التجربة كانت قاسية جدًّا، وإلى اليوم أفراد عائلتي يعانون من مخلفاتها النفسية والصحية، حيث انطلقت بانتشار سريع للعدوى بينهم فكانت اصابة والدي خفيفة نظرا لأنه كان قد تلقى التلقيح إلا أن صحة والدتي تعكرت جدا لانها تعاني مسبقا من أمراض مزمنة.
تذكر أن والدتها كانت في غرفة كبيرة بالمستشفى، يتواجد بها نساء ورجال مصابين بفيروس كورونا وكان صوت آلات الاكسيجين قوي جدا، وهو عبارة عن ضجيج متواصل يشتت التركيز ويشنج الأعصاب .
وازداد وضع والدتها سوء بعد قضاء أسبوعين في المستشفى ولم يقدم الدواء أي مفعول وعاشوا حالة من الرعب خوفا من فقدانها لأسابيع متتالية، كان الموت يطارد والدتهم وفق تشخيص الأطباء، بين الحين والآخر وهم في حالة عجز تام ينتظرون ماذا سيحصل.
كنا نقيم في المستشفى لا نغادره إلا للضرورة القصوى، وكانت رائحة الموت تحاصرنا من كل مكان، لا أستطيع نسيان مشاهد الوداع والبكاء والنحيب لعائلات المتوفين جراء الكورونا، وصوت سيارات الإسعاف في كل الأوقات.
أطفال أصبحوا يتامى ونساء أرامل ورجال فقدوا زوجاتهم كلها صور لم تقدر بسمة على نسيانها رغم مرور فترة من الزمن وتعافي والدتها.
يبين هشام عامري ناشط بالمجتمع المدني بمعتمدية السبالة أن فترة الكورونا عاش المجتمع وضعا جديدا أصبحت فيه صور التصافح والتقارب غريبة وفرض على الأشخاص تباعدا شمل الوالدين والعائلة الواحدة وهو ما خلق قلق نفسي وتوتر واكتئاب وعزلة في الواقع والإنسان أصبح يعيش على التواصل الافتراضي والخوف من الأشخاص والخوف عليهم.
تواتر أخبار الموت والإصابات قد خلفت نوعا من اليأس وشعور متواصلا بعدم الراحة والطمأنينة والحزن .
من جهتها تحدثت الأخصائية النفسانية في المندوبية الجهوية للأسرة والعمران البشري بسيدي بوزيد سلوى عامري، لـكشف ميديا، عن خطورة وطأة هذه المخلفات على فئات كثيرة من المجتمع.
وحذرت سلوى عامري من المخلفات النفسية لفيروس كورونا الذي نتعايش معه حوالي سنة ونصف وهو فيروس مستجد وعلى رغم كل المعطيات العلمية في شأنه إلا أنه لازال يتحول ويتغير، هو ما خلف حالة من القلق النفسي لدى الجميع تجاه هذا الفيروس الغامض.
شملت التأثيرات النفسية مختلف الفئات في المجتمع للذين أصيبوا بالفيروس والذين لم يصابوا به أيضا حيث أن نوعية وخطورة الفيروس هي التي أثرت على نفسية كل الأشخاص.
أفادت سلوى عامري أن أهم تأثير للكوفيد على المجتمع هو حالة الخوف التي شملت مختلف الفئات العمرية من مخلفات الفيروس والخوف من الموت أو فقدان أشخاص مقربين والخوف على الصحة والخوف من أضرار ما بعد التعافي من الإصابة بالفيروس على الأعصاب والقلب والذاكرة والمفاصل وصعوبة التنفس.
الخوف من نقل العدوى للأشخاص المقربين أيضا هاجس نفسي كبير يتحمله المصابين، وقد تضاعف هذا الخوف كثيرا فترة الذروة لانتشار عدوى الفيروس وتفاقم أعداد الموتى والمصابين والذين يتم إيوائهم في المستشفيات.
التباعد بين الأشخاص الذي فرضه انتشار المرض ونقصت الزيارات والتواصل بين العائلة الصغيرة وحتى الموسعة، حيث أصبح التواصل يتجسد في حياة افتراضية وهي عالم الانترنيت والفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام، كل هذا ولد بدوره تباعدا في التعبير عن الإحساس، وخلق حواجز نفسية.
وأشارت سلوى عامري الى أن عدة أمراض قد ظهرت على أشخاص لم تكن لديهم أمراضا واضطرابات نفسية سابقا جراء الضغوطات التي يعيشها الأشخاص والمجتمع زمن الكوفيد أهمها الضغط النفسي والتوتر واضطراب الذاكرة والتركيز واضطراب في المزاج و حالات من الاكتئاب.
الجانب النفسي مهم جدا في حياة الإنسان ليكون متوازنا و قادرا على الإنتاج وتحقيق أهدافه، لذلك من الضروري إيلاء هذا الجانب أولوية قصز=وى خاصة في المدارس والجامعات، لأن كل تأثير نفسي له تأثير عميق على الحياة المستقبلية.
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا