21/10/28
تبدو التشريعات و القوانين التونسية في جانب كبير منها حامية للحقوق الكونية للإنسان، كالحق في الصحة والحياة الكريمة ، حيث ينص دستور 2014 للجمهورية التونسية المعلقة أبوابه عدا باب الحقوق والحريات على أن ” الصحة حق لكل إنسان. تضمن الدولة الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن، وتوفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية. تضمن الدولة العلاج المجاني لفاقدي السند، ولذوي الدخل المحدود. وتضمن الحق في التغطية الاجتماعية طبق ما ينظمه القانون .- ” الفصل 38 من الدستور التونسي ”
لكن يصبح عن الحق في الصحة أمرا أكثر تعقيدا إن كان صاحبه داخل أسوار السجن ، هناك حيث تتحول حياة الفرد إلى معاناة في ظروف أقل ما يمكن وصفها بـ الكارثية والمهينة في كثير الأحيان، في عدد من سجون تونس. فكيف للمساجين أن يفكروا في حق الصحة و كل ما يبحث عنه عدد من هؤلاء الفئة هو كيفية العيش في غرفة في ظروف لائقة تضمن كرامتهم وانسانيتهم داخل عالم يصعب التأقلم معه حيث يصبح الحصول على جزء صغير من سرير أو ما يعرف عندهم ب “الباياص” انجازا داخل غرف تأوي المئات منهم خاصة في السجون الكبرى من البلاد على غرار سجن المرناقية بالعاصمة .
ب.س شاب في سن 33 سنة ، أصيل ولاية نابل عاطل عن العمل ، أنهى عقوبته السجنية منذ فترة ليست بالبعيدة بعد أن قبع بالسجن لما يقارب السنة والنصف بتهمة السرقة الموصوفة ، يروي الشاب لكشف ميديا بعض تفاصيل الإقامة في السجن التي تزامنت مع ظهور الكوفيد و يقول :
البروتوكولات الصحية المتعلقة بكوفيد 19 وطرق الوقاية منه، نعرفها في شاشة التلفاز فقط عندما نشاهد الأخبار لكن داخل السجن لا وجود لها، الحياة تسير بنسق طبيعي و الغرف مكتظة كعادتها و لا وجود حتى لوسائل تهوئة هناك .
السجين السابق أمضى 15 يوما بسجن مرناق و من ثم تم تحويله إلى سجن المرناقية، فترة إقامته بالسجن الأول كانت تعتبر فترة حجر صحي قبل الدخول في فترة العقوبة بالسجن، هو كان يعتقد أنه سيمضي 15 يوما معزولا وحيدا في غرفة الى ان الواقع كان مخالفا للتوقعات ، فاختلط بعشرات أخرين و كل منهم لا يعلم إن كان ناقلا أو متقبلا للفيروس .
مغامرته انطلقت منذ اللحظات الأولى لايقافه ، يروي لنا محدثنا بعض تفاصيل الأيام المقضاة داخل مركز الإيقاف ، هناك أين وجد نفسه محاطا بمجموعة من الموقوفين لا يعلم أن كان الفيروس موجودا بينهم أم لا .
كنا ننام في غرفة صغيرة لا تكاد تكفي لشخص واحد في دائرة محيطة بالمرحاض ، و الروائح الكريهة تحاصرنا من كل جانب، وقد أجبرنا على وضع الكمامات بسببها.
الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب كانت قد طالبت في تقريرها الموحد، حول زيارات شهر أوت 2021 بتوفير مستلزمات النظافة الصحية ووسائل الوقاية من كمامات وصابون ومواد تعقيم أدوات قيس الحرارة وتعصير دورات المياه وتأهيل غرف الاحتفاظ طبق ما تنص عليه المعايير الدولية من شروط تخص المساحة والتهوئة والتجهيزات الأساسية مع ضمان حصول كل محتفظ على ثلاث وجبات يوميا.
كما دعت الهيئة إلى تعميم التلقيح ضد فيروس كورونا على جميع المحتجزين والموظفين المكلفين بالعمل داخل الفضاءات المخصصة للسجناء مع إعطاء الأولوية لذوى المناعة الضعيفة
ب.س يقول بأن مركز الايقاف أو السجن هو آخر مكان من الممكن أن يحترم فيه البروتوكول الصحي أو توجد فيه وسائل الوقاية من فيروس كورونا و حتى التعقيم ليس بالطريقة الكافية كما يؤكد بأن الخطر الأكبر كان من الأعوان الذين يغادرون السجن يوميا و يحتكون بباقي الأشخاص و من ثم يدخلون في علاقة مباشرة مع المساجين و في تلك الحالة من الممكن أن يكونوا سببا رئيسيا في تسلل الفيروس الى ما وراء القضبان .
يواصل الحديث قائلا:
كيف لهم أن يتحدثوا عن بروتوكول صحي في غرف ينام فيها المئات ملتصقين ببعضهم و تنعدم فيها مصادر التهوئة فالشمس لا تكاد تصل غرفنا، كما أن مصدر قلقنا هم أعوان السجن الذين يغادرون و يعودون الى السجن كل يوم ، نحن لا نغادر الى الخارج و لا يمكن أن نكون ناقلين للعدوى.
و تجدر الإشارة إلى أن 7 سجناء توفوا بالمستشفيات، جميعهم متقدّمون في السن يحملون أمراض مزمنة بعد إصابتهم بفيروس كورونا وذلك منذ ظهور الجائحة وفق آخر حصيلة أعلنت عنها الهيئة العامة للسجون والإصلاح منذ جوان 2021.
محدثنا غادر السجن منذ فترة ليست بالبعيدة و قد قضَّى أغلب فترة الحجر الصحي سجينا ، يسمع ما يروج من أخبار كوفيد في شاشة التلفاز أو من مساجين جدد يحدثونه عن ما يحصل خارج أسوار السجن، و لم يخف الأخير خوفه في تلك الفترة خصوصاً بعد سماع أخبار جديدة عن عشرات الوفيات او الإصابات التي تصل في بعض الأحيان إلى آلاف في غياب أي حلول فترة جوان وجويلية 2021.
كنا نسمع بعض الأخبار تفيد أن تونس ستنطلق في عمليات تلقيح لكنا لم نفكر يوما بأن هذه التلاقيح ستصلنا.
يواصل حديثه ضاحكا :
كنا نحمد الله عندما يوفرون لنا بعض الماء للاستحمام ، فكيف لنا ان نفكر في أن تصلنا تلاقيح مضادة لكورونا في الوقت الذي يموت فيه مساجين بسبب الإهمال أو حرمانهم من الدواء.
وكانت الادارة العامة للسجون و الاصلاح قد أعلنت بتاريخ 15 سبتمبر 2021 أنه تم الشروع في تلقيح المساجين الراغبين بمختلف الوحدات السجنية بداية من يوم 16 أفريل 2021 . وقد بلغ عدد المساجين الراغبين الذين تلقوا تلقيح ضد فيروس كورونا 4170 سجينا بكافة الوحدات السجنية أي بنسبة 43.95 % من العدد الجملي للمساجين الراغبين في تلقى التلقيح . كما سيتم برمجة حملات متنقلة في الأيام القريبة القادمة بالتنسيق مع الإدارة العامة للصحة العسكرية لتلقيح المساجين الراغبين في مختلف الوحدات السجنية والذي من المتوقع أن يكون بلقاح جرعة واحدة من نوع “جونسون”.
في فترة الحجر الصحي كان الوافدون من المساجين الجدد يروون على مسامع المقيمين ما يحصل بالخارج ، فقد تحول العالم إلى سجن كبير و مُنع الناس من الخروج الى الشوارع و اغلقت الفضاءات العامة و المقاهي ، و كل من لا يطبق هذه الأوامر يقع إيقافه بتهمة خرق حظر التجول أو الحجر الصحي العام ، كما أكد لنا ب.س بأن المساجين القدامى في تلك الفترة كانوا يسخرون من الوافدين الجدد الذين تم إدانتهم بتهمة خرق الحجر الصحي.
دخلت السجن من أجل السرقة و هذا أمر عادي ، لكن ان تلتقي سجينا تهمته الخروج من المنزل لشراء سجائر فهذا أمر كان يثير السخرية، لم نفهم مالذي يحصل بالخارج و كأن قواعد الحياة قد تغيرت و نحن لا يصلنا شيء من أخبار العالم.
يقول ب.س لكشف ميديا إن الكوفيد أضرَّ بكثيرين داخل السجون فمنهم من دخل السجن ظلما لكنه قضَّى أشهرا وهو موقوف دون حجة تثبت إدانته و حُرم من حقه في المحاكمة بسبب إغلاق المحاكم و تأجيل جلسات المحاكمة في فترات عديدة فتسلب حريته و يجد نفسه في سجن تنعدم فيه أبسط حقوقه كمواطن و يواجه شبح الإصابة بالكوفيد الذي يزيد معاناة فقدان الحرية
تقول الأستاذة اسلام والي ، محامية و عضوة بمنظمة صحفيون بلا حدود لـ”كشف ميديا”، إن الحق في الصحة هو حق مكفول في التشريعات التونسية و يبدأ ذلك حتى في مرحلة الإيقاف التي تضمن للموقوف حقه في طلب عرضه على الفحص الطبي إن كان يشكو من مشاكل صحية لكن هذا الأمر يبقى رهين التشريعات و الجزء النظري ، ففي أغلب الأحيان يتم “التحيل” على الموقوفين و هضم حقهم من طرف باحث البداية (عون الأمن) الذي يخفي هذه المعلومات عن الموقوف إن كان يجهلها.
تواصل الأستاذة اسلام والي حديثها قائلة:
في بعض الأحيان يكون الموقوف أو السجين في حالة صحية متعكرة و قد تظهر عليه علامات التعذيب و العنف و القاضي لا يهتم للأمر و لا يقضي ببطلان الإجراءات في حق المتهم بسبب هذا الخرق.
كما تؤكد أن المحامين في أغلب الأحيان لا يتمكنون من زيارة مراكز الإيقاف أو مقابلة منوبهم بسبب التعطيلات و العراقيل التي تضعها السلط الأمنية لمنع لقاء المتهم والمحامي إن كان قد تعرض التعذيب أو الإهمال الطبي .
حديث الاستاذة اسلام والي عن الخروقات الجسيمة و هضم حقوق المساجين والموقوفين يجعلنا نتساءل عن واقع السجون زمن الكوفيد و تعاطي مؤسسة السجون و الإصلاح و وزارة الداخلية مع هذه الفئة ، فهي فئة تتعرض للتهميش والإهمال حتى في حالات الأمراض المزمنة أو التعرض الضرب المبرح الذي يخلف كدمات و اضرارا جسدية و قد يصل في بعض الأحيان إلى الوفاة ، و قد يدرك القارئ لهذه الكلمات بأن بعض الفصول و التشريعات التي تقر بحق الصحة لكافة المواطنين يبقى أمرا نظريا و حبرا على ورق بينما يكشف الواقع خروقات عديدة و انتهاكات عديدة داخل السجون ومراكز الإيقاف التي طالما أسالت الحبر و أثارت الجدل بسبب ما عرفته هذه الفضاءات من قصص كان من بينها تعرّض موقوف الى قطع خصيته جراء تعرضه إلى الاعتداء بالعنف في المنستير سنة 2020، و وفاة موقوف بعد إيداعه في السجن المدني بصفاقس بسبب خرق حظر التجول بساعات جراء تعكر حالته الصحية و حرمانه من الدواء .
تقول إسلام لكشف ميديا بأن واقع السجون في فترة الكوفيد يعتبر سلبيا مضيفة :
بفحص في الواقع نتبين وأن كثرة المساجين وسهولة إنتقال الفيروس من الأعوان الذي لا يحترمون البروتوكول الصحي يجعل الوضعية تخرج عن السيطرة.
يتحدث المحامي هشام إبراهيم ايضا لكشف ميديا عن إحدى زيارته لسجن المرناقية و يقول إن الزيارة كانت مع سابق الاعلام و من الطبيعي أن تكون كل الأمور منظمة بشكل جيد، داخل السجن ستشعر و كأنك في أحد سجون النرويج والدول المتقدمة في معاملة المساجين ، فأنت ترى فقط ما أعدته إدارة السجن و لكن نظرات المساجين تخفي أشياء كثيرة و ملامح وجوههم تكشف كمية الظلم و القهر، و مراقبة السجان لهم تمنعهم من البوح بذلك، و من الممكن أن يتعرض من تكلم منهم لعقوبة الحبس الانفرادي ( السيلون).
وعلى الرغم من ذلك لم يتمكنوا من إخفاء مشكلة الغرف الصغيرة التي لا تتجاوز طاقة استيعابها ما بين 40 و 50 شخصا على اقصى تقدير و ينام فيها 125 شخصا حسب ما عاينته أي بمعدل 3 أشخاص بالسرير الواحد ، و قد لا يجد بعضهم سريرا فينامون على الأرض ( الاوتوروت).
إبراهيم لا ينكر وجود مجهودات من السلط المعنية لحماية المساجين لكنها محدودة والإجراءات المتخذة لم تكن كافية لأن وضعية السجون التونسية كارثية حتى في غياب الكوفيد خاصة مع انتشار أمراض معدية و جلدية في السجون. بالاضافة إلى الاكتظاظ في الغرف و غياب شبه تام للرعاية الصحية وهو ما حرم الكثير من السجناء حقهم في الدفاع عن أنفسهم باعتماد المحاكمة عن بعد ، إضافة الى منع الزيارات عن عائلاتهم و حرمانهم من حقهم في الالتقاء بالمحامين.
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا