21/10/29
الساعة كانت تشير إلى العاشرة صباحا.طقس خريفي باهت لا يميزه شيء سوى أنه بداية أسبوع ممل .يوم الاثنين ،كل الحرفيين في صفاقس لا يعملون .فقط بعض المارة ممن أصابهم القرف من الروتين و أكداس الفضلات المرمية هنا وهناك في كل شوارع المدينة منذ اكثر من اربعة اسابيع .
كانت “رانية” (اسم مستعار)، ثلاثة وثلاثون عاما متزوجة وأم لطفلين، تنظرنا بعد ان وعدتنا بلقائها و أخلفت وعدها أكثر من مرة وبتعلات وتبريرات قد تصل حد التناقض. كنا نعلم أنها مازالت تخفي قليلا من الريبة .هي تدرك أنها قد تفضح تفاصيل حياتها لمجرد لقاء صحفي .
اختارت ركنا قصيا في مقهى لا يقصدها الكثير من الأشخاص في هذه الفترة من اليوم .
ارتعشت وهي تتناول فنجان القهوة للمرة الثالثة دون ان ترتشف منه شيئا..أشعلت سيجارتها الاولى ثم
قالت :
قبل عشرة أعوام تزوجت قريبي و جئنا الى صفاقس .كان زوجي يعمل في حظائر البناء واضطررت للعمل في المنازل بعد أن رزقت بابني الثاني . سقط زوجي ذات يوم في 2014 من علو أربعة امتار أو اكثر وأصبح بعد ذلك غير قادر على العمل .وهكذا وجدت نفسي مسؤولة على طفلين وزوج حامل لإعاقة عضوية “مقعد.
اضطرت رانية للعمل بشكل يومي حتى اكتشفت أن أحد الذين تشتغل عندهم معجب بها و كثيرا ما تحرش بها. اختارت اليوم الذي لم يكن فيه أحد في البيت ليكون ذلك أول عمل جنسي تقدمه لرجل غريب عنها بمقابل.
نصف ساعة تخليت فيها عن جسدي كانت كافية للحصول على 50 دينارا وهو أجرى ثلاث مرات لقاء عملي معينة منزلية .كانت تجربتي الأولى في عالم غريب ومعه سيجارتي الأولى .
اختارت رانية ألا تعود الى العمل معينة منزلية بعد أن أصبحت تلتقي ذلك الرجل الخمسيني في إحدى الشقق في وسط صفاقس.
نلتقي مرتين في الأسبوع للحصول على متعة خاطفة واحصل على ما أريد، نقود وهدايا ابيعها لصديقتي الأستاذة في التعليم الثانوي بنصف ثمنها. صديقتي هذه لا تعرف شيئا عني سوى أنني اعيل عائلتي بالعمل في المنازل ليلا نهارا…ستقطع علاقتها بي اذا اكتشفت قصتي.
أصبحت رانية تختار زبائنها بشكل دقيق و بمعايير مخصوصة لم تعد تفكر في شيء سوى الحصول على المال و اصبحت تقتنص الباحثين عن اللذة من القادمين من بلد مجاور و تختار العمل بشكل حذر خوفا من الدوريات الأمنية و من الوشاة و أيضا حفاظا على تلك الشخصية التي ترسمها للجميع بأنها سيدة تسهر على إعالة عائلتها و تضحي لأجل زوجها المعاق.
الكوفيد أثر على النشاط
خلال الذروة الأولى من انتشار فيروس كوفيد19 وجدت رانية نفسها مجبرة على البقاء في البيت. كما كانت فترة الحجر الصحي في 2020 والمكوث لأيام عديدة في البيت سبابا لتفكر في الابتعاد عن هذا النشاط ولكن لم يكن أمامها سوى العودة إليه لغياب بديل أفضل منه بحسب قولها.
إذ عمدت رانية خلال فترة الكوفيد إلى اختيار زبائنها بحرص شديد على الرغم من أن الإنترنت منحت لها القدرة على عدم الابتعاد عن زبائنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك و تيك توك، وتطبيقات أخرى مخصصة للتعارف، إلا أنها تصر على ألا تثق في أحد.
خلال جوان 2020 تعرفتٌ على زبون عبر الفايسبوك، حين التقينا كان عنيفا جدا اغتصبني مرتين و ضربني ورمى بي في الشارع الخامسة فجرا. كما تعرضت في عدة مرات خلال أزمة الكوفيد، الى ممارسات عنيفة من رجال يعتقدون أنني مجرد وعاء لنزواتهم وعقدهم لأجل حفنة دنانير لا تستطيع ان تعيد لي احساسي كوني امراة ذات كرامة.
أثَّرت أزمة الكوفيد على نشاط عاملات الجنس في تونس و لجأت الكثيرات منهن الى العمل عن بعد عبر تطبيقات تتيحها لهن الإنترنت غير أن شبح الكوفيد كان الهاجس الأكبر لهن ولزبائنهن.
وقد تم غلق ماخور صفاقس في المدينة العتيقة منذ مارس 2020 بسبب مطالبة أهالي المدينة بغلقه اضافة الى هاجس الكوفيد هناك، الجميع يعرف الماخور باسم الباب الشرقي ومن الطرائف أنه تعرض للسرقة بعد غلقه بمدة قصيرة ومن الحكايات التي تروى أن إحدى العاملات فيه فتحت لنفسها ماخورا صغيرا في احدى الشقق تحت اشرافها بعد أن وجدت نفسها عاطلة عن العمل.
وتعلق رانية على موضوع الماخور قائلة:
لم اعمل يوما في الماخور، أنا لست مومسا، أنا مجبرة على العمل في السرّ لأحافظ على عائلتي وأجني المال بطريقة اسهل.
لقد أثَّر الخوف من عدوى الاصابة بفيروس كورونا على رانية وعلى نشاطها بشكل كبير اذ لم يعد زبائنها الأجانب متواجدين بكثرة في صفاقس و أصبح العمل تشوبه المخاطر. تقول في هذا السياق:
كنت أبالغ في شروط اختيار زبائني خوفا من نقل العدوى الى اطفالي وزوجي..لم افكر في نفسي يوما كل ما أفكر فيه الآن هو أن أعيش بعيدا عن كل ذائقة مالية.
تنظر رانية من نافذة المقهى .. تتأمل الفراغ الممتد و تبحث عن شيء لترويه:
أعتقد أن الجنس أصبح متاحا بشكل كبير للجميع و في كل مكان رغم غلق المواخير والتشدد في مراقبة الشقق المشبوهة. كل رجل يكفيه أن يجد حلا لمشكلة المكان” اللوكال”.
تدرك رنية أن تعاطي البغاء بغير الصيغ القانونية ممنوع في تونس وأن النساء اللاتي في غير الصور المنصوص عليها بالتراتيب الجاري بها العمل يعرضن أنفسهن بالإشارة أو بالقول أو يتعاطين الخناء ولو صدفة، يعاقبن بالسجن من ستة أشهر إلى عامين و بخطية من عشرين ديناراً إلى مائتي دينار” حسب الفصل 231 من المجلة الجزائية.
لكنها لا تكترث لذلك كثيرا:
أنا لا اتقن شيئا سوى بيع هذا الجسد الجميل لمن يدفع أكثر. أحاول ان يظل كل عملي في السر بعيدا عن عيون ” الحاكم ” و أعيش بشخصيتين: بائعة جنس لمن يريدها و سيدة محترمة تعيل صغارها وزوجها المريض.
تم إخفاء الهوية الحقيقية للمتحدثة بطلب منها، حماية لمعطياتها الشخصية وسلامتها الجسدية والنفسية
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا