21/10/30
عاش المجتمع التونسي حالة صحية استثنائية جراء انتشار فيروس كوفيد 19 منذ ظهور حالة أولى في مارس 2020 و قد تسبب في حالة نفسية مضطربة شملت كافة شرائح المجتمع و خلفت آثارا على الأسرة و الأفراد زادتها الإجراءات الوقائية و الحجر الصحي تبعات غير مسبوقة على الصحة النفسية .
و قد أفرزت هذه الجائحة نتائج سلبية على للصحة النفسية و العصبية عند الطفل و العائلة التونسية و بدأت تحصد نتائجها من خلال السلوكيات التي تظهر على بنية الأسرة التونسية في تشكلات جديدة فاقمت الأزمة الصحية النفسية و العقلية الكائنة أصلا.
و قد تداخلت العوامل الصحية و النفسية و المادية خلال فترات مختلفة من انتشار الجائحة لتشكل نمطا جديدا في تربية الأطفال لدى المجتمع التونسي خاصة في فترات الحجر الصحي المنزلي أو الذاتي التي أبانت عن مدى قوة أو هشاشة التربية الأسرية للطفل في المجتمع التونسي .
حسيبة الهلولي، 40 عاما، مربية بإحدى رياض الأطفال تحدثت لكشف ميديا، عن تنامي سلوكيات عنيفة لدى الطفل خلال هذه السنة الدراسية. بعد انقطاع عن مقاعد الدراسة في فترات مختلفة السنة الماضية جراء الإجراءات الوقائية من جائحة كوفيد19 و النظام الدراسي الذي يسمح له بالبقاء في المنزل لفترات أطول. مضيفة:
إن القصور لدى الوالدين في المعرفة التامة بالأساليب العلمية و الطرائق البديلة الناجعة لتربية الأطفال في المنزل قد أثر على الأطفال ، و لابد من توفير آليات تربوية كفيلة للوالدين من أجل التأهيل حسب طبيعة البيئة الاجتماعية التي يعيشونها و مستجدات الأسرة التونسية في العيش على إثر الجائحة.
وتشير الهلولي إلى أن تنامي العنف الاجتماعي لم يشمل الأطفال فقط خلال فترة الحجر الصحي بل كذلك النساء.
قد لمسنا ذلك من شهادات لأطفال أسرّوا بما عايشوه من معاملة داخل بيئتهم العائلية و هذا ما يؤثر على الصحة النفسية و يخلق توترا عقليا كذلك مما يدفعنا كمربيات إلى حصص دعم نفسي للطفل من أجل تدارك الآثار السلبية.
آمال صميدة، 32 عاما، وهي أمّ لطفلين تقول لـ”كشف ميديا” إن التبادلات العاطفية مهمة جدا في الإحاطة بالأبناء غير أن ما تم معايشته خلال فترات الحجر الصحي الشامل من أخبار مرعبة حول كورونا قد كرس بيئة الخوف.
وتعتقد آمال أن الممارسات السلطوية للأبوين و العقوبات القاسية على الأطفال في بيئة منزلية مغلقة قد تزيد من الأزمة النفسية للطفل، وهو ما يفسر في هروب الأطفال نحو الشاشة و مواقع التواصل الاجتماعي وفقدان حبل التواصل العاطفي في عديد من الأحيان.
إن إغلاق المدارس و توقف الانشطة الثقافية و الرياضية و التنشيطية قد ساهم في الحد من النمو المعرفي و الصحة الجسدية و النفسية للطفل و لعلنا سنعاني من هذا القصور المعرفي لسنوات جراء جائحة كورونا ، و لا يكفي أن هذا الوباء المستجد قد أطاح بالمنظومة الصحية وكشف عن قصورها في مجابهة الآفات الكبيرة بل كذلك أطاح بمدى معارفنا و مؤهلاتنا في تربية أبنائنا وفق تفاقم الأزمات ، فنحن مجتمع هش بجميع المقاييس .
أنيس بن سالم ( 50 سنة ) مدير مدرسة ابتدائية يقول لـ”كشف ميديا” إن ممارسات الأولياء في المنزل تتراوح بين الصرامة دون اللجوء إلى العقاب الجسدي أو اللفظي و بين الالتجاء إلى أساليب عقابية جسدية ، غير أن هذه الأساليب العقابية تؤثر مباشرة على النمو و تخلف نقصا في الثقة لدى الطفل.
لاحظنا خلال هذه السنة الدراسية تنامي الخطاب العنيف لدى الطفل وكذلك السلوك الخطير و هنا لابد من الاشارة إلى أن الأزمة الاجتماعية و الاقتصادية التي لحقت الأسرة التونسية زادتها تعقيدا أزمة الكورونا و فترات الحجر الصحي التي لم تجد لدى الأسرة معارف إضافية و نوعية ناجعة في تربية الأطفال و هنا نجزم بالقصور المعرفي لأغلب الأولياء بخصوص تربية الأبناء ” .
اليونيسف كانت قد نشرت في الرابع من أكتوبر 2021، تقريرها الرئيسي بشأن وضع الأطفال في العالم بعنوان: “حالة أطفال العالم لعام 2021؛ بالي مشغول: تعزيز الصحة العقلية للأطفال وحمايتها ورعايتها”.
ويمثل هذا التقرير أكبر دراسة تُعدّها اليونيسف حول الصحة العقلية للأطفال واليافعين ومقدمي الرعاية في القرن الحادي والعشرين، وفقا للوكالة الأممية.
وعلى الصعيد العالمي، يُقدر أن أكثر من 1 من كل 7 مراهقين، ممن تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما، تم تشخيصهم على أنهم مصابون باضطراب عقلي. كما يموت نحو 46 ألف مراهق بسبب الانتحار كل عام، وهو من بين الأسباب الخمسة الأولى للوفاة بين أفراد هذه الفئة العمرية. وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك فجوات واسعة بين احتياجات الصحة النفسية وتمويل الصحة النفسية.
ومع ذلك، لا تزال هناك فجوات واسعة بين احتياجات الصحة النفسية وتمويل الصحة النفسية، حيث يتم تخصيص 2 في المائة فقط من ميزانيات الصحة الحكومية للإنفاق على الصحة العقلية.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور إن الأشهر الـ 18 الماضية كانت ثقيلة جدا بالنسبة لنا جميعا- وخاصة الأطفال، “فمع عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على الحركة بسبب الجائحة، أمضى الأطفال سنوات عصيبة بعيدا عن العائلة والأصدقاء والفصول الدراسية واللعب – وهي العناصر الأساسية للطفولة نفسها”.
وأشارت إلى التأثير الكبير الذي تركته الجائحة، “وهو مجرد غيض من فيض. حتى قبل الجائحة، كان عدد كبير جدا من الأطفال يعاني من مشكلات الصحة العقلية غير المعالجة”.
ووفقا لإحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية فإن 25 بالمائة من النساء في تونس هنّ أميات ملاحظا تراجعا طفيفا لنسبة الأمية اجمالا لدى الذكور والإناث حسب آخر الأرقام لسنة 2019حيث وصلت إلى 17.7 % بعد أن كانت 18.1 % سنة 2018 و 18.4 % سنة 2017 . كما تشير الإحصاءات الرسمية لوزارة التربية لسنة 2018 في تونس إلى أن حوالي 280 تلميذا ينقطعون عن الدراسة يوميا وأكثر من مئة ألف تلميذ ينقطعون سنوياً.
رضا بن عائشة مدرب تروبي يعتقد أن العودة المدرسية هذه السنة قد كشفت عن حيوية مفرطة للتلاميذ العائدين من ترتيبات كورونا في الفضاء المدرسي
لاحظنا أنهم يعيشون حيوية مفرطة يمكن القول أن لها تداعيات سلبية بحكم العجز عن السيطرة عليهم من أجل الانضباط ، كما نعاني هذه السنة من ثغرات في المكتسبات المعرفية بحكم التراجع عن نظام التداول يوم بيوم في الدراسة
ويشير بن عائشة إلى أنه خلال السنتين الأخيرتين كان هناك اختلالا بين الزمن الاجتماعي و الزمن المدرسي و هذا ما أثر على الطفل لأن الوالدين يعملان بشكل يومي في حين أن الزمن المدرسي يتطلب تفرغا للأطفال في أيام الراحة ، و هذا ما أثر سلبا على الطفل و خلق فراغا نفسيا و عاطفيا مما دفعه إلى اختلاق وسائل الهروب المتاحة مثل الإبحار عبر الانترنت و مشاهد البرامج التلفزيونية وغير ذلك من فضاءات الترفيه المتوفرة في المنزل ، و قد كشف الحجر المنزلي عما كان مخفيا من الثغرات المعرفية للوالدين في التربية
و يعتبر بن عائشة أن تعزيز الصحة النفسية للطفل في ظل الحجر المنزلي كان لابد من أن يسبقه تأهيل من نصائح و إرشادات من أجل تعزيز الصحة النفسية غير أن الجائحة فاجأت الجميع ، فكان لابد من الأحرى تقبل الحجر و تعويد النفس على ذلك وتجنب الإدمان على تداول أخبار الفيروس و تصديق الأخبار الزائفة السلبية المنتشرة بقوة و التي ساهمت في الاضطراب وكذلك التعود على تجنب الإفراط في استعمال وسائط التواصل الاجتماعي و حسن إدارة الوقت و دفع الأطفال نحو برمجة نشاطات يومية معرفية وثقافية ورياضية منتظمة و اكتساب مهارات جديدة لتقاوم الملل و الروتين.
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا