22/01/05
كان من المفترض أن تنطلق الاستشارة الوطنية للعموم عبر بوابة الكترونية مخصصة للغرض في أول يوم من شهر جانفي 2022 أو كما عبر عنها رئيس الدولة قيس سعيد “في الفاتح من جانفي” و ذلك اثر اجتماع وزاري مضيق له يوم 29 ديسمبر 2021 في قصر قرطاج .
و لكن أطلّت علينا البوابة الالكترونية للاستشارة الوطنية ” في الفاتح من شهر جانفي” 2022 في نسخة ” تجريبية و توعوية تمتد على مدى أسبوعين في مرحلة أولى لتقييم المنظومة ليتم تعديلها فيما بعد على جملة النقائص و الملاحظات ثم تطلق للعموم بداية من السبت 15 جانفي 2022 ” وفق تصريح لوزير تكنولوجيا الاتصال.
احتضنت الولايات الأربع و العشرين النسخة التجريبية بمشاركة ميسرين في استعمال الموقع و قيام أكثر من 600 شاب بالولوج إليه و مصافحة المضامين في شكلها الأولي و تجربة “الممارسة الفعلية” لهذا الشكل من الممارسة المجتمعية، شباب يمثلون أهم الجمعيات الوطنية مثل الكشافة التونسية و المصائف و الجولات و الاتحاد التونسي للمرأة و الأسرة حسب ملاحظاتنا الأولية في دور الشباب التي سخرت لهذه التجربة .
تساؤل الشارع التونسي حول هذه “الاستشارة” من حيث الشكل و المضامين دفعتنا للبحث عن القوالب الأولية التي تم إرساؤها في بناء هذه الآلية من حيث الشكل و المضمون من خلال الاطلاع على آراء بعض ممن شارك في هذه المرحلة التجريبية أو كما تسميها الوزارة “التوعية” . وكذلك عبر الولوج إليها ورصد أبرز مضامينها بشكل حصري.
آليات الدخول إلى البوابة بشكل شخصي و سري كان عبر شريحة الهاتف الجوال و باستعمال بطاقة التعريف الوطنية الشخصية و حسب بعض المشاركين فإن اعتماد شريحة الهاتف لا تكون إلا باسم الشخص ذاته فلا يمكن مثلا اعتماد شريحة باسم شركة أو ودادية أو جمعيات مهنية أو نقابية ، و هذا ما يتطلب كشفا لبيانات المستخدم بشكل حقيقي و ليس مزيف.
و لعل توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة تكنولوجيات الاتصال والمركز الوطني للإعلامية ومشغلي الشبكات العمومية للاتصالات، الثلاثاء 04 جانفي 2021، تهدف الى ضبط مهام ومسؤوليات كافة المتدخلين فيما يتعلق بإسناد رقم المشاركة السرّي الذي يضمن خصوصية وسرّية المشاركة في بوابة الاستشارة الوطنية “وفق بلاغ لوزارة تكنولوجيا الاتصال
و أشارت الوزارة إلى أن هذه “الإتفاقية تأتي في إطار تنفيذ الاستشارة الوطنية وتطبيقا لمقتضيات القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية وبناء على رأي الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية.”
و رغم أن البوابة في الفترة التجريبية فإنها لم تفتح تجريبيا خارج تونس إلى حد الان بل فعلت داخل الوطن فحسب و قد تضمنت البوابة 6 محاور رئيسية و هي الشأن السياسي و الشأن القضائي و المالي و الشأن الاجتماعي و التنمية و الانتقال الرقمي و الصحة و جودة الحياة و الشأن التعليمي و الثقافي .
و تضمن كل محور من هذه المحاور الكبرى مجموعة من الأسئلة كل سؤال يفترض إجابات مضمّنة في خانات ، و للمشارك في الاستشارة اختيار عدد من الخانات تتراوح بين الواحدة و الثلاثة (انظر الصورة المرافقة). كما تتضمن أسفل كل محور خانة للتعبير الحر يمكن صياغة فقرة لا تتجاوز 200 كلمة حسب النسخة الأولية .
و لعل أهم ما تم تضمينه في الاستشارة الديباجة التي طرحت سؤالا حول : “طموحاتك في أن تصبح تونس بلدا..؟” و كانت الخيارات المطروحة : ” عصريا متفتحا و منفتحا على العالم / مواطنوه يشعرون بالطمأنينة و متفائلون بالمستقبل / تتكافأ فيه الفرص المساهمة في خلق الثروة لجميع الجهات و الفئات / يعتبر العمل و الجهد و المبادرة و النجاح المهني كأهم القيم المجتمعية / تتصالح فيه المدرسة و الجامعة و المؤسسة الاقتصادية مع الشباب / يتميز فيه مناخ الأعمال و المناخ الاجتماعي و تنافسية المؤسسات / ليس لي أي طموح” ، و يطلب من المستخدم الضغط على خانات ثلاث فقط من مجموع هذه الخيارات .
في الشأن السياسي يطرح السؤال الأول في هذه الصيغة الأولية : “بشكل عام هل أنت راض عن المسار السياسي بتونس في العشرية الأخيرة ؟” و يضعك أمام ثلاث خيارات للإجابة : “راض / راض نوعا ما / غير راضي “.
و بنفس الصيغة تطرح كافة المواضيع فيما يخص الاصلاحات السياسية و التشريعية التي يجب القيام بها لتطور الحياة السياسية و النظام السياسي الذي تراه ناجعا ؟ و طرح مسألة سحب الثقة من النائب في صورة عدم رضا الناخبين على آدائه ؟ و أهم المشاكل التي يواجهها القضاء…” .
و قد أتت كافة المحاور في الشأن الاقتصادي و الثقافي و التربوي و الصحي و التكنولوجي على أهم الإشكالات المطروحة ضمن دوائر الشأن العام و وضعت أجوبة مفترضة لها ضمن خانات محددة تتذيل عادة بخانتين قارتين فيهما “لا أعرف” و “لا أهتم”.
البوابة الالكترونية في شكلها الأولي لم تطرح للعموم و تم التأكيد على أنها “تجريبية توعوية” غير أن العديد من التحفظات حولها تم التعبير عنه بشكل مباشر من طرف منظمة أنا يقظ التي وصفتها “بالتخبط و عدم الجاهزية ” كما استنكرت المنظمة مسار إعداد المنصة الالكترونية من حيث الشكل في علاقة بالأطراف المتداخلة في إعدادها و من حيث المضمون إذ استهجنت “بشدّة غياب التشاركيّة وانعدام الشفافيّة في اعداد الأسئلة والمحاور المضمنة في البوابة الإلكترونيّة خاصة وأن “حاضــرنا ومستقبلنا ينطلق عبر البوابة الإلكترونية للاستشارة الوطنية” مثلما جاء في الموقع الكتروني للاستشارة”.
و من جهتها عبر الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان أصدره مساء الثلاثاء 04 جانفي 2022 عن موقفه من الاستشارة الالكترونية و اعتبر أنها ” لا يمكن أن تحلّ محلّ الحوار الحقيقي لكونها لا تمثّل أوسع شرائح المجتمع وقواه الوطنية فضلا عن غموض آلياتها وغياب سبل رقابتها ومخاطر التدخّل في مسارها والتأثير في نتائجها واكتفائها باستجواب محدود المجالات قابل لكلّ الاحتمالات قد لا يختلف كثيرا عن نتائج سبر الآراء”
كما عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن “توجسه من أنّ آلية الاستشارة الالكترونية قد تكون أداة لفرض أمر واقع والوصول إلى هدف محدّد سلفا، علاوة على أنّها إقصاء متعمد للأحزاب والمنظّمات التي لم تتورّط في الإضرار بمصالح البلاد، كما إنّها سعي مُلتبس قد يُفضي إلى احتكار السلطة وإلغاء المعارضة وكلّ سلطة تعديل أخرى” وفق نفس البلاغ .