كشف صحي


مرضى السرطان في تونس زمن الكوفيد..معاناة مضاعفة والوصول إلى العلاج معطل

22/01/18

عمَّقت جائحة كوفيد-19 معاناة مرضى السرطان في تونس وزادت من صعوبة الالتزام في اتباع البروتوكول العلاجي لهم. فقد أدَّى اعتماد الحجر الصحي في أكثر من مرة وإجراءات التباعد والغلق إلى انخفاض عدد الفحوصات داخل المستشفى وتأجيل المواعيد والعمليات الجراحية، علاوة عن شح في الأدوية الخاصة بأنواع كثيرة من مرض السرطان. 

بعد انتشار الوباء في العالم، تجندت مستشفيات تونس والمصحات الخاصة والمراكز الصحية بكامل البلاد في علاج مرضى الكوفيد وتخصيص أغلب غرف الأقسام لهم. وصار التركيز أكثر على حصر العدوى بالمرض على حساب بقية الأمراض الخطرة والمميتة ومنها السرطان بجميع أنواعه.

وتعاني تونس أساساً وقبل ظهور الجائحة، من تزايد أعداد مرضى السرطان سنويا والتي تجاوزت 19 ألف إصابة جديدة عام 2020 مقارنة بـ 15894 إصابة سنة 2018 ونحو 12 ألف وفاة سنة 2020 مقابل أكثر من 10 آلاف وفاة عام 2018، وفق الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية.

ولا يمكن للتشخيص المتأخر وتأجيل مواعيد المراقبة أو الجرعات الكيميائية إلا أن يزيد الوضع تعقيدا وصعوبة في مواجهة المعركة ضد مرض السرطان.

محاولة حصر الوباء صعبت المعركة ضد السرطان  

يضطر الكثير من مرضى السرطان في كامل البلاد إلى الذهاب إلى مستشفى صالح عزيز، وهو المركز التونسي الوحيد لمقاومة السرطان، لتشخيص المرض ومراقبته وتلقي الجرعات العلاجية اللازمة. وبانتشار الكوفيد داخل البلاد، وخوفا من تلقي العدوى تم تأجيل الكثير من المواعيد واكتفى المرضى بمتابعة حالتهم عبر الاتصال هاتفيا بالأطباء.

وكان ذلك استجابة لقرارات وزارة الصحة التونسية وبلاغ المجلس الوطني لعمادة الأطباء الصادر في مارس 2020 تاريخ اكتشاف دخول الفيروس إلى تونس.

وكان المجلس الوطني لعمادة الأطباء قد دعا آنذاك إلى “تأجيل العيادات الطبية وكل التدخلات غير المستعجلة ومعالجة المرضى الأجانب، وإجبارية إيقاف كلّ التدخلات الطبية غير المستعجلة، وذلك حرصاً على حماية العاملين في القطاع الصحي والمرضى من انتشار فيروس كورونا الجديد”.

وكان لهذا القرار كلفته على اغلب المرضى لباقي الامراض الخطرة وفي مقدمتها مرض السرطان.

وتقول السيدة سارة البليدة، والدة الشابة نيفين الغريبي المصابة بالسرطان، لكشف ميديا: 

تفاقمت حالة ابنتي بعد تلقي جرعات العلاج وأصبحت لا تقوى على المشي. الأمر الذي اضطرني في مرات عديدة إلى الاتصال بطبيبها المباشر في مستشفى صالح عزيز والذي أرشدني في النهاية إلى استشارة طبيب مختص في العظام.

وعلاوةً على الإصابة بسرطان الغدد تعاني نيفين من صعوبة بالغة في النطق وكانت قد التقطت عدوى الكوفيد، رغم كل الاحتياطات التي حرصت على اتخاذها طوال فترة انتشار الوباء.

وعَّبرت سارة على خوفها الشديد على حالة ابنتها الصحية التي زادت صعوبتها مع تعطل الكثير من الخدمات الاستشفائية والإدارية.

وأكدت لكشف: 

الأدوية باهظة الثمن وأحيانا غير متوفرة ولم نتمكن من الحصول عليها من داخل المراكز الصحية لأن ابنتي لا تملك دفتر العلاج المخصص لذوي الاحتياجات الخاصة.

وأضافت أنها فشلت في الحصول على دفتر علاج يسمح لابنتها بالمداواة مجانا والمنحة التي تخصصها الدولة لهذه الفئة من المرضى. وأوضحت سارة: “ترددت على مكتب المرشدة الاجتماعية مرات عديدة ولم أتمكن من الحصول على دفتر العلاج الأصفر وهو بطاقة العلاج بالتعريفة المنخفضة المخصصة للعائلات محدودة الدخل رغم تلقي الموافقة في النهاية”. 

تأجيل المواعيد يؤخر اكتشاف المرض

كشفت منظمة الصحة العالمية أن السرطان يعد سببا رئيسيا للوفاة في جميع أنحاء العالم، وقد أزهق أرواح 10 ملايين شخص في عام 2020. 

وفي تقرير للمنظمة بينت أنه يمكن الحد من خطورة السرطان من خلال كشف المرض مبكرا وتزويد المرضى المصابين به بقدر كاف من العلاج والرعاية، علماً أن فرص الشفاء من أنواع كثيرة من السرطان تزيد إذا شُخصت مبكرا وعُولِجت كما ينبغي.  

وقال نائب المدير العام في المنظمة رين مينغهوي “عندما يتمكن الأفراد من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، يصبح من الممكن اكتشاف السرطان في مرحلة مبكرة ومعالجته بفعالية والشفاء منه”. وفق الوكالة الفرنسية للأنباء.

وفسرت المنظمة أن انتشار الوباء عبر العالم عطل خدمات الوقاية والعلاج من الأمراض غير المعدية وتسبب تضاعف أعداد المصابين بالكوفيد في زيادة الضغط على المستشفيات. 

وكان على العاملين بقطاع الصحة اتخاذ قرارات صعبة لإيجاد توازن بين متطلبات الاستجابة المباشرة للوباء والتواصل المستمر للخدمات الصحية الأساسية الأخرى.

وترجع الصحة العالمية الأسباب الأكثر شيوعا لانقطاع أو تقليل الخدمات الصحية إلى إلغاء العلاجات المخطط لها والحد من وسائل النقل العام ونقص الموظفين بسبب تعبئة مقدمي الرعاية لتعزيز الخدمات المخصصة للكوفيد.

وكشفت المنظمة عنج توقف برامج الفحص على مستوى السكان (لسرطان الثدي وعنق الرحم، على سبيل المثال) في 46 بالمئة من البلدان.

تأثير الحجر الصحي والتباعد على مرضى السرطان

درس علماء من المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية بفرنسا (Inserm) وجامعة مونبلييه ومعهد مونبلييه للسرطان (ICM) عواقب قيود الغلق والتباعد الاجتماعي على علاج سرطان القولون والمستقيم في فرنسا خلال الحجر الصحي الأول في ربيع 2020. وقد أظهروا لأول مرة أن عبء الورم كان أعلى لدى المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بسرطان القولون والمستقيم بعد الحجر الصحي.

وجاء في بلاغ نشره المعهد الفرنسي على موقعه الرسمي، أن البيانات، التي تهم السرطان على وجه الخصوص، تشير إلى أن القيود كانت مصحوبة بانخفاض الاعتماد على الفحص والتشخيص المتأخر للمرضى الذين تظهر عليهم الأعراض وتراجع الوصول إلى مراكز العلاج في أجزاء كثيرة من العالم.

ويقول آلان تيري الباحث والمنسق العلمي للدراسة: “يبدو أن زيارة المريض الأولى لطبيب الأورام في وقت متأخر وتقليل اختبارات الفحص أثناء الحجر الصحي هي الأسباب الرئيسية للاختلاف في عبء الورم والمخاطر الناتجة عن انخفاض معدل البقاء على قيد الحياة”. 

في تونس كشفت روضة زروق رئيسة “جمعية مرضى السرطان” في حديثها مع “كشف ميديا”، عن وجود صعوبات جمة تعترض المرضى في مختلف مراحل العلاج بسبب اهتراء البنية التحتية للمستشفيات العمومية والتدني المخيف للخدمات فضلا عن اصابة أطباء الاختصاص بكورونا والافتقاد للعديد من الأدوية، وهو أمر تضاف بشكل واضح خلال تفشي جائحة الكوفيد.

ومن بين تلك المصاعب التي أشارت لها زروق قرار مستشفى صالح عزيز التخلى عن العلاج التلطيفي لمرضى السرطان بعد أن قرر المسؤولون تحويل هذا القسم لاستقبال الأطفال من مرضى كورونا.

ولكن في تونس فإن المشكل يبدو أوسع من تداعيات كورونا، ذلك ان المرضى بحسب رئيس الجمعية، يعانون أصلا من عدة عوائق مثل المواعيد المتباعدة وتعطل أغلب أجهزة السكانار المتوفرة في المستشفيات العمومية.

وتوضح روضة زروق لكشف ميديا قائلة:

نضطر لإرسال المرضى للعلاج بالأشعة الى مستشفى جندوبة. نستأجر لهم هناك منازل للبقاء والعلاج لمدة أكثر من شهر بدل اثقال كاهلهم بتعريفات القطاع الخاص التي تتجاوز امكاناتهم.

تعمل جمعية مرضى السرطان على ايواء المرضى القادمين من مناطق بعيدة لتسهيل العلاج في المستشفيات والتوسط لدى متعاونين في القطاع الخاص ومتطوعون من الأطباء لتقديم الخدمات التي يحتاجها المرضى. أما فيما يتعلق بالأدوية المفقودة فيتم التعاون مع مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل توفير الأدوية لمن يستحقها. 

وتقول زروق “يجب اصلاح قطاع الصحة ومحاسبة الفاشلين بعد أن تم ضخ الكثير من الاموال دون ان يتم استثمارها على الوجه الأكمل”.