كشف صحي


الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس: “لا حق لنا في الصحة ولا في العيش بكرامة”

22/02/02

تجلسٌ أسماء بوعلاقي طفلة  12 سنة  هادئة ساكنة، تلك التي تدرس بالصف الرابع وتعاني من اعاقة سمعية عميقة  جعلت منها فتاة صماء وبكماء فلا يسمع لها ضجيج فقط  سكون رهيب.

تقطن أسماء في قرية “أولاد بوعلاق” التابعة لمنطقة الحمامة من معتمدية جلمة بولاية سيدي بوزيد، والتي تبعد عن مقر المدرسة الابتدائية بجلمة أين تتعلم أسماء، حوالي 7 كيلومتر أحيانا تمشيها الطفلة صحبة والدتها على ساقيها وأحيانا في سيارة النقل الريفي.

تكبد مصاريف تنقل الطفلة أسماء ووالدتها الهذبة سمعلي يوميا باتجاه المدرسة لتلقي الدروس 6 دنانير  رغم أن ظروف العائلة المادية لا تسمح إلا أن إصرار الوالدة على تدريس ابنتها يحفزها على التحدي رغم المشقة.

أسماء بوعلاقي، 12 سنة، حاملة لإعاقة سمعية

وتتكون  عائلتها من 5 أفراد من بينها  أب  وطفلين يعانون من اعاقة سمعية عميقة وهو ما جعل وضع العائلة المادي والاجتماعي  والنفسي متدهور ولون حياتهم بكآبة ومشقة يعيشونها يوميا.

أسماء كانت من بين 8 أطفال و15  شخصا من ذوي الإعاقة من أعمار مختلفة، وثّق هذا التحقيق هشاشة وضعهم الاجتماعي وحرمانهم من حق أساسي وهو الحق في الصحة. كما توَّصل معدٌّو التحقيق من خلال الشهادات التي جمعوها في ولايات مختلفة وهي على التوالي تونس وزغوان ونابل وسيدي بوزيد، أن الأشخاص ذوي الإعاقة يعانون المعاناة نفسها رغم الاختلاف في التواجد الجغرافي، وأن الدولة أهملت القيام بدورها الرئيسي في الاحاطة بهم، هذا علاوة على الظلم والتمييز الذين يعانون منه أثناء التقدم لأي عمل، وعدم تقبلهم من المشغلين، في خرقٍ جسيم لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2007 الموقعة من تونس..

حق أساسي مفقود!

تحدثت الهذبة سمعلي والدة أسماء  لـ “كشف ميديا”  عن وضع عائلتها وخاصة ابنتها أسماء البوعلاقي فذكرت أن ابنتها قد تحصلت على سماعات الأذن الطبية تبرعا من إحدى السيّدات خلال السنة الفارطة وتقوم يومياًّ صباحا إيصالها للمدرسة وانتظارها إلى حدود الساعة الثالثة  مساء لتعود الى المنزل.

تصرٌّ الأم رغم كل شيء على إيصال ابنتها يوميا  الى المدرسة وانتظارها حتى توقيت العودة فتنتظر أحيانا لساعات أمام المدرسة وتتوجه أحيانا أخرى للعمل معينة منزلية في منازل بمدينة جلمة فقط من أجل توفير مصاريف تنقل ابنتها.

تحوّلٌ أسماء أجواء عائلتها إلى حزن وبكاء كلما اضطرتها الظروف المادية على الغياب عن  الدراسة لعدم توفر أجرة التنقل، وأحياناً تسير باتجاه المدرسة أو تعود إلى المنزل مشياً على الأقدام صحبة والدتها فقط من أجل التعلم.

تتلخص طلبات الأم في إيجاد حل لتتنقل طفلتها يوميا في ظروف أكثر راحة ومساعدتها على معالجة النطق عندها وتمكين ابنها أشرف (18 سنة)  الذي يعاني أيضا من إعاقة سمعية عميقة ولا يسمعٌ ولا يتكلم من تكوين مهنيّ حتى يعمل و يسمح بتغيير وضعه إلى الأفضل. 

صادقت تونس على ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺫﻭﻱ ﺍﻹﻋﺎﻗﺔ،  ﲟﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺭﻗﻢ 4 ﻟﺴﻨﺔ 2008 ﺍﳌﺆﺭﺥ في 11 فيفري 2008 ﻭﺑﺎﺩﺭﺕ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﺑﻨﺸﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺮﲰﻲ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻮﻧﺴﻴﺔ ﲟﻘﺘﻀﻰ ﺍﻷﻣﺮ ﺭﻗﻢ 1754 ﻟـﺴﻨﺔ 2008 ﺍﳌـﺆﺭﺥ 22 أفريل 2008.

وجاء في المادة الرابعة من الاتفاقية المذكورة سلفا أن تتعهد الدول الأطراف بما فيها تونس بكفالة وتعزيز إعمال كافة حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالاً تاماًّ لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة دون أي تمييز من أي نوع على أساس الإعاقة. وتحقيقا لهذه الغاية، تتعهد الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير الملائمة، التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير، لإنفاذ الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية، واتخاذ جميع التدابير الملائمة، بما فيها التشريع، لتعديل أو إلغاء ما يوجد من قوانين ولوائح وأعراف وممارسات تشكل تمييزا ضد الأشخاص ذوي الإعاقة.

أما فوزية خشناوي وهي أم لطفلتين من الأشخاص ذوي الإعاقة، قاطنة بغدير الزيتونة الجنوبية  بجلمة من ولاية سيدي بوزيد، فقد تعجزٌ الكلمات عن وصف ظروف معاناتها في الاعتناء بطفلتين، الكبرى لمدة 16 سنة  والثانية لمدة 13 سنة وأكثر ما يؤلمها قلة حيلتها في توفير أفضل الظروف لهما.

تطالب الدولة والمسؤولين باعطاء لفتة صغيرة  للأشخاص ذوي الاعاقة، والغصة تسد حلقها والدموع تملأ مقلتيها:

 إن الذي لم يعاني كفالة فرد من الأشخاص ذوي الإعاقة لا يعرف الوضع وصعوبته في الواقع، لأن المسؤولية تقع على عاتق الشخص الذي يعتني به. ولأنَّ الاعاقة تصبح أحيانا لعنة على الشخص الذي يهتم بالمعاق، خاصة إذا كان الوضع المادي محدود.

حفيظة خشناوي طفلة 16 سنة تعاني من إعاقة عضوية عميقة وحسنة خشناوي 13 سنة تعاني من إعاقة متعددة وعميقة، وفي عائلة عمهما توجد كذلك طفلتين .من  الأشخاص ذوي الاعاقة وهما ريتاج خشناوي 8 سنوات وتعاني من إعاقة متعددة عميقة

وتطالب فوزية بحقوق ابنتيها الدنيا، الحقوق التي تخلت عنها الدولة وعوضتها فقط ببطاقة إعاقة وشهادة علاج مجانية ومنحة   لا تتجاوز 180 دينار رغم أن العائلة تتكون من طفلتين من الأشخاص ذوي الاعاقة ووالدهما عامل يومي وأمهما تخصص كل وقتها للعناية بهما في البيت وفي المستشفى.

حفيظة خشناوي طفلة 16 سنة وتعاني من إعاقة عضوية عميقة وحسنة خشناوي 13 سنة وتعاني من إعاقة متعددة وعميقة، وفي عائلة عمهما توجد كذلك طفلتين من  الأشخاص ذوي الاعاقة وهما ريتاج خشناوي 8 سنوات وتعاني من اعاقة متعددة عميقة  وأريج خشناوي 7 سنوات وتعاني أيضا من اعاقة عميقة متعددة وهنَّ بنات يعانين من أمراض عديدة وانطلقت رحلة علاجهن منذ ولادتهن ولكن دون جدوى فيوما بعد يوما يتفاقم وضعهن الصحي ويزداد وجعهن.

لا بد من أن يقدم لفائدتهن مورد رزق وتمكينهن من حقهن في التعليم ومن حقهن في العلاج  ومن مساعدات ظرفية تحتوي على حفاظات أو مواد  غذائية .

حفيظة خشناوي، 16 سنة وتعاني من إعاقة عضوية عميقة ، التقيناها في نوفمبر 2021 وتوفيت للأسف في 30 جانفي 2021

كانت مطالب أم ملتاعة على بنتيها وطفلتي أختها، أربع بنات من الأشخاص ذوي الاعاقة وعائلتين في ظروف مادية واجتماعية صعبة.وجاء في المادة السابعة من اتفاقية ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺫﻭﻱ ﺍﻹﻋﺎﻗﺔ فيما يخص الأطفال ذوو الإعاقة، إن الدول الأطراف الموقعة على الاتفاقية تتخذ جميع التدابير الضرورية لكفالة تمتع الأطفال ذوي الإعاقة تمتعا كاملا بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وذلك على قدم المساواة مع غيرهم من الأطفال. ويكون توخي أفضل مصلحة للطفل، في جميع التدابير المتعلقة بالأطفال ذوي الإعاقة، اعتبارا أساسيا

الكهل المعاق كما الطفل المعاق..المعاناة ذاتها 

عبد الرؤوف سليمان ، البالغ من العمر 29 سنة أصيل منطقة حمام الزريبة من ولاية زغوان  يعاني  من إعاقة جسدية تمنعه من ممارسة أي نشاط أو المشي على قدميه دون الإعتماد على الكرسي المتحرك.

مشكلة عبد الرؤوف الصحية زادتها قساوة الظروف الإجتماعية، فهو يتيم الأب و أمه إمرأة مسنة تعاني عدة أمراض أخطرها مرض أصاب عينيها منذ مدة و يستوجب تدخلا طبيا في اقرب وقت.

أملي الوحيد في هذه الحياة يتمثل في تلك الامرأة التي تساعدني في أبسط الأمور التي أعجز عن القيام بها رغم ما تعانيه هي ايضا من مشاكل صحية.

تقاوم  والدته مصاعب الحياة وحيدة بلا منزل أو مدخول مادي توفر به مستلزمات عيشها هي و ابنها الحامل لإعاقة، حيث لا يتجاوز دخلهم الشهري 180 د في شكل منحة من وزارة الشؤون الاجتماعية. ويضيف الشاب:

 هذا المبلغ لا يكفي حتى لتوفير الدواء لي ولوالدتي شهريا والذي أشتريه من الصيدليات الخاصة لأن المستشفى لا يملك هذه الادوية لكي يقدمها للمرضى.

وينص الفصل 48 من الدستور التونسي أنه:

 لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك .

وبالرجوع إلى المعطيات الإحصائية للتعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014، يبلغ العدد الجملي للأشخاص ذوي الإعاقة المتحصلين على بطاقة 241240 شخص من بينهم  119160 امرأة  ذات إعاقة (أي بنسبة 49% ).

معطيات حول الأشخاص ذوي الإعاقة المرسمين بمراكز التربية المختصة حسب نوع العاهة

عبد الرؤوف يؤكد أنه لا ينتظر شيئا من هذا الوطن بل أصبح يعتمد على أصحاب القلوب الرحيمة من عامة الشعب و ينشر نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لعلها تصل و تخاطب قلوبا لينة تتعاطف معه و مع تلك المرأة المسنة التي كانت خير سند له وقت الشدائد. طالما أن الحكومة و السلط المعنية لا تولي اهتماما لحالته و ضعفه الجسدي.

مللتٌ من تكرار كلمة ساعدوني، وحاولت بعث مشروع خاص بي، حيث قدمت طلبا للحصول على قرض صغير فطلبوا مني أن أمدهم بوثائق تثبت أنني أملك مقرا و 10% من قيمة المشروع الذي اود بعثه رغم علمهم بأننا لا نملك منزلاً أصلا .

حال عبد الرؤوف و والدته بقي كما هو ولم يتغير شيئا إلى حد الآن بسبب الإجراءات البيروقراطية التي أعيته وحالت دون حصوله على مورد رزق.

عبد الرؤوف مهدد بفقدان مسكنه في أي وقت إن عجز عن توفير مبلغ الكراء ، كذلك هو مهدد بأن يفقد سنده الوحيد في الحياة بسبب ضعف الحال وعدم وجود المال الكافي لمداواة إمرأة مسنة لا تملك حتى الحق في الصحة نظرا لعدم قدرة العائلة على تحمل أعباء العلاج، لوجد نفسه يصارع الحياة على كرسي متحرك مهترئ قدمه له أحد أبناء المنطقة في شكل مساعدة إنسانية بعد أن خذلته الدولة التونسية في توفير ابسط حقوقه كحامل لإعاقة جسدية.

عبد الرؤوف سليمان ، 29 سنة أصيل منطقة حمام الزريبة من ولاية زغوان  يعاني من إعاقة جسدية

و تجدر الإشارة أن التشريعات التونسية تنص على تخصيص 2% من إجمالي المنتدبين لحاملي الإعاقة طبقا للإجراءات التي تم اتخاذها لتفعيل القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 و المنقح في 3 ماي 2016 حيث يتعيّن على كل مؤسّسة خاصة أو عموميّة خاضعة لمجلة الشّغل وتشغّل عادة مائة عامل على الأقلّ تخصيص إثنان بالمائة من مراكز العمل بها للأشخاص المعوقين الّذين يحملون بطاقة معوق طبقا للأحكام القانونيّّة المعمول بها مع تمتع المشغل بعدة امتيازات .

تقول بوراوية العڨربي الكاتبة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لكشف ميديا إن حالة هذه الفئة تصاب يوما بعد ٱخر بالتقهقر خاصة في الفترة الأخيرة التي حرم فيها أصحاب الاعاقة من حقهم في المنح الاجتماعية التي تقدمها الدولة لأسباب تعتبر غريبة بعض الشيء ، وطالبت بوراوية بإنشاء هيكل خاص بذوي الإعاقة خارج وزارة الشؤون الاجتماعية. 

وشددت على ضرورة توفيق ممرات خاصة و أقسام بالمدارس و الكليات و مرافقين لهم و مختصين في التعامل مع هذه الفئة داخل المرافق العمومية.

تحدثنا ضاحكة عن وضعيتها كحاملة لإعاقة و تقول:

 ولدت فاقدة لنعمة البصر و رغم ذلك أنا مطالبة كل 5 سنوات بأن أقدم ملفا جديدا لوزارة الشؤون الاجتماعية لتذكيرهم أنني كفيفة و لكي لا تسحب مني بطاقتي،  حقا إنه امر يثير الاستغراب و الاستهزاء في دولة تدعي احترامها لذوي الإعاقة.

تضيف محدثتنا بأن المنظمة قد طالبت مرارا بتغيير البطاقات التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية تحت مسمى بطاقة إعاقة في شكلها الحالي التي تعتبره رديئا، و قد قدمت ملفا كاملا للوزارة لتغييرها ببطاقات تسمى بطاقات دمج تكون مشابهة لبطاقة التعريف الوطني  هذا إضافة إلى توفير الإحاطة النفسية لهذه الفئة فهي فئة  لا تعاني مشاكل جسدية فقط بل يصل الأمر الى التأثير على صحتهم النفسية مما يعانونه من ويلات.

الدولة والمؤسسات العمومية  تمثل العائق الأكبر أمام الأشخاص ذوي الإعاقة، فحتى وزارة الشؤون الاجتماعية التي من المفترض أن تكون أكثر مرفقا يراعي حاجياتهم لا تتجاوب معهم و لا تعتمد سياسات ادارية تراعي ذوي الإعاقة. 

و في حديثها عن اسناد بطاقات الاعاقة تؤكد لنا بوراوية أن عددا كبيرا من حاملي الاعاقة لا يملكون بطاقات ، منهم من عجز عن تقديم ملفه ومنهم من أنهكته الإجراءات البيروقراطية وكثرة الوثائق فلم يستكمل ملفه ، كما تعتبر أن بعض الأمور والإجراءات تعتبر غريبة الى حد ما  لأن وزارة الشؤون الاجتماعية تطالب كل حامل لبطاقة إعاقة بتجديد انخراطه و تقديم ملفه كل 5 سنوات . 

الأشخاص ذوي الإعاقة محرمون حتى من حقهم في تلقي المعلومة، لأن وسائل الإعلام التونسية لم تصلها بعد ثقافة لغة الإشارة و حتى التلفزة الوطنية التي كانت تقدم هذه الخدمة في نشرة الأخبار قد تم إلغائها.

و تجدر الإشارة أن وزير الشؤون الاجتماعية السابق محمد الطرابلسي كان قد أعلن عن جملة من الاجراءات لفائدة مراكز التربية المختصة التي تهتم بفئة الأطفال الحاملين لإعاقة البالغ عددهم  15 ألف تلميذ سنة 2021 بكلفة جملية تقدر بـ 53 مليار ،هذا اضافة الى دعم أسطول الحافلات لفائدة الجمعيات الناشئة في مجال المعوقين حيث تم بعنوان سنة 2020 توزيع 16 حافلة ومن المنتظر تعزيزها بـ 16 حافلة بقيمة 3مليون دينار بعنوان 2021.

بوراوية العڨربي تنتقد عمل وسياسات وزارة الصحة في التعامل مع ذوي الإعاقة زمن الكوفيد خاصة في حملة التلاقيح التي انطلقت منذ فترة و تعتبر أن التمييز وعدم تحقيق المساواة بينهم و بين بقية الفئات بلغ حد الحق في الصحة  

وزارة الصحة لا تملك قاعدة بيانات حاملي الاعاقة و توزعهم حسب درجة الإعاقة ، هذا إضافة الى أنها لا توفر خانة مخصصة لذوي الاعاقة في منظومة ايفاكس و لا تمدنا بأي معلومات  في ما يخص تلقيح هذه الفئة او كيفية الوصول إلى من لا يقدرون على الذهاب إلى مراكز التلقيح.

قصة أخرى  ومعاناة أخرى ، عادل بنسعود البالغ من العمر 51 سنة متزوج و أب لطفلين، تعرض لصعقة كهرباء أثناء عمله كعامل بناء سنة 2012 هذا الأمر الذي خلَّف أضراراً جسيمة بجسده و جعله غير قادر على المشي أو الوقوف مرة أخرى، عادل الذي يعاني الويلات منذ ما يقارب العشر سنوات يقول بأن حالته تزداد تعكرا يوما بعد يوم مما اضطر الأطباء مؤخرا لإجراء عملية جراحية على قدمه انتهت بقطع بعض من أصابعه التي تعفنت.

أثناء الحديث معه لم يستطع الكهل مواصلة الحديث و بدت علامات الانهيار العصبي بارزة عليه ، حيث أكدت لنا زوجته سميرة بأن زوجها الآن أصبح يعاني من مشاكل نفسية استوجبت نقله في مرات عديدة الى مستشفى الأمراض العصبية الرازي ، فهو لم يتقبل هذا التحول المفاجئ في حياته و الذي جعله مقعدا لا يقوى على الحركة من مكانه أو قضاء حاجياته لوحده. 

تضيف زوجته سميرة بأن الحالة الاجتماعية للعائلة زادت من قسوة الحياة ، فهي لوحدها تقاوم لكنها بدأت تشعر بالإحباط خاصة وأنها قد طرقت كل الابواب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكن بلا جدوى 

أبنائي اضطروا لمغادرة مقاعد الدراسة و البحث عن عمل لتخفيف الأعباء والمصاريف، فما أتقاضاه من عملي بمصنع الخياطة لا يكفي لمصاريف العائلة طيلة شهر كامل. 

عادل بنسعود، 51 سنة متزوج و أب لطفلين متعايش مع إعاقة في رجله

في مرات عديدة قدم عادل مطالب للحصول على منحة اجتماعية نظرا لعدم قدرته على العمل ، لكن رد السلط المعنية كان بالرفض بحجة أن زوجته تشتغل و لها مدخول قار و مسجلة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، أي أنه في كفالة زوجته ولو أراد أن يتحصل على منحة بقيمة 180د يتوجب على زوجته أن تترك شغلها الحالي ، و في هذا السياق تقول سميرة  زوجته: 

يطلبون مني أن أتخلى عن راتب ب 500د لكي يتحصل زوجي على منحة لا تتجاوز قيمتها 200د ، حقا أنا لا أفهم كيف تسير هذه الدولة و كيف يتم دراسة الحالات الاجتماعية.

وتضيف الزوجة بأنها تضطر اليوم الى الالتجاء الى شركات التمويل الصغرى للحصول على قروض بمبالغ صغيرة لخلاص ديونها و دفع أقساط ب220د شهريا،  أي أن المدخول الصافي للعائلة هو 300د فقط.

سميرة مطالبة بأن تحسن التصرف في هذا المبلغ الزهيد لتوفير الأكل و الشراب و الدواء و خلاص معاليم الكهرباء والماء وغيرها من مستلزمات العيش. تضيف سميرة بنبرة غاضبة:

الكثيرون  زاروا زوجي من مسؤولين ونواب شعب  و قدموا وعودا بمساعدته و غادروا تاركين وراءهم وعودا تحولت مع مرور الزمن الى اكاذيب ، فما جناه عادل طيلة عشر سنوات من الإعاقة هي ” كردونة مواد غذائية ” قدمها له أحد أعضاء المجلس البلدي أثناء تقديم الإعانات في فترة الحجر الصحي الشامل ، فحتى المنح التي كانت تقدم ٱنذاك لمساعدة المتضررين من جائحة كوفيد 19 حرم منها و لم تنتفع بها العائلة رغم أنهم في أمس الحاجة إليها و هاهي المشكلة تتكرر الان في منحة 300 د التي قدمت مؤخرا . 

يقول إبراهيم بن ادريس رئيس الهيئة العامة للنهوض الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية في رده على سؤال  كشف ميديا بخصوص شكوى الأشخاص ذوي الإعاقة من ضعف المنحة المقدرة ب 180 دينار والتي لا تكفي حاجتهم، إن المنح المقدمة اليوم هي ليست بمنح لحاملي الإعاقة بل لفائدة العائلات المعوزة ومحدودة الدخل التي يبلغ عددها 270 ألف و تمثل نحو 80% من إجمالي السكان ، كما أوضح أن عدد المنتفعين سيفوق 300 ألف عائلة كما سيتم الترفيع من مبلغ المنحة الى 200 د خلال سنة 2022 مع بعض الامتيازات للعائلات التي تضم أطفال يدرسون. 

و في ما يخص الاجراءات المتعلقة بتجديد بطاقة الاعاقة وعدم وجود قاعدة بيانات محينة للأشخاص ذوي الإعاقة، يقول محدثنا إن:

 الأمر لا يطرح أي إشكال إذا طالبت الدولة حاملي هذه البطاقات بتجديدها كل 5 سنوات لضبط عدد البطاقات و حالة حامليها. الدولة هذه السنة ستنطلق في عملية إحصاء شاملة في كامل تراب الجمهورية لحصر عدد حاملي الاعاقة ، لأنها لا تملك حاليا العدد الرسمي و النهائي لكنه سيكون متوفرا قريبا.

وفي خصوص مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة إلى حق الصحة يشير بن إدريس إلى أن الدولة توفر المعدات اللازمة كالكراسي والمعدات الطبية أو الأعضاء الاصطناعية بقيمة 7 مليون دينار ، كما “يتم منح مبالغ مالية لحاملي الإعاقة لتمويل مشاريعهم الخاصة في حالة كانوا قادرين على العمل ، كما أن الدولة تعتمد سياسة التمييز الإيجابي مع الأشخاص المعوقين مع اعطائهم حق الاولوية في مثل هذه الامتيازات و الخدمات وفق تعبيره.

وأكد محدثنا  “أنَّ:

حوالي 3 مليون دينار سترصد هذه السنة لفائدة هذه الفئة و أن الأموال موجودة لكنها غير كافية لإرضاء الجميع و تلبية كل المطالب”.

ويقول بن ادريس في حديثه عن إسناد بطاقات الإعاقة أن ذلك يتم عبر لجنة تضم 3 أطباء و مختصين ، و أن الدولة لا تبخل في إسناد هذه البطاقات لمستحقيها وأن الإشكال الوحيد هو في إسناد بعض البطاقات لأشخاص يعانون مشاكل “قصر ذهني” و الذين ثبت حسب الملفات الطبية انهم لا يرتقون لدرجة الاعاقة الذهنية رغم أنهم خضعوا لحصص في مستشفى الأمراض العقلية على حد تعبيره.

ونحن بصدد تحرير هذا التحقيق وإعداده للنشر، بلغنا بكل أسف  خبر وفاة الطفلة حفيظة خشناوي يوم 30 جانفي 2022 بعد أن التقيناها في نوفمبر 2021. الطفلة توفيت بعد معاناة سنوات من إعاقات وأمراض متعددة في غضون هذا الأسبوع وكانت “كشف ميديا” قد زارت العائلة  منذ مدة  والطفلة على قيد الحياة وكانت مطالب الأم فقط المساعدة على توفير حاجيات لم تقدر على توفيرها لفائدة صغيرتها.

يذكر أن ترسانة من القوانين لفائدة الأشخاص ذوي الاعاقة  والاتفاقيات التي من شأنها أن تضمن لهم الولوج لكل الخدمات والحقوق قد سنتها تونس وصادقت عليها إلا أنه لم يتم تنفيذها على أرض الواقع، ما جعل الوضع لدى أغلب الأشخاص ذوي الاعاقة على حاله منذ سنوات محرومون من حق أساسي وهو الحق في الحياة بشكل كريم.


بقلم: خولة بوكريم، كوثر الشايبي وشاكر الجهمي

تحرير وتدقيق خولة بوكريم

رسوم وغرافيك: سهيل الحداد