كشف حكومي


تونس تحت وطأة “القضاء العسكري” ..عدالة أم تشفي؟

22/03/08

منذ 25 جويلية 2021 وإعلان الإجراءات الاستثنائية لرئيس الجمهورية قيس سيعد، تعدّدت المحاكمات العسكرية للمدنيين، محاكمات شملت مدونين وصحفيين ونواب، ليفوق عددهم العشرة. بدءًا بالنواب المجمدة مهامهم ياسين العياري وسيف الدين مخلوف ونضال سعودي، والإعلامي وعامر عيّاد وصولا إلى عميد المحامين السابق، عبد الرزاق الكيلاني، لكن كما تقولٌ الأسطورة الإغريقية “الملعونة ميدوسا والهدف بوسايدون” ، فكما لُعنت ميدوسا بينما الهدف كان بوسايدون، تمت احالة مدنيين على محاكم عسكرية لكن الهدف ليس بالضرورة ذلك الذي أريدَ لنا أن نراه.

في الثاني من مارس الجاري، صدرت بطاقة إيداع بالسجن في حق العميد السابق للمحامين التونسيين عبد الرزاق الكيلاني بتهمة: 

الانضمام إلى جمع من شأنه الإخلال بالراحة العامة قصد التعرض لتنفيذ قانون أو جبر وهضم جانب موظف عمومي بالقول والتهديد حال مباشرته لوظيفته ومحاولة التسبب بالفوضى والخزعبلات في توقف فردي أو جماعي عن العمل.  

يقبعٌ الكيلاني داخل السجن منذ أيام بعد قرار صادر عن أحد قضاة المحكمة العسكرية الدائمة بتونس في ضرب واضح للفصل 110 من الدستور التونسي لسنة 2014 الذي ينص على أن المحاكم العسكرية محاكم متخصّصة في الجرائم العسكرية.  وفق ما تؤكده هيئة دفاعه.

اخلالات عديدة في محاكمة الكيلاني

يؤكد رضا بالحاج، عضو هيئة الدفاع عن عبد الرزاق الكيلاني، لـكشف ميديا، غياب الشروط اللاَّزمة لإصدار بطاقة إيداع بالسجن والمتمثلة أساسا في ثبوت التهمة إضافة الى توفر شرط أساسي وهو وجود إمكانية هروب المتهم أو عدم حضوره في الجلسة الموالية والشرط الموالي إمكانية تسبب ابقائه في حالة سراح في خطر له أو لغيره ويقول بالحاج إن كل هذه الشروط غير متوفرة وبالتالي فإن بطاقة إيداع بالسجن مخالفة للقانون.

هيئة الدفاع عن عبد الرزاق الكيلاني

إن المحاكم العسكرية تختص في الجرائم العسكرية وموضوع التهمة ليس عسكريا ولا توجد شكاية مباشرة من قبل أحد الأمنيين.

بالإضافة إلى تعهد الوكيل العام لدى المحكمة العسكرية الدائمة بتونس في وقت ينص فيه المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المؤرخ في 20 أوت 2011 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة الفصل 47 ينص على أنه:

لا تترتب عن الأعمال والمرافعات والتقارير المنجزة من المحامي أثناء مباشرته لمهنته أو بمناسبتها أية دعوى ضده. ولا يتعرض المحامي تجاه الهيئات والسلطات والمؤسسات التي يمارس مهنته أمامها إلا للمساءلة التأديبية وفق أحكام هذا المرسوم.  

بيد أن التهمة الموجهة للكيلاني كانت أثناء مباشرته لمهنته وفق تقدير بالحاج.

يقول بالحاج لكشف ميديا إن العميد كان مقصودا نظرا لتحركاته المكثفة الرافضة لإجراءات التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد ” ويعتبر أن المحاكمة التي واجهها الكيلاني “محاكمة سياسية “وتصفية حسابات” جاءت نتيجة لمواقفه السياسية.

وفي الذي يخص الخطوات القادمة من أجل الدفاع على العميد السابق يؤكد رضا بالحاج الرفض المطلق للمحاكمة العسكرية والتضامن التام من طرف المحامين مع الكيلاني. كما أن لهيئة الدفاع وسائل طعن متعددة وطنيا ودوليا وأنها جاهزة للقيام بكل ما يسمح به القانون من أجل حرية عبد الرزاق الكيلاني وذلك في انتظار ختم التحقيق بعد حوالي أسبوع حسب تعبير بالحاج.

تضامن مع الكيلاني و لكن..

تضامن عدد كبير من المحامين مع عميدهم السابق من بينهم المحامي والنائب عن حزب التيار المجمدة مهامه، غازي الشواشي اعتبر أنه:

 بعد اعتقال العميد الكيلاني و تنصيب المجلس المؤقت الدائم للقضاء الموالي للرئيس أصبح  الجميع  في البلاد بحالة  سراح وقتي إلى حين صدور التعليمات و الأوامر، وفق تعبيره.

تضامن عدد من المحامين والنشطاء في باريس مع العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني

أما المحامي عبد الستار المسعودي فقد اعتبر محاكمة الكيلاني عسكريا، “عيب وعار أ  تسجن المحاكم التونسية عميدا سابقا  من أجل تهم واهية، وتتعلق بحرية رأي.. مضيفا إنها فضيحة!

إبراهيم بودربالة، عميد الهيئة الوطنية للمحامين في تصريحه لكشف ميديا يرى أمرا آخر، حيث أكد اختصاص المحاكم العسكرية في مسألة النظر في قضية عبد الرزاق الكيلاني ويقول إن القانون كان واضحا من عهد بورقيبة، لأن المحاكم العسكرية تتخصص في النظر في كل فعل يعاقب عليه القانون على القوات الحاملة للسلاح وحتى في حال إحالته على القضاء العدلي سيصرح الأخير بعدم اختصاصه الحكمي حسب بودربالة.

إضافة الى ذلك يتساءل بودربالة:

 ما إذا كان تتبع الكيلاني من أجل نشاط مهني أم من أجل نشاط سياسي خاصة وأن مٌنوب الكيلاني كان تحت مفعول الإقامة الجبرية وبذلك تستوجب مقابلته ترخيص من السلطة التي أصدرت ذلك القرار ثم أن الاعوان الموجودين هم أعوان تنفيذ لا يجب التوجه اليهم فهم مكلفون بالتنفيذ لا غير.

وردا على مسألة إثارة الدعوى العمومية، يقول إبراهيم بودربالة في صورة بلوغ العلم للنيابة العمومية بوقوع جريمة لها أن تتعهد من تلقاء نفسها. 

منظمات وطنية ودولية: “تونس تحت وطأة عسكرة القضاء”

محاكمات عسكرية للمدنيين و إيداعهم بالسجن اعتبرتها 32 منظمة وجمعية ناشطة في تونس  عبر بيان مشترك في السابع من مارس الجاري،  “تهديدا خطيرا لحريّة التّعبير في تونس”.  حيث أصدرت بيانا مشتركا في السابع من مارس الجاري 32 منظمة وجمعية وطنية ودولية منها المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية،  تدين فيه المحاكمات العسكرية وما اعتبرته “غياب الضمانات الأساسية الدنيا للحياد والاستقلال والمحاكمة العادلة”.

وأكدت هذه المنظمات ضرورة احترام الدولة التونسية للالتزاماتها الدستورية والدولية داعيةً السلط المعنية إلى إنهاء “الإجراءات التعسفية و المسيسة” التي أدّت إلى سجن العميد السابق للمحامين التونسيين عبد الرزاق الكيلاني، حسب نص البيان.  

ارتفاع عدد المحاكمات العسكرية للرأي في تونس ضد المدنيين بسبب تهم تخص الرأي أصبح يشكل تهديدا حقيقيا على أهم مكسب للثورة  التونسية وهو حرية الراي والتعبير، ويبقى السؤال، هل بعد تنصيب رئيس الجمهورية قيس سعيد المجلس الأعلى للقضاء المؤقت، ستشهد أروقة المحاكم أطوارا جديدة لماسارات العدالة؟


إشراف عام خولة بوكريم


كشف ميديا موقع ألكتروني مستقل منذ 2020