كشف خبر


الاتصال والإعلام في الصحة: كورونا كشفت عمق أزمة الإدارة التونسية في التعامل مع المعلومات

22/03/15

نظمت جمعية قرطاج للصحة بالشراكة مع النقابة الوطنية للصحفيين، يوم السبت 12 مارس 2022، العدد الأول من حوارات الصحة المفتوحة تحت عنوان “الاتصال والإعلام في الصحة: فرص تعزيز التقارب بين الفاعلين في إطار المسؤولية المجتمعية لسياسات الصحة”.

وقد ضم الحوار فاعلين متعددي الاختصاصات من بينهم خبراء في المجال الصحي، مسؤولون عموميين، صحافيون ونشطاء في المجتمع المدني للنقاش حول تحديات الاتصال في الصحة ومسارات النفاذ إلى المعلومة، إضافة إلى الحوكمة المفتوحة في الصحة وتعصير التصرف في منظومة البيانات.

الاتصال في الصحة: أي دروس لما بعد كوفيد-19؟

أوضحت الناطقة الرسمية السابقة لوزارة الصحة ومديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة نصاف بن علية ، “أثناء التواصل زمن أزمة كورونا وجدنا صعوبة في التعامل مع الأخبار الزائفة الصادرة من أشخاص وخبراء لا يملكون المعلومة الصحيحة والدقيقة عن الوضع الوبائي، والذين وهم ليسوا من صلب المنظومة، وهو ما يدفعنا في التفكير مستقبلا في استراتيجيات وطنية تتضمن محاور حول كيفية مجابهة المعلومة الخاطئة والزائفة، وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام وكيفية تحديد الأشخاص والأطراف التي يتم استدعائها لتقديم المعلومة”

كما كشفت بن علية أن المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة واجه بدوره صعوبة في الحصول على المعلومات من إدارات ومراكز أخرى التي كان من دورها الترصد الوبائي، والتي كانت ترفض تقديم المعلومة بحجة أن هذه المعلومات هي من مهمة تلك الإدارة دون سواها”.

متابعة “يوجد معلومات تم حجبها على المرصد، وفي مرحلة ما تم إصدار قرار لحجب المعلومات على المرصد، لأن المرصد من خصائصه الشفافية وإتاحة كافة المعلومات التي نتحصل عليها”.

وأكدت بن علية بقولها : “أن الخطة الاتصالية كانت من ركائز الخطة الوطنية لمجابهة وباء كورونا، 

وهي مهمة جدا لأنها تحتوي على عدة عناصر، أولا تحضير المعلومة التي يجب إبلاغها للمواطن، ثم المعلومة التي يجب إبلاغها للمريض، مع مراعاة حاجيات المواطنين في تلك الفترة والتي تتمثل في محاولتهم لمعرفة الوضع الوبائي في البلاد والأرقام والمعطيات حول هذا المرض، وكذلك مدى استعداد البلاد لمجابهة هذا الوباء”

من جهتها تحدثت رئيسة قسم الإستعجالي بمستشفى الرابطة بتونس حميدة المغراوي، عن الظروف التي مر بها قسم الاستعجالي بمستشفى الرابطة أثناء فترة كوفيد-19، وأكدت أنها أثناء تلك الفترة مرت بعدة مراحل صعبة خاصة فيما يتعلق “بالإجابة عن الأسئلة الدقيقة والحساسة التي تميزت بها تلك الفترة حول عدد المرضى وعدد الأسرة المتوفرة والكشف عن الحالة والوضعية الحقيقية لقسم الاستعجالي”.

وأوضحت المغراوي، أن التكوين الأكاديمي للطب في تونس لا يشمل أي محور أو مادة حول الاتصال 

قائلة “7 سنوات من دراسة الطب في تونس، لا تحتوي على أي يوم لدراسة الاتصال وكيفية التواصل”.

ما يدفع الطبيب إلى مواجهة هذه الظروف يوم حدوثها بنفسه دون استعدادات مسبقة، وهو ما أبرز عدم قدرة الأطباء على إبلاغ المعلومة بطريقة ناجعة.

الإعلام زمن الكورونا: غياب المعلومة والخبراء من أبرز الصعوبات

أكدت الصحفية ريم المؤدب، أن الصحفيون عاشوا وضعية ارتباك أثناء فترة الكوفيد- 19، موضحة “كان هناك تعامل سلس بين الإذاعة التونسية والهياكل الرسمية قبل دخول الجائحة إلى تونس، لكن حال تسجيل حالات بكورونا في البلاد، أصبحت المعلومات شحيحة، وكان المشكل في التعامل مع مكتب الإعلام لوزارة الصحة، والقدرة على الوصول إلى المسئولين والخبراء من صلب الوزارة للحديث وتقييم الوضع الوبائي، مشيرة إلى أن الخطة الاتصالية للهياكل الرسمية لم تكن ناجعة، وخير دليل حادثة الرضع التي أبرزت الارتباك في التعامل مع المعلومات الآنية والأخبار الزائفة، ومواجهتنا بالصد وإغلاق الأبواب”.

من جهتها شددت الصحفية خولة بوكريم، أنه في تلك الفترة “كنا نعمل وننقد الطريقة الاتصالية لوزارة الصحة، لأننا اكتشفنا أن موقع وزارة الصحة لم يكن محين وطريقة نشر المعلومات على صفحة الفايسبوك للوزارة غير واضحة، فتوجهنا إلى خيار مطالب النفاذ إلى المعلومة للحصول على المعلومات”.

وأكدت بوكريم أن الصحفي غير مطالب أن يكون بوق للسلطة، أو أن يتعاطف مع وزير الصحة أو الجيش الأبيض، لأن ذلك هو عملهم وواجبهم، مشيرة “أنا من جانبي كصحفية يجب أن لا أنشر خبر زائف أو أن أحجب معلومة، وهي معادلة صعبة لأن هناك بعض من الصحفيين الذين ينجروا إلى التعاطف والمساندة وهو ليس بدور الصحفي”

ثقافة النفاذ إلى المعلومة غائبة عن الدولة التونسية 

من جهة أخرى قال المحامي والخبير في النفاذ إلى المعلومة عصام الصغير، “التمرين الصعب لوزارة الصحة وللدولة هو تكريس ثقافة إتاحة المعلومة، وهو ما اكتشفنا غيابه عن الدولة، كما أن الإجابة عن مطالب النفاذ إلى المعلومة من قبل الإدارات يجب أن يتم التدريب عليه مسبقا وتحديد الأطراف والهياكل التي ممكن أن توفر المعلومة وهذا التمرين لم ننجح في تحقيقه في تونس قبل دخول الجائحة وبعدها.

وخلص الصغير إلى أنه من خلال هذه التجربة، يجب أن ندرك إلى أن ثقافة النفاذ إلى المعلومة لا تقتصر على زمن الأزمات فقط، بل يجب أن تكرس هذه الثقافة داخل الهياكل العمومية والدولة التونسية.

من جانبه أرجح الصحفي أيمن الطويهري، أن سبب انتشار الأخبار الزائفة بكثرة في فترة جائحة كورونا يعود إلى غياب المعلومة من المصادر الرسمية.

وقال أن “النفاذ إلى المعلومة هي ثقافة، يجب أن تصل إلى الموظف العمومي وأن يقتنع بتوفير المعلومة هو الأساس وحجبها هو الاستثناء، وهو عكس ما يجري في تونس”.

الحوكمة المفتوحة في الصحة وتعصير التصرف في منظومة البيانات: هل يكفي فتح البيانات لتغيير العقليات؟

مهاب القروي، عن جمعية “أنا يقظ”، أوضح أن ثقافة النفاذ إلى المعلومة  تعتبر ثقافة جديدة في تونس، إلا أننا كرسنا هذه الثقافة في الدستور، تحديدا في الفصل 32 إضافة إلى مرسوم  41 لسنة 2011، وصولا إلى القانون الأساسي لسنة 2016، لكن فوجئنا في بداية الجائحة سنة 2020 مع فرض الحجر الصحي إلى أن هيئة النفاذ إلى المعلومة أجبرت على الغلق والعمل عن بعد في ظل تلك الجائحة وهو ما أثر سلبا على سير عمل الهيئة ومتابعتها لمطالب النفاذ إلى المعلومة.

وفي سياق أخر، قال القروي أن دائرة المحاسبات في ماي 2020 بادرت في إدراج صندوق 1818 إلى التقرير السنوي والذي من المفروض أن يصدر منذ السنة الفارطة.

وكشف ممثل “أنا يقظ” أن هناك بلاغات وصلت للجمعية من مصادر من وزارة الصحة موثوق بها، تفيد بأن هناك مستشفيات في تونس اليوم تستغل في برمجية “software ” لأمراض منقولة جنسيا وهو مرض السيدا، وهذه البرمجية غير مطورة من وزارة الصحة بل من شركة أخرى خاصة، ويتم استعمال المعطيات الخاصة بالمرضى وتسليمها لشركة مختصة في إدارة تأشيرات السفر لكي لا يتحصل هؤلاء المرضى على التأشيرة وعدم سفرهم إلى دول أوروبية.

الدولة وخيار فتح البيانات

كاهية مدير بوحدة الإدارة الإلكترونية برئاسة الحكومة سوسن معلى، أوضحت أنه “في عملية فتح البيانات يجب المرور بعدة مراحل، بداية من قانون النفاذ إلى المعلومة الذي يفرض إتاحة جملة من المعلومات الأساسية إلى غاية فتح البيانات. 

وأشارت إلى أن وزارة الصحة هي حاليا في قائمة الوزارات التي ستعمل معها رئاسة الحكومة في المستقبل، متابعة “في خطط سابقة عملنا مع عدة وزارات أخرى من خلال عملية جرد بياناتها ونشرها في شكل مفتوح، وقد قمنا بتطوير منظومة إلكترونية لجرد البيانات العمومية، والهدف منها هو فتح البيانات لإعادة استعمالها”. 

مضيفة “من هذا الحوار أدعو الصحفيين إلى دعمنا في التوجه إلى فتح البيانات العمومية وتغيير العقليات من خلال انخراط الهياكل العمومية أكثر فأكثر في هذا التوجه، ومن أحسن الوسائل لتكريس حق النفاذ إلى المعلومة هو فتح البيانات العمومية وبالتالي تكريس مبدأ الشفافية، وهو ما يتطلب جهد من جميع الأطراف والفاعلين”.

هل تغيرت عقلية الإدارة التونسية بعد أزمة كورونا؟

الطبيب والناشط في المجتمع المدني منصف بالحاج يحي، أشار إلى حادثة الطبيبة في صفاقس التي نقلت وضعية قسم عملها على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، فكان رد إدارة مستشفى الهادي شاكر في صفاقس مسائلتها بدل معالجة الإشكال واتخاذ الإجراءات اللازمة، وهو ما يؤكد أن العقلية لم تتغير خلال عشر السنوات الأخيرة حول التعامل بين وزارة الصحة ومجتمع المدني والتي هي مبنية على حاجيات الوزارة فقط.

وفي كلمة الختام قال بن يحي، أن تغيير العقليات يتطلب وقت وجهد، ولا يمكن تحقيقه دون ضغط من المجتمع المدني وهي فرصة للمجتمع المدني اليوم للتكاتف والتنسيق بين الجمعيات والمنظمات والإعلام كذلك، لخلق قوة ضغط وتأثير أكبر.

محـمد الإمام صميدة، عن جمعية خرائط مواطنة ، قال أن “النفاذ إلى المعلومة يفتح الباب إلى الوساطة بين طالب النفاذ إلى المعلومة والهيكل المعني، ويفتح باب النقاش مع الإدارة للبحث عن أسباب غياب تلك المعلومة.

واعتبر أن المشكلة هي مشكلة مصالح، التي يجب العمل على تغييرها بفتح النقاش حول طبيعة البيانات التي يجب إنتاجها وتوفيرها من قبل الدولة في مرحلة أولى، ثم التوجه لبناء سياسات أكثر عدل دون الخضوع لمصالح السوق أو الممول.

الحوكمة المفتوحة في الصحة: النقائص والحلول

سهيل العلويني، مستشار لدى منظمة الصحة العالمية، فسر أن الحوكمة المفتوحة مبنية على أسس عديدة، من أبرزها مبدأ الشفافية والبيانات المفتوحة، والتي تقودنا إلى المسائلة وصولا إلى التشاركية والتواصل.

وأضاف إلى أن هناك عدة قوانين بالية وقديمة، وهو ما يتطلب العودة إلى تلك القوانين وتحيينها، مواصلا “وضعنا الحالي لم يتغير حقيقة برغم وجود قوانين وهيئات، إلا أن عقلية الإدارة لم تغيير كما أن تغيير المنظومة يجب أن يكون شامل لمواكبة العصر، وبالنسبة لمنظومة الصحة فهي نفس المنظومة منذ الثمانينيات وهو السبب الرئيسي لمهاجرة الأطباء الشبان إلى دول أجنبية التي تعيش تحت منظومة مختلفة وعصرية.

أكد رئيس قسم الدراسات والتخطيط بوزارة الصحة سفيان المناعي، أن المعلومة موجودة لكن الإشكال في نظام المعلومات الذي يتطلب مسار وشبكة لوضع المعلومة ومشاركتها بين الأطراف المتداخلة، “تونس في 1997 بدأت في مشروع بعنوان البرنامج القطاعي للصحة بتمويل من البنك الدولي ويرتكز على 7 محاور والبرنامج اختتم منذ 2003.

متابعا “يجب أن تكون هناك رؤية واضحة ومتوافق عليها وتكون مكتوبة ومنشورة، لكي يتم محاسبة أي مسئول يأتي على رأس السلطة ولضمان استمرارية البرامج والمشاريع في أي مجال.

https://www.facebook.com/carthagehealth/videos/497221772052343
https://www.facebook.com/carthagehealth/videos/507834517422282
https://www.facebook.com/carthagehealth/videos/1089636464925493
https://www.facebook.com/carthagehealth/videos/254098843597913
https://www.facebook.com/carthagehealth/videos/1335918496926681
https://www.facebook.com/carthagehealth/videos/2803719986597137