كشف حكومي


يا أيها الصحافيّون لماذا عن انتصارات الرئيس لاَ تكتبون؟

22/03/28

بقلم رئيسة التحرير

لقد حضرت ساعةٌ الإعلام، حسب التوقيت المحلّي لصاحب الجلالة قيس سعيّد. إنها مواتية جداًّ لتوجيه سهامه نحوه حتى لا نقول صواريخ، فواقع الأمر يدلنا على أن كل تلك الخطب الرنانة التي سمعناه يتحدث فيها عن حروب ومعارك، ولطالما صرخ في وجوهنا من خلالها ومرَّرَ لنا عبرها شحنات سلبية مرعبة، لا تعدو كونها مناورات استفزازية للخصم فحسب. وإن شعرَ خصومه باستفزازته، وأسموها انقلاباً، فإن المرحلة التي قادنا إليها سعيّد اليوم هي كالتي  جمعت مصر و”إسرائيل” إثر حرب الاستنزاف، و أسماها محمد حسنين هيكل في مقاله الصادر بالأهرام في الرابع عشر من جويلية، 1972، “الاَّ سلم …ولا حرب”.

 إذ أن مرحلته هذه التي يقودها قيس سعيّد، بنفسه، لوحده، لا شريك له منذ 25 جويلية 2021، يسيرُ فيها طاووساً تحت حراسة الداخلية، الوزارة الأكثر انفتاحا على تقديم المعلومة للصحفيين/ات و وسائل الإعلام ، والأفضل على الإطلاق في التعامل مع المواطن واحترام حقوق الإنسان، هي مرحلة لا منتصر فيها ولا منهزم على الرغم من سحبه الظاهر، والمؤقت لكراسي النهضة وشركائها في الحكم خلال العشر السنوات الماضية، إلاَّ أن المنكسر الوحيد فيها والذي يمكن التعرف عليه بالعين المجردة وتبيان مصائبه التي يحملها على كاهله، هو ذلك المواطن الذي تقطعت سبله، و انخرمت جيوبه، وفقد علاجه ودوائه، وجرحت كرامته، وهو يبحث بالأيام والليالي عن الدقيق والزيت والسكر.

 فبعدما فرغ رئيس الجمهورية من تجميد مجلس نواب الشعب وإبقائه على حالته تلك مغلقا بقرار جمهوري، ومحاصرا بتطويق أمني وعسكري، وبعدما حلَّ المجلس الأعلى للقضاء واستبدله بآخر مؤقت، منفردا فيه بتعيين كل القضاة العدليين والإداريين.

علاوة على تلميحه في أكثر من مناسبة بتخوين منظمات وجمعيات المجتمع المدني والعاملين فيها ونعتهم بالعمالة، أوصلته  حكمته السديدة وأقدامه المديدة اليوم إلى “وسائل الإعلام”.

الصحافة تلك المهنة التي لا يحترمها سعيّد، هي حقيقة وليست استنتاج كاتبة هذا المقال، بل لها اثباتات وأجوه صدق عشناها بمرارتها لحظة بلحظة.

الرئيس الذي أوصله الإعلام إلى كرسي قرطاج، وجلسَ في السابق على كراسي أستديوهاته ومرَّرَ من خلال أعمدة صحفه ومواقعه الإلكترونية وذبذبات إذاعاته الخاصة والعمومية، أرائه وأفكاره،  وما يسمى دجلاً بالبناء القاعدي، وحتى يشرح تلك المادة التي يرى أنصاره أنه خير من يفقهها ألا وهي القانون الدستوري، تبرأ منه منذ اعتلائه السلطة، وأعلن صراحة ومواربة، أنه لا يرى جدوى من الإعلام والصحافة، ولا حاجة تدعو لوجودهما في دولته الجديدة.

هو الذي لم يعقد مؤتمرا صحفيا واحدا بالمعنى المهني والمتعارف عليه في كل أرجاء الدنيا، فمنذ توليه الرئاسة عقد ما أسماه “لقاءً صحفيا”مشتركا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 2019 بحضور الصحفيين والمصورين الذين ظفروا بالدخول وقتها، لكن دون طرح الأسئلة، ثم عقد “لقاءً صحفيا آخر” بحضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الخامس عشر من ديسمبر 2021، أقصت خلاله الرئاسة التونسية وسائل الإعلام والصحفيين/ات من حضوره، واختارت التلفزة والإذاعة والوكالة الممولين من دافعي الضرائب، حتى يحضر عنهم صحفيون منعوا من طرح الأسئلة على قيس سعيد تحديدا، وأجبروا على طرح سؤال واحد على الرئيس الضيف. صودرت هواتفهم في مدخل القاعة، وقيل لهم يمنع استخدامها بأي شكل من الأشكال، ودخلوا قاعة الرئيس السعيد دونها، وفق رواية زميلة عزيزة كانت من الحاضرين.

“لقاء صحفي” جمع قيس سعيد وعبد المجيد تبون بتونس في 15 ديسمبر 2021

سعيّد الذي ترتكز أيضا سياسته الاتصالية أحادية الجانب على نشر بلاغات جامدة عبر صفحة الرئاسة في موقع فيسبوك، أو فيديوهات طويلة لكلمات يوجهها لخصومه بلهجة ركيكة تمتزج فيها اللغة العربية المعطوبة وبعض من الآيات القرآنية، لا يريد الاسئلة، ولا المواجهة ولا المساءلة ولا الاستفسار او طلب التوضيح.

ولربما لا تحتاج إلى أن تكون صحفيا أو حتى تونسيا حتى تفهم شخصية قيس سعيد، المائلة للفردانية، وبامكانك التأكد من ذلك عبر مشاهدة اللقاءات التي تجمعه بوزارئه و رئيستهم الوديعة، حيث  لا صوت فيها يعلو على صوته. ولربما فلتت بائعة الخبز من مطحنة الصوت الواحد، وقالت جملتها الشهيرة مؤخرا “أولادنا كلاهم البحر”.

لا معلومة ولا تبادل ولا رأي ولا شخصية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هي فقط لقاءات خشبية تنشر بالطريقة التي يريدها ناشروها، وعلينا نحن من كٌتبت عليهم ممارسة مهنة المتاعب نقلها للجمهور كما هي دون تحليلها أو التثبت من محتواها أو التحقق من صحة ما جاء فيها، حتى يرضى عنا الرئيس ولا ينعتنا بالتضليل والكذب وإخفاء أخبار استشارته العجيبة، وانتصارات حكومته الصامتة.

إذن  يا أيها الصحافيون/ات لماذا عن نجاح الاستشارة وانتصارات الحكومة لا تكتبون؟ أ فلاَ ضمائركم تُحاسبون؟ حتى وأنتم تنقلون معلوماته المضللة وفيديوهاته الطريفة والمبكية في آن، واستئثاره بالكلمة أمام ضيوفه، وكل تلك التي الأخبار التي نشرتموها عنه، لا زلتم في نظره…. مذنبون!

خليفة الشيباني عميد سابق في وزارة الداخلية يشغل حاليا خطة “محلل سياسي” في برنامج الوطنية، شكره مرة قيس سعيد واعتبره من الصحفيين الشرفاء الغيورين على الوطن.

ولربما لم يكف قيس سعيد استئثاره بالتلفزيون الحكومي بعدما نزع عنه صفة العموميّ، والفرق بينهما واضح وجلي. ذلك الذي بات بعض من مضامينه السياسية راكعة خاضعة خانعة للعهد الجديد، بشكل مفضوح في ضرب واضح لمبدأ التعددية والتنوع السياسي والاجتماعي في المشهد التلفزيوني الحكومي، وأين أصبحت “بطولات الرئيس وإنجازاته” التي لا نراها نحن الصحافيون وفق مايقوله هو وإنما يراها برنامج الوطنية، أين يكون هو أيضا حديثهم صباحا مساء ويوم الأحد. 

مضامين اتفق الجميع وفي مقدمتهم النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين على أنها لا تستجيب للحد الأدنى من الموضوعية في التعاطي الإعلامي،  إلا أن رغم كل هذا كان صوت تنبيه الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري للتلفزيون الحكومي (نسبة لصوت الحكومة وليس المواطن)، المعنية الأولى بمراقبة وتعديل المضامين السمعية والبصرية، خافتا، خجولا، مترقبا في كثير من الأحيان، مقارنة بالمعركة التي تقودها نقابة الصحفيين من أجل إنقاذ ماتبقى من الإعلام العمومي (ذاك الذي يقاوم حتى يكون عموميا حقا).

 ولعل ما يؤكد الفكرة التي انطلقنا منها أن قيس سعيد عازم على التصويب نحو الإعلام وهو أنه خلال سنة 2022 ايضا انتقد  في أربع مناسبات مختلفة أداء وسائل الإعلام. أولها كان في العاشر من جانفي الماضي، حينما قال:

كلّ يوم يضعون على أعمدة الصحف الاستفتاء الالكتروني بين ظفرين ولو وضعوا أنفسهم بين ظفرين لكان أفضل ثمّ في الأخبار بطبيعة الحال يشوهون الحقائق.

وآخرها في السادس العشرين من مارس الجاري كما جاء في بلاغ رئاسة الجمهورية:

نوه رئيس الدولة بالعمل المستمر الذي تقوم به الحكومة حتى وإن لم يتم تغطية هذا النشاط بوسائل الإعلام.

تعليقات حسمها المنطق بأمرين اثنين لا ثالث لهما، إما وأن هذا الرئيس يصيغ كلامه بعد الاطلاع على تقارير مغلوطة عن الإعلام ومضللة كمعلوماته، وهذه مصيبة، وإما فأنه يعي جيدا أن الإعلام ينقل أخباره وصور خيم استشارته الشبيهة بالعاهد البائد و يوميات حكومته المستكينة، ورغم كل هذا عازم على التحريض ضدها عن سبق إصرار وترصد، والطامة الثانية تعد جريمة لن يغفرها له التاريخ ولا أهل المهنة.

ختاماً إن كنت يا سيد الرئيس لا ترى الصحافيين/ات ، أو الأصح لا تريد أن تراهم، فلا تتدعي على الأقل أنك تبصر في ضمائرهم المهنية وتسمع ما يُخالجهم، لأن حرية الضمير المهني وإن لم تعرفها ولا تحترمها، هي التي نسيرٌ عليها صراطا حتى لا نؤذيك شخصا، بل فقط نمطر عليك حبراً مسؤولا، يليق بمسؤول منتخب، يتهمه معارضوه بأنه منقلب.


بقلم خولة بوكريم

كتب هذا المقال بصيغة حساسة للجندر