كشف صحي


سوسة: القطاع الخاص يشيّد وحدات كوفيد بالمستشفيات الجامعية..أية مردودية؟

22/04/22

جابهت تونس مثل بقية العالم موجات متتالية لكوفيد 19 و قد كشف الوباء عبر متحورات الفيروس المختلفة عن هشاشة البنية التحتية في المستشفيات التونسية مما استدعى حلولا عاجلة بالنظر إلى الانتشار الأفقي و العمودي  الذي تميز بها هذا الفيروس وقد استدعت الخطة الوطنية في مجابهة الفيروس إلى الاستعانة  بالقطاع الخاص والمجتمع المدني لتفعيل خطة طوارئ وطنية ترتكز على المد التضامني في مستويات عدة كان أهمها تهيئة المستشفيات المحلية و الجهوية و الجامعية بالتجهيزات و البناءات و الموارد البشرية اللازمة.

و من بين ما تم إنجازه على مستوى البنية التحتية في مدينة سوسة وحدة كوفيد 19 محاذي للقسم الاستعجالي في المستشفى الجامعي سهلول و كذلك تهيئة قسم الأمراض الجرثومية في المستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة و قد تم تشييد هذين المكونين بمبادرات خاصة تخطيطا و تنفيذا بالتعاون مع إدارة التجهيزات للصحة العمومية .

صورة كشف ميديا لوحدة كوفيد بقسم الاستعجالي في سوسة افريل 2022

و جدير بالذكر أن إنجاز وحدة كوفيد بالقسم الاستعجالي سهلول قد استغرق 15 يوما و انطلق فعليا في 18 أفريل 2020 و استوعب الموجة الثانية التي بلغت ذروتها بين شهري جوان و جويلية  2021 ، في حين أنه تم تشييد وحدة بقسم الامراض الجرثومية في المستشفى الجامعي فرحات حشاد بتاريخ ديسمبر 2020 و دخل حيز التنفيذ في التاريخ نفسه .

و لعل ما ميز هذين الانجازين السرعة في التنفيذ و الجودة التقنية  و الكفاءات البشرية التي سخرت لذلك في حيز زمني اتسم بالاضطراب في مواجهة الجائحة بالنظر إلى عنصر المفاجأة و عدم جاهزية الخدمات الصحية بالمستشفيات العمومية التي لم تواكب التطور العالمي بما يكفي لمجاراة حالة طوارئ صحية .

يقول رياض بوكاف رئيس قسم الاستعجالي بالمستشفى الجامعي سهلول في حديث خص به كشف ميديا:

إنَّ أول بدايات الجائحة كنا حقيقة نعتبر أننا في جاهزية كاملة للمجابهة غير أننا لم نتوقع ذلك الانتشار الواسع و كم الضحايا التي توافدت على المستشفى.

ويشير بوكاف إلى انه خلال الأسابيع الأولى من انتشار كوفيد 19 قد تم تجهيز القسم الاستعجالي بمسلك خاص و بيت واحد لاستقبال المصابين ثم يتم توزيعهم على أقسام أخرى حسب طبيعة الحالة، و لكن تطورت الأمور بشكل سريع و قصور الامكانيات المسخرة عن استيعاب الوافدين على القسم دفع العاملين فيه إلى اطلاق صيحة فزع فكان تدخل المجتمع المدني و المتطوعون من رجال أعمال و أصحاب المؤسسات الخاصة لانشاء “وحدة استعجالي كوفيد” متطورة من حيث الهندسة المعمارية التي تتماشى و طبيعة الوباء و كذلك تجهيزها بأحدث المعدات الطبية و التكنولوجيا المتطورة”.

في أقل من 15 يوما كانت وحدة كوفيد بمستشفى سهلول جاهزة على مساحة تقدر ب400 متر مربعا، و كانت المفاجأة السارة التي رفعت من معنويات الإطارات الطبية و شبه الطبية بعد أن كان أقصى طموحنا تجهيز خيمة خارجية محاذية للقسم ألاستعجالي ليسهل عملية فرز الوافدين و عزل المصابين بشكل مبكر كي لا يختلطوا بباقي المرضى.

وكان القسم الاستعجالي للمستشفى الجامعي بسهلول قد استقبل 8323 مصابا بكوفيد 19 منذ ظهور الوباء و قد أوت وحدة الكوفيد المنجزة حديثا 926 مصابا. و باشرت استقبال المرضى في أفريل 2020 و هي تضم  غرفة استقبال للمرضى و 8 غرف عزل بطاقة استيعاب لكل غرفة بين 1 و ثلاثة مصابين ، كما تضم الوحدة غرفة خاصة بالاطار الطبي و شبه الطبي و قاعة للحالات القصوى مجهزة بقاعة انعاش تستوعب بين 4 و 6 مرضى و تبلغ الطاقة القصوى للوحدة 30 مريضا .

و يقر رئيس القسم الاستعجالي إنه أمام فقدان الاطار الطبي و شبه الطبي اللازم لتأمين العلاج للمصابين في الوحدة الجديدة تم انتداب متعاقدين، و قد كان وقع كورونا على الطاقم الطبي كبيرا على المستوى النفسي خاصة في ذروة انتشار الوباء و عند إصابة أحد عناصر الجيش الأبيض ، و لعل وحدة كوفيد الجديدة قد خففت من الضغط النفسي نظرا لدرجة التوقي التي تميزت به و النظام المحكم في المسلك المحدد للتقصي و الايواء، وأنه لولا هذه الوحدة المنجزة لغرقت الجهة كاملة و استعصى استيعاب الأعداد الكبيرة من الوافدين في حيز زمني ضيق و تجاوز طاقة الاستيعاب بنسب مضاعفة.

من جهتها تقول أحلام المرّاق ممرضة رئيسة في قسم الاستعجالي سهلول: 

لقد عملنا منذ انتشار الموجة الأولى للوباء و كنا خائفين نظرا لأنه أمر مستجد و يطيح بضحاياه بشكل سريع و بقينا فترة في حيرة من أمرنا و نتساءل كيف سنتعامل مع هذا الوباء الفتاك ؟ و كيف يمكن استقبال المصابين بشكل سليم و خالي من المخاطر العدوى المحتملة.

 في ظل تلك التخوفات كان انشاء وحدة كوفيد الخارجية التي بعثت تطمينات نظرا لقيمتها الوقائية و النظام المحكم في ايواء و عزل المصابين و توفر التجهيزات الحديثة اللازمة للعلاج و الحماية”. 

عندما اترفع نسق المصابين الوافدين على الوحدة نشعر بأننا على الأقل محميين بشكل كامل و هو ما خفف علينا الضغط رغم الدوام الذي يستمر ل24 ساعة و الى حد اليوم رغم انخفاض نسبة الوافدين بشكل ملحوظ لا تزال هذه الوحدة عصب الاستشفاء في استعجالي سهلول”.

و بالتوازي مع إنجاز وحدة كوفيد بمستشفى سهلول الجامعي عاضد القطاع الخاص و المجتمع المدني مجهودات الدولة في خصوص تهيئة و تجهيز قسم الأمراض الجرثومية و المعدية بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة  و تم ذلك بإشراف من فنيين مختصين في مجال الأمراض السارية.

و يوضح محمد علي عكاري مدير المشروع لكشف ميديا في هذا السياق  أنه تم ” إحداث 6 غرف متكونة من قاعات بيضاء salle blanche  تتميز بتقنية الضغط السلبي “pression negative ” ذات طاقة استيعاب محددة ب8 أسرّة و بذلك يمكن التحكم في العدوى حتى بين المرضى بينهم في نفس المكان علاوة على حماية الإطار الطبي، كما أنه من مكونات الوحدة جناح إداري و جناح للعزل كما تتم عملية تنقية الهواء بتقنية عالية جدا”.

قسم الأمراض الجرثومية و المعدية بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة -صورة كشف ميديا افريل 2022

بعد مرور أكثر من سنتين على هذين الانجازين في المستشفيات الجامعية بسوسة يبدو أن التقييم يتجه نحو الايجاب لدى العديد ممن اتصلنا بهم و لكن لا يمنع ذلك من حجب كم الاخفاقات في مجال البنية التحتية في المستشفيات العمومية و التي بلغت ذروتها أواسط 2021 و التي بلغت ذروة انتشار الوباء و ارتفاع عدد الوفيات و كشفت عن فجوة لوجيستية في مجال التزود بالاوكسيجين إضافة إلى تنفيذ خطط ارتجالية في الأيام المفتوحة للتلقيح و ما اتسمت به من فوضى تنظيمية.

كما كشفت السياسة الصحية عن فجوة بين الجهات في المجال الصحي فلئن تمتعت جهات معينة بهبات نابعة من فاعلين و رؤوس أموال محلية من أجل النهوض بقطاع الصحة فإن جهات داخلية بقيت تعاني من كافة أوجه الحرمان الصحي  و ساء الوضع بها بشكل غير مسبوق كما انكمش رأس المال في تلك الجهات عن تسخير إمكانيات محترمة  تعاضد بها مجهود الدولة في مجابهة الوباء.

و لعل الاستغناء عن خدمات المركز الوطني للايواء بالمنستير بعد انتهاء الموجة الأولى قد عسّر المهمة في الجهة و ولّد ضغطا إضافيا على المرافق الصحية العمومية و خاصة المستشفيات الجامعية التي تستقطب المرضى من كافة أنحاء الجمهورية و خاصة من وسط البلاد و جنوبها.

و عوض أن تكون هناك سياسة وطنية متكاملة حتى تتوزع الجهود بين كافة المستشفيات تم التركيز على مؤسسات دون أخرى و هو ما خلق عدم التوازن العادل و عدم مراعات النسب المرتفعة في مناطق دون أخرى و نذكر على سبيل المثال جهة القيروان التي افتقرت إلى الحد الادنى من جودة الخدمات الصحية في مؤسساتها الاستشفائية .

و لعل ما كشف عنه رياض بوكاف رئيس قسم الاستعجالي بسهلول  لكشف ميديا من تقديم تصور مستقبلي لوحدة كوفيد التي تم انجازها و ذلك بتحويله إلى “وحدة للأوجاع الصدرية و ضيق التنفس” قد يعطي إضافة نوعية لهذا المشروع الذي أتت به أزمة كورونا. 


بالشراكة مع صحافيون من أجل حقوق الانسان/الشؤون الدولية كندا